نشر بتاريخ: 18/04/2017 ( آخر تحديث: 18/04/2017 الساعة: 10:10 )
الكاتب: د.أحمد الشقاقي
يكاد يجمع الشارع أن أجواء الترقب التي تعيشها الأوساط السياسية والشعبية هي مخاض لمرحلة جديدة تتشكل وترسم ملامح التكتلات السياسية في مواجهة السيناريوهات المطروحة للتعامل مع الملف الفلسطيني.
وما بين تهديد بانفجار الموقف أو الذهاب نحو الانفصال أو الاتفاق تحت لغة التهديد، فإن ثمة تعقيدات على المشهد السياسي تدفع جميعها نحو محاذير لأزمات. غير أن جملة من التطورات السياسية تطرح العديد من التساؤلات حول المشهد وتفاصيله.
التوجه الجديد الذي تبنته القيادة السياسية في رام الله توحي بأن الرئيس عباس يتعامل بثقة عالية تجاه حماس ولجنتها الإدارية في قطاع غزة، غير أن هذه الثقة التي يبديها تستند بالأساس على معادلة جديدة فرضتها ظروف الواقع وهي أن ساحة القطاع أصبحت لا تستحمل عدواناً جديداً؛ نظراً للتكلفة العالية التي تفرضها الحرب، وحماس تدرس خيارات المواجهة والمبادرة للفعل المقاوم بناء على هذا التطور في معادلة الصراع، أما مسألة كسب الوقت فهي رهان رابح لفصائل المقاومة التي تستغل هذا الواقع في الإعداد للمواجهة الحتمية مع الاحتلال.
المشروع السياسي الذي يتبناه الرئيس عباس آخذ بالانحسار والتضاؤل، وبالتالي فإن فرص استمرار مخرجات التسوية تكاد تكون معدومة، ومحاولات البعض الترويج لوجود آفاق مع تقلبات الإدارة الأميركية وانفتاحها على مشروع سلام في المنطقة يتنافى مع الواقع الجيوسياسي.
كذلك فإنه من المهم أن ندرك أن مسألة الانقسام ليست مجرد واقع محلي فلسطيني، بل هي إرادة للاحتلال بالدرجة الأولى كونه المستفيد الأولى منها ويعمل على تعزيزها، وبالتالي لن تقبل إسرائيل بتحقيق المصالحة طالما كان منطق المصالحة هو المحاصصة على سلطة هي المخرج الأول لمشروع التسوية.
وعلى الرغم من محاولات راعي مشروع التسوية توزيع حلول سلمية لصراع ممتد على شكل يانصيب بعيداً عن توجه في مسار حقيقي للتسوية سواء عبر حل الدولة أو الدولتين، فإن أبو مازن ينتظر سراباً، يضيف فيه صفراً جديداً إلى مشروعه السياسي بعد أن ألحق بالغ الضرر بعمود النضال الفلسطيني وتسبب بشرخ عميق في حركة التحرير الوطني الفلسطيني.
إن سياق الأزمات التي يعاني منها قطاع غزة يأتي متدحرجاً ويتفاقم مرة تلو أخرى، وهو ما يعطي انطباعاً بأن مسألة الضغط تجاه الشعب الفلسطيني، تأتي كممارسة سياسية بهدف الابتزاز بعصا الأزمة المفتعلة، وهو ما يتقاطع مع جوهر الأزمات التي تطفو إلى السطح، لنعلم أن كل الأزمات هي بالأساس ناتجة عن تخلي السلطة الرسمية عن جزء أصيل من مكونات السياسة الفلسطينية وتهرب من التزام أخلاقي ووطني وإنساني.
إن المنطق السائد في تصدير الأزمات إلى غزة يعتمد بالأساس على الضغط، وبالتالي فإن أزمة الرواتب صُنعت ومُررت على موظفي السلطة بذات الطريقة، بعد أن أصبح ما تبقى من الراتب مغنم يمكن وضعه ضمن الحسابات، وبالتالي تراجع الصوت الفتحاوي كذلك في المطالبة بتجاوز هذه الأزمة.
إن منطق التهديد في تحريك عجلة المصالحة لا يمكن أن يحقق نجاحاً، خاصة وأن كل طرف يمكن أن يلقى في وجه الآخر ما يمكن أن يعيد ترتيب المشهد، ونسمع أفكاراً لتوجهات قد تقدم عليها حماس في تعاملها مع ظاهرة تصدير الأزمات، من خلال الانفتاح على تيار فتح الإصلاحي والترحيب بعودة رموزه إلى القطاع وعقد المجلس التشريعي وتنصيب رئيس جديد للسلطة الفلسطينية!!
الصورة الكاملة التي ترسمها مفاعيل السياسة من قبل كافة أطرافها حاليا، تعود بنا إلى ذات الحيثيات التي كانت الأراضي الفلسطينية تعيشها قبيل الدخول في مشروع السلام وتوقيع مدريد، وبالتالي فإن المخاوف التي يعبر عنها البعض من تمرير تسوية جديدة تنتقص من الحق الفلسطيني وتؤسس إلى مزيد من الشرذمة الفلسطينية تأتي منطقية، وتدفع في النفس مزيداً من التشكيك في توجهات أصحاب مشروع التسوية.