نشر بتاريخ: 12/04/2017 ( آخر تحديث: 12/04/2017 الساعة: 12:07 )
الكاتب: عقل أبو قرع
وقع الرئيس أبو مازن قبل عدة ايام على قانون جديد للتعليم الفلسطيني، ورغم اعتبار هذا القانون تطور جديد يتجاوز قوانين وتشريعات قديمه فيما يتعلق بالعمليه التعليميه والتربويه، ويدل على الاهتمام ومن اعلى المستويات بأهمية التعليم في بناء الفرد والمجتمع والتنميه، الا أن نظره سريعه على بنود هذا القانون، وخاصه الماده 3 المتعلقه بأهداف النظام التعليمي، ورغم وجود بند يدعو الى تهيئة الطالب وتشجيعه نحو الاسلوب العلمي في التعلم والبحث وحل المشاكل، الا اننا لم نجد تركيزا وبشكل عملي على أهمية التحول من مفهوم التعليم التقليدي الذي اعتدنا عليه الى نظام التعلم والتحليل العلمي العملي والتركيز على الابحاث العلميه من المراحل الاساسيه وحتى الكليات والجامعات والدراسات العليا في مجتمعنا الفلسطيني.
حيث ما زال التخبط وعدم الوضوح يكتنفان وجود استراتيجيه بعيدة المدى للبحث العلمي، الذي من المفترض أن يكون الهدف النهائي أو الاساسي منه هو ايجاد الحلول للاحتياجات، أو لتطوير اوضاع ومنتجات، أو لسبر افاق جديدة تسهل على حياة الناس من ناحية النوعية والجودة والكفاءة وحتى من ناحية الكمية، وما الى ذلك، وهذا ما تقوم بة مجتمعات او دول تقدمت وتتقدم، وقامت بتحديد بنودا ثابتة للبحث العلمي، سواء من خلال القوانين الثابته والملزمه، أو من خلال بند في الموازنة الحكومية العامة، او في الاستراتيجيات الوطنية، من اجل تلبية حاجات المجتمع المتزايدة والمتشعبة، سواء في قطاعات الغذاء والزراعة، أو الصناعة والتكنولوجيا، أو الادوية والطب، أو في قطاعات المياة والطاقة والبيئة وما الى ذلك.
ومعروف ان الابحاث العلمية كمنهج أساسي في التعلم، تأتي من خلال الممارسه المتراكمه التي تبدأ من الصفوف الاساسيه في المدرسه وحتى الانتهاء من الدراسات العليا، وهي إحدى العوامل الأساسية لتصنيف الجامعات او المؤسسات او الشركات في العالم، لذا فأن الجامعات العريقة في العالم والتي عادة ما تحتل المراتب المتقدمة من تصنيف الجامعات تمتاز باحتوائها على مراكز الأبحاث من حيث النوعية ومن حيث استقطابها الى الكفاءات البشرية، وللقيام بالأبحاث ونجاحها ، يجب توفير البيئة الصالحة لذلك، والاهم هنا ليس توفير الدعم المادي فقط ولكن وجود القانون الذي يعمل على توفير الأسلوب من النزاهة والشفافية في تحديد الاحتياجات، وفي كيفية اختيار الباحثين وتوزيع المسؤوليات، وكذلك توطيد البيئة الصحيحة للتقييم والمتابعة وقياس الانجازات والاهم توفير الهيئات المتخصصة للقيام بذلك وعلى أسس علمية ومهنية سليمة.
وحين الحديث عن اي اطار رسمي او غير رسمي يهدف الى الارتقاء بالبحث العلمي، وبالتحديد اذا جاء من خلال قانون، فأن الاهم هنا هو مدى القوة او الامكانيات التي يتمتع بها هذا الاطار، حيث من المفترض ان يقوم بلم وتنسيق الطاقات والمصادر سواء أكانت بشرية أو مادية، ويعمل كذلك على تحديد الأولويات التي تنبع من احتياجات المجتمع ويقوم بربط ذلك مع الإمكانيات المتوفرة في الجامعات ومراكز ومؤسسات البحث العلمي، والاهم ان يقوم هذا الاطار بدور عملي في ارساء البحث العلمي كمنهج اساسي في سلم التعليم في بلادنا في كل مراحله.
والاطار الوطني للبحث العلمي من المفترض ان يعمل على استغلال الكفاءات الفلسطينية، وهي كثيرة ومتعددة، ويعمل على الحد من هجرتها الى الخارج ويعمل كذلك لعودة ولاجتذاب الكفاءات والباحثين الذين هجروا بسبب شحة البحث والاهتمام بة، وبأن يعمل على تغيير نمط التعليم الحالي في بلادنا، بحيث يكون التعليم مبني على التفكير والبحث والابداع والانتاج، وان يتم ملائمة طبيعة ومخرجات التعليم لتساهم في سد احتياجات المجتمع، والاهم ربط هذه المخرجات مع احتياجات سوق العمل، وبالتالي الابتعاد عن عقدة البطالة ومضاعفاتها.
وحين الحديث عن البحث العلمي في بلادنا، فيجب التركيز على القطاع الخاص ومن ضمنه التعليم الذي يقوم به القطاع الخاص بكافة مراحله، حيث تعتبر الابحاث احدى ركائزهذا التقدم، وتعتبر الشركات التي تعتمد على الابتكارات والتجديد المتواصل احد هذه الدعائم، حيث تعتبر الابحاث سر بقاؤها لكي تنافس في عالم شديد المنافسة، سواء لإنتاج أصناف جديدة او تطوير أصناف او وسائل موجودة، والشركات العالمية الكبرى لها مراكز أبحاث خاصة بها، تفخر بها وتعمل جاهدة لاجتذاب افضل الكفاءات والأدوات ، وكذلك تفخر بالميزانيات التي يتم تخصيصها لها، وعلى ذكر ذلك فأن الشركات الكبرى في العالم تخصص مثلا مبالغ قد تصل الى حوالي 20% من مبيعاتها السنوية، للابحاث والتطوير التي هي عماد التقدم وحتى البقاء.
وفي بلادنا، ومع صدور قانون جديد للتعليم الفلسطيني، فأننا لم نصل بعد الى مرحلة ترسيخ اهمية او ضرورة البحث العلمي، كسياسة وكمنهج واسلوب لتلبية حاجات الناس والبلد، وبالتالي تسخير الميزانية والكوادر والجهود والقوانين والتشريعات من اجل تثبيتة وترسيخة في المجتمع، بحيث لا يتغير بتغير الاشخاص في الوزارات او في الجامعات او في المعاهد او في الشركات والمصانع والمزارع ومحطات الطاقة والمياة العادمة، وبالتالي فأننا لن نتقدم ونتطور وننمو وبشكل مستدام في طريق تحقيق نوعا من الاكتفاء او نوعا من الاعتماد على الذات، اذا لم نقم بتغيير النظرة والعقلية والخطط المتعلقة بأهمية وواقع البحث العلمي في بلادنا، ونحن نأمل أن كان هناك قانون جديد قادم يتعلق بالتعليم العالي بشكل خاص، بأن يتضمن هذا القانون البحث العلمي كجزء اساسي في بنوده.