الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة موضوعية في الحالة الإسرائيلية وآفاق الصراع

نشر بتاريخ: 13/04/2017 ( آخر تحديث: 13/04/2017 الساعة: 11:04 )

الكاتب: عوني المشني

اعادة قراءة الاخر محاولة فاشلة بامتياز للهروب من اعادة قراءة الذات ، وباعتبار ان رؤيتك للآخر هي انعكاس الذات على الاخر فان اعادة قراءة الذات هي المدخل الصحيح لإعادة فهم ما حولك ، ليست مثالية ذاتية بالضبط إنما هي مقاربة بين الوعي والواقع الموضوعي ، مقاربة من نوع ما لاكتشاف الجدلية التي تحكم علاقة الذات بالاخر . وأحيانا لا يمكن تعريف الاخر الا من خلال الذات ، عندما نقول ان عدونا قوي فإننا نقرأ حالتنا ونقر بضعفنا ونقرر ان عدونا قياسا لحالتنا فهو قوي ، وهكذا يمكن قراءة الاخر من خلال الذات اي بمعنى اخر لا نهرب من قراءة ذاتنا ولكننا نجري تعديلا منهجيا في قراءة ذاتنا .
لقراءة الحالة الإسرائيلية نحتاج لمنهج مختلف نوعا ما وإلا سقطنا في الفخ المنصوب لنا أصلا والذي يهدف الى ايصالنا لحالة من اليأس تصل الى حد الاستسلام ، لقراءة الحالة الإسرائيلية سنقترب من الموضوعية اكثر ونبتعد عن الذاتية اكثر ، ربما سنعكس الوضع وسنقرأ ذاتنا من خلال الاخر ، هي طريقة غير تقليدية نوعا ما ولكنها ليست نادرة ، وهي منهج يخرجنا من اخطاء يراد ان نقع فيها ، نقرأ الاسرائيلي بشكل مستقل عن ذاتنا ثم نقرأ ذاتنا انطلاقا من قراءتنا للاسرائيلي ، حينها ستكون رؤية مقارنة ولكن من زاوية اخرى غير الزاوية التي يريد الأعداء ان ننظر للمشهد منها . اننا هنا لا نتحايل على ضعفنا ولا نبيع ذاتنا الوهم ، لكننا نحاول ان نستبصر في المنطقة المظلمة والتي تمتد ما بين الطموح والواقع والتي يختزلها البعض بالحدس بدل التحليل لفهم ما يجب رؤيته اولا .
ما هي السمات التي تميز الحالة الاسرائيلة اليوم ؟؟ هناك خمس سمات أساسية ، اسرائيل كيان غريب عن الإقليم ، ينظر له شعبيا بعداء مطلق ورسميا بعداء نسبي ، ولا امل في المستقبل المنظور ولا حتى البعيد بتطبيع ذاته مع الإقليم لان العداء حضاري لا إمكانية لتقادمه وهو جزء من ثقافة الإقليم . حتى ان الدول التي وقعت اتفاقيات سلام مع اسرائيل لم تستطع ان تطبع علاقاتها مع اسرائيل نظرا للعداء الشعبي الذي لا يتضائل بمرور الزمن . سمة اخرى ان اسرائيل مقامة على ارض ليست للاسرائيليين وبشكل كامل ، هكذا هي رواية الفلسطينيين والعرب والعالم الاسلامي ، الرواية الإسرائيلية مختلفة ولكنها لم تقنع احدا بالمطلق في الإقليم آما خارج الإقليم أيضا فالرواية الإسرائيلية تتزعزع وليست عميقة وتتراجع القناعة بها مع ارتفاع منسوب العنصرية الإسرائيلية ، اسرائيل هنا لم تستطيع ان تنفي الاخر وتخرجه من المشهد ليصار الى اعتماد الرواية الإسرائيلية للتاريخ ، فالآخر يفرض حضوره في المشهد وفِي التاريخ وبذلك يزداد القلق الاسرائيلي وتبدو روايته باهتة ضعيفة . الاخر اصبح حاضرا سياسيا واخلاقيا وموضوعيا ، هذا الحضور يقوض الرواية الإسرائيلية عالميا ويستهلك الغرور الاسرائيلي الذي يوفره ميزان القوى . 
السمة الثالثة للحالة الإسرائيلية ان اسرائيل تعتمد في ميزان القوى على حليف وحيد هو امريكيا ، هذا الحليف هو مصدر قوتها العسكرية وهو الداعم السياسي لها ، لا يوجد خيارات متعددة امام اسرائيل ، امريكيا فقط وربما مع الوقت تصبح غير مضمونة كليا خاصة في ظل تراجع دورها الوظيفي في العقود الاخيرة حيث أصبحت تحتاج من يحارب من اجلها بدل ان تحارب من اجل الغرب الاستعماري الذي أنشأها . هنا نصل للسمة الرابعة وهي ان اسرائيل ليس لها عمق كافي لتحتمل اكثر من هزيمة ، ليس لها عمق جغرافي او ديمغرافي او حتى سياسي ، اسرائيل تحتمل خسارة محدودة ولكن خسارة استراتيجية تكون نهايتها ، لا مكان للخطأ هنا في الحسابات فالخطأ الاول هو الخطأ الأخير لذلك تجد القيادة الاسرائيلة حذرة الى حد الهوس من اي هزيمة ، اخيراً فان اسرائيل وحتى اللحظة لا تمتلك خيارات بديلة في كل سياساتها ، القيادة الإسرائيلية ساذجة وعاجزة الى درجة انها أقحمت اسرائيل في طريق الخيارات الإجبارية ، دولة يخطتفها مجموعة من قيادات اليمين الاستيطاني ويفرضون واقعا على الارض يضيق الخيارات على اسرائيل ذاتها ، أصبحت اسرائيل لا تمتلك خيارات بديلة في تحالفاتها ولا في مواقفها ازاء الإقليم ولا في سياستها الدولية ، وحتى الواقع على الارض اصبح احد القيود التي تكبل أيدي النخب السياسية ، صحيح تحاول اسرائيل في الآونة الاخيرة إيجاد خيارات بديلة ولكن حتى اللحظة نتائج المحاولات متواضعة ، مثلا تحاول اسرائيل تطوير التصنيع العسكري لتجد سبيلا غير امريكيا او سبيلا يضاف الى امريكيا لتعزيز قوتها ولكن مثلما فشلت دبابة الميركافا وطائرة كفير فان صناعة القبة الحديدية والدرع الواقي كلها نجاحات إعلامية حتى الان ولا تشكل بديل او حتى بديل مساعد .
إذن هذه هي ميزات اسرائيل والتي ترسم معالمها الاستراتيجية ، هي دولة سبارطية مسلحة حتى الأسنان وقوية حتى الفوبيا ولكنها مهزوزة وضعيفة استراتيجيا ، لا يوجد ضمانه حتى بكل قوتها ، الأسئلة الوجودية لا زالت تؤرقها وان كان لا يوجد تهديد وجودي آني .
ان دولة بتلك المواصفات ستكون بلا شك متوحشة في مسلكها ، خلفية هذا التوحش ميزان القوى المختل بشكل لا يقارن حيث ان اسرائيل دولة قوية الى حد الغرور وثانيا الخوف المرضي من اي خطأ يؤدي الى هزيمتها لان الهزيمة الاولى هي الهزيمة الاخيرة ، لهذا وبفعل هذين العاملين لا يمكن لإسرائيل ان تكون سوية وطبيعية في ردود افعالها .
ربما ان تلك السمات مجتمعة ساهمت والى حد كبير في فقدان اسرائيل لدورها الوظيفي ، نعم وبلا أدنى شك فان اسرائيل التي أقيمت بفعل القوى الاستعمارية لتحقيق مصالح تلك القوى في المنطقة لم تعد قادرة على تنفيذ تلك المهمة ، الأمريكيين اضطرو ليأتو بأنفسهم للمنطقة ليحاربو تحقيقا لمصالحهم واسرائيل مكتوفة اليدين لا تفعل شيئا ، هذا ليس لمرة واحدة وليس في منطقة واحدة وليس في وقت واحد ، عدة مرات في سوريا والعراق وليبيا وافغانستان والصومال واسرائيل بدون اي دور ، هذا ينقلنا للسؤال التالي ولماذا إذن سيستمر الغرب في الحرص على بقاء اسرائيل ؟؟؟؟؟ وإذا ما أصبحت تركيا او حتى ايران قادرة على تحقيقي مصالح الغرب اكثر لم تبقى اسرائيل مصلحة غربية !!!! اسرائيل أصبحت بلا دور وتحتاج الى ان تغير من طبيعتها !!! ها هي تبحث عن دور في تحالف ضد ايران ولكن هذا أيضا لا يمكن تحقيقيه ، بفعل المنظومة الثقافية والسياسية في المنطقة ،
سيكون من السهل في هذا الحال هزيمة اسرائيل بدون تغيير دراماتيكي في ميزان القوى ولكن على المدى الطويل ، ابقاء التوتر العالي في اسرائيل هو احد اهم عوامل هزيمتها الداخلية ، التوتر بفعل عدم نهاية العداء ، التوتر بفعل تعزيز الأسئلة الوجودية ، التوتر بفعل ضمان عدم تطبيع وضعها في الإقليم ، توتر بفعل تنامي الديمغرافيا الفلسطينية ، توتر بفعل تعزيز المقاطعة والعزلة الدولية ، توتر بفعل عدم الراحة الأمنية ، توتر بفعل رفض الحلول الجزئية التي تريح اسرائيل ، ان مجتمعا متوترا بهذا الشكل وفِي كل مناحي حياته لن يصمد في صراع تاريخي ، أعطوني نموذجا واحدا لدولة بمثل مواصفات اسرائيل واستمرت بوجودها ؟؟؟؟؟ لا يوجد اطلاقا ، اسرائيل استراتيجيا مشروع لا أفق له ولا مستقبل .
كان من المفترض ان توجد قيادة إسرائيلية تدرك خطورة هذا الحال وتعمل على تغييره ، تبدأ بتجفيف أسباب التوتر ، وتوازن ما بين عناصر القوة ومنطق إيجاد التقبل ، هذا يعني استخدام القوة للإقناع لا للأخبار ، استخدام التفوق العسكري الاسرائيلي كقوة مساندة لاقناع الإقليم بتحقيق سلام ، اسرائيل فشلت هنا ، فشلت فشلا ذريعا استخدمت السلام مع الإقليم لتعزيز القوة وليس العكس ، لذلك جاء سلاما مشوها اولا وغير مقبول شعبيا ثانيا ومستند لمنطق القوة ومرتبط بها بمعنى ان استمراره مرتبط باستمرار تفوق اسرائيل في ميزان القوى ، سلام كهذا لا يجيب على الأسئلة الاستراتيجية الإسرائيلية ولا ينهي حالك التوتر التي تعيشها اسرائيل .
ان قيادة اسرائيل الحالية المتخمة بغرور القوة والفوبيا من المستقبل تعزز بمسلكها الوضع الاسرائيلي المتوتر وتزيد من حدة الأسئلة الاستراتجية ، الاندفاع باتجاه ابتلاع الارض والقضاء على مشروع دولتين لشعبين يؤسس لمرحلة صراع جديدة مختلفة بأساليبها وأدواتها وأهدافها ، مرحلة لا يغير ميزان القوى العسكري فيها من شيئ ، مرحلة النضال المجتمعي لتحقيق حقوق مدنية وسياسية كاملة بمعنى الولوج تدريجيا في مسار الدولة الواحدة ، لقد بدأ هذا المسار يشق طريقة وبتسارع كبير بفعل غباء القيادة اليمينية الإسرائيلية . والدولة الواحدة وان بدت احيانا تراجعا فلسطينيا الا انها تقدم استراتيجي على غاية من الأهمية ، انه إقرار بالاخر وبحقوقه وهذا يهدم اهم أسس الصهيونية والتي تقوم على نفي الاخر .
كذلك فان ميزان القوى في طريقه للتغير بفعل التطور ، على سبيل المثال لا الحصر ان سياسة نقل المعركة الى ارض العدو قد سقطت والى غير رجعة بفعل سلاح الصواريخ ارض ارض ولم تعد اي منطقة تسيطر عليها اسرائيل بمنأى عن اي حرب شمالا وجنوبا ، شرقا وغربا ، كذلك فان التفوق الجوي لم يعد قادرا على حسم نتيجة اي حرب ، وامتلاك دول الاقليم التكنلوجيا النووية أنهى تفوق اسرائيل وجعل هناك او سيجعل قريبا توازن رعب ، هذا يلغي الى حد كبير فكرة التفوق الاستراتيجي في ميزان القوى ، والمسألة مسالة وقت ليس اكثر ،وحتى في فلسفة الحروب الحديثة لا جدوى من التفوق في ميزان القوى ما دام الطرفان يمتلكان قوة تدميرية كبيرة غير قادر كل طرف من تحييدها عند الطرف الاخر ، هذا يذكر بقول مسئول سوفياتي كبير ردا على تساؤل صحافي حول امتلاك امريكيا أسلحة تدمر الكرة الارضيّة عشر مرات حيث رد هذا المسئول" نحن نمتلك ما يدمرها - الكرة الارضيّة - مرة واحدة وهذا كافي" !!!!! . بمعنى ان امتلاك أسلحة فتاكة وان لم تحقق الانتصار فهي كافية لأحداث دمار لا يقوى عليه الخصم .
نحن امام حالة يتغير فيها الصراع بشكل دراماتيكي ، يتغير خارج السياقات التقليدية وهذه مسألة خارج إطار السيطرة من اي طرف ، التطور التقني في العالم ، عولمة التكنولوجيا ، تحالفات المصالح ، كل ذلك من شأنه ان ينهي الهيمنة الإسرائيلية على التطور العسكري .