الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الارهاب باسم الله

نشر بتاريخ: 11/04/2017 ( آخر تحديث: 11/04/2017 الساعة: 10:49 )

الكاتب: جميل السلحوت

استهداف الكنائس القبطيّة في مصر وقتل المصلين فيها كما جرى يوم الأحد الدّامي يوم 9-4-2017، مذبحة ارهابيّة تدقّ نواقيس الخطر، وتذكّر بمجزرة دير ياسين قرب القدس التي ارتكبتها العصابات الصّهيونيّة في مثل هذا اليوم قبل 69 عاما، ممّا يؤكّد أنّ ملّة الارهاب واحدة. وإذا ما ارتكبت مجزرة دير ياسين بأيد يهوديّة، كانت تستهدف ترويع الفلسطينيّين لتهجيرهم من وطنهم لاقامة دولة اسرائيل، فإنّ جريمة الكنائس القبطيّة تستهدف ترويع الأقباط المصريّين لتهجيرهم من ديارهم ومن وطنهم، ولإثارة الفتنة الطّائفيّة، لإشعال حرب طائفيّة ليست بعيدة عمّا يجري في العراق وسوريّا وسيناء المصريّة، لتمزيق مصر، وتدميرها وقتل وتشريد شعبها خدمة لأجندات أجنبيّة، ومع الأسف فإنّ كلّ هذه الجرائم الارهابيّة تتمّ بأيد عربيّة مسلمة، وبتمويل عربيّ "مسلم" تنفيذا لأجندات أجنبيّة، والهدف هو إعادة تقسيم المنطقة العربيّة لدويلات طائفيّة متناحرة.
ومن يتابع خطابات أو كتابات "المتأسلمين الجدد" ومن يهتفون لهم ممّن تمّت تعبئتهم جيّدا دون أن تتاح لهم فرصة استعمال العقل، أو العودة إلى النّصوص القرآنيّة والسّنّة الصّحيحة واستنباط ما فيها، سواء كان ذلك عن جهل منهم، أو لثقتهم العمياء بمّن يلقّنونهم، سيجد نفسه أمام خيارات صعبة، ولذلك أسبابه الكثيرة التي تنطوي في غالبيّتها تحت عباءة الجهل، وما استهداف مسيحيّي الشّرق تحديدا، وهم مواطنون أصيلون وأصليّون، وتوارثوا المسيحيّة عن آبائهم وأجدادهم معتنقي هذه الدّيانة قبل الرّسالة السّماوية المحمّدية-الاسلام-، وهم حريصون على العروبة وعلى الوطن، وثقافتهم في غالبيّتها ثقافة مسيحيّة، اسلاميّة عربيّة، كونها ثقافة شعبهم وأمّتهم، وهو يتحمّلون السّراء والضّراء مع شعوبهم وأمّتهم، واذا ما أوضح مسلم ذلك دفاعا عن دينه الاسلاميّ، وعن شعبه ووطنه، ودرءا للفتن الطائفيّة التي يحاول الأعداء تغذيتها، فإنّنا نجد من يتطوّع مهاجما ومكفّرا ومذكّرا بالحروب الصّليبيّة والحملات الاستعماريّة، ولا يكلّف نفسه مثلا أن يقرأ التّاريخ الذي كتبه المؤرّخون المسلمون، الذين عاصروا تلك المرحلة، وهو أنّ مسيحيّي الشّرق تصدّوا لغزو الفرنجة مع اخوانهم المسلمين، وكانت البداية من انطاكية، وأنّ مسلمي القرن الحادي عشر الميلادي أدركوا أبعاد تلك الغزوات الأوروبيّة، وسمّوها حروب الفرنجة، وأنّ تسميتها بالحروب الصّليبيّة كانت من أمراء وملوك أوروبا الطامعين في كنوز الشّرق؛ لتعبئة فقراء الأوروبيّين واستغلالهم للمشاركة في تلك الحروب.
وفي الحروب مع الاستعمار والامبرياليّة الحديثة، فإنّ للمسيحيّين العرب دورا في التّصدي لهذه الغزوات لا ينكره إلا كافر، وقد سقط منهم ضحايا كثيرون، وتعرّض البعض منهم ولا يزال للقتل والأسر والتّعذيب. فهل سمع "المتأسلمون الجدد" ومن لا يكلّفون أنفسهم معاناة متابعة الأحداث بأسماء مثل: جورج حبش، نايف حواتمة، طارق عزيز وبمن سبقوهم مثل جول جمّال وغيرهم؟ وهل يعلمون أنّ مهندس اقتحام خط بارليف المنيع الذي اجتاحته ودمّرته جحافل الجيش المصريّ في حرب اكتوبر 1973 هو المصريّ القبطيّ اللواء المهندس باقي زكي؟
ومع الأسف فقد استطاعت الامبرياليّة تجنيد "المتأسلمين الجدد" ليخوضوا حروبها معها، بعد الحرب العالميّة الأولى التي تمخّضت عن هدم الامبراطوريّة العثمانية، ووضعت المسلمين في مجابهة الاتّحاد السّوفييتي وحلفائه، واصفة المسلمين "بالسّور الواقي من خطر الشّيوعيّة"، وهكذا.
وحتّى أنّنا نجد من يهاجمون من يدافع عن الاسلام من المستشرقين الذين درسوا الاسلام وتأثّروا به، فمثلا هناك مستشرقة ألمانية تدعى "انجليكا نويفرت" وصفت من يهاجمون الاسلام في العالم الغربي بدراسة طويلة" وممّا قالته: "كلّ من يقول أنّ الاسلام لا يواكب العصر، فهو ذو عقل محدود." فوجدنا من المتأسلمين الجدد من يهاجمها لأسباب يصعب تفسيرها إلا بالجهل وعدم فهم المقروء.
وفي تقديري أنّه لو اجتمعت كلّ قوى "الكفر" في العالم لمحاربة الاسلام، لما نجحت في ذلك كما نجح المتأسلمون الجدد من الدّواعش وقوى التّكفير الأخرى في ذلك.
واستمرار جرائم استهداف الأقباط في مصر بشكل خاصّ، وبقيّة المسيحيّين في العالم العربيّ كسوريّا والعراق، يضعنا أمام تساؤلات جديرة بالاهتمام، منها: من المسؤول عن تغذية وتربية هذا الفكر الارهابيّ؟ ومن يموّله؟ وما هي التّنظيمات التي تمارسه أو تؤيّده؟ ولماذا يرتضي بعض الرّعاع أن يكونوا وقودا له؟ وما دور المناهج الدّراسيّة ووسائل الاعلام في مختلف مراحلها في ذلك؟ ومن يسمح لفضائيّات دينيّة تحرّض على الطّائفيّة والبغضاء بالبثّ؟ وهل وجود تنظيمات دينيّة تؤمن بالطّائفيّة يدخل ضمن حرّيّة الأحزاب وحرّية الرّأي؟ ولماذا تغيّب ثقافة التّسامح وقبول الآخر؟
إنّ الاعتداء على الكنائس وعلى المسيحيّين هو اعتداء على الوطن وعلى الشّعوب وعلى الانسانيّة، ومن يفجّر كنيسة ويقتل المصلين فيها، لن يتورّع عن تفجير مسجد على المصلين فيه، أو على المارّة في الشّوارع، وحتّى على الآمنين في بيوتهم.
فطوبى لشهداء تفجير الكنائس، وسحقا للارهابيّين القتلة ومن يقف خلفهم.