الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

بناء وئام ديني ووطني في مواجهة التطرف

نشر بتاريخ: 12/04/2017 ( آخر تحديث: 12/04/2017 الساعة: 16:46 )

الكاتب: بهاء رحال

ليست الحادثة الأولى التي يتم بها استهداف كنيسة بهذا الشكل البشع وهذا العنف الدموي القائم على تعزيز الطائفية وكسر وحدة المجتمع وتماسكه، كما وأنها ليست المرة الأولى التي يستهدف بها التطرف والإرهاب الآمنين في بيوت الله، المقيمين لصلواتهم والمؤدين لشعائره في الأرض، فبينما تقوم جماعات القتل وسفك الدماء البريئة بقتل الناس في المساجد بالعراق واليمن، تقوم الجماعات ذاتها بقتل الناس في كنائس مصر، وهذا هو الارهاب القائم على زعزعة وحدة المجتمعات المؤمنة بالوطن الواحد، وأن الدين لله والوطن للجميع، وكل هذا يأتي من أجل تمزيق هذا التماسك والترابط بينهما لخلق حالة من الانتقام والثأر وتفتيت الروح الواحدة التي جمعتنا في بلاد الشرق لعقود طويلة من الزمن، في وئام ديني ووطني عميق ومتجذر لولا هذه الجماعات الدخيلة التي تسعى لتفتيت هذا الوئام وتعمل على قتلنا جماعات وأفراد لنشر الفوضى والخراب، وترويع واقعنا وتدمير حضارتنا الانسانية وبث الفرقة والفتنة، وتعميق الفجوة في الاختلاف ليتعالي أصوات التطرف من كل اتجاه وهذا ما تريده تلك الجماعات التي تتخذ من الدين ستار لافعالها وممارساتها وارهابها الدموي وهذا العنف المروع التي يندى له جبين الانسانية، والدين منه براء، وكل الاديان منها براء، لأن الدين قائم على تجسيد قيم المحبة والسلام والتسامح والتآخي والتماسك، الأديان كلها جاءت لتنشر في الأرض القيم والأخلاق ومبادئ العدل، ولم تأت لتمارس هذا القتل وهذه الجرائم وهذا الإرهاب الموجه نحو المصليين الآمنين في بيوت الله.
إذا نظرنا إلى الحادثة الأخيرة التي وقعت في أحد الشعانين، الاسبوع الذي يسبق عيد الفصح المجيد، سنجد أن هناك مخطط متكامل يستهدف ضرب وحدة الشعوب العربية أو ما تبقى منها وسط واقع عربي متشرذم مليء بالاضطراب والقتل وسفك الدماء والتفرقة العنصرية وصور الارهاب التي تضرب الدين نفسه بين مسلم سني ومسلم شيعي وبين مسلم ومسيحي قبطي وأرثوذكس ولاتين وسريان، كما وأن الحادثة موجهة بالأساس لضرب مصر واستقرارها الذي بدا يلوح بالأفق، فازعج الكثير من القوى والتيارات التي تسعى لتردي الواقع المصري وتقويض الجهود التي من شأنها الحفاظ على وحدة وتماسك الشعب المصري، صاحب أعرق وأعظم الحضارات، وهذه الجهات هي التي تفكر على الدوام بعقلية الخراب كادت أن تصيب العصب المصري في أكثر من مرة في مقتله، لولا القدرة الالهية أولاً والفعل الحقيقي لمؤسسة الدولة المصرية بكل أطيافها الذين هم صمام الأمان الأول، وهم المنقذ والحامي لمصر من الانزلاق في مربع الفتنة والاقتتال، وما جرى يثبت عزيمة الوطنيين المصريين الذين عليهم تقع مسؤولة التماسك والضرب بكل قوة وحزم لحماية مصر من الأخطار التي تحدق بها، وإلا فإن جماعات الارهاب ستواصل تنفيذ خرابها وهجماتها لبلوغ هدفها في تدمير الدولة المصرية وحضارتها، وهذا هو الخطر الذي لا يزول إلا بقرارات حاسمة وحازمة وهذه مسؤولية كاملة تقع على عاتق كل قطاعات المجتمع وكل طبقاته وفئاته وبتظافر الجهود في بوتقة الحفاظ على مصر وشعبها وهويتها لدرء الأخطار وتجفيف مستنقعات الأرهاب.
وسط واقع تبدو فيه الصورة غامقة رمادية تحاصره مخاطر جما تفرض على الوطنيين ضرورة العمل على بناء وئام ديني ووطني يهدف لتعزيز صور التآخي الحقيقي وبناء سد قوي في وجه كل القوى التي تعمل جاهدة على ضرب وخلخلة التماسك الانساني، وشرذمة الأوطان وتناحرها فيما بينها، وهذا يتطلب مسؤولية جماعية لنشر ثقافة التسامح والمحبة والقيم العليا بفعل جمعي بدءً من حقول التربية الأولى في الصفوف الدنيا، وصولاً إلى خطب الجمعة وعظة الأحد.
في النهاية نقول إن ما جرى في مصر ليس بمعزل عما يجري في المنطقة، خاصة مع تنامي فعل قوى الظلام والارهاب الذي يضرب بلادنا من كل إتجاه، ولهذا فإن تجفيف هذه الأفكار السوداء يتطلب تحقيق حالة من الوئام الوطني والديني من خلال نشر ثقافة الانتماء والتسامح والتماسك وتعزيز صور التآخي الحقيقي وزيادة الوعي، بعيداً عن العصبيات القاتلة التي تهدم المجتمعات وتأخذها إلى الهلاك، وتؤدي إلى تفشي ظواهر قاتمة السواد.