الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

خارج السياق

نشر بتاريخ: 18/04/2017 ( آخر تحديث: 18/04/2017 الساعة: 10:13 )

الكاتب: تحسين يقين

- إلى أين يا أبو عمار؟
- إلى فلسطين!
كان ذلك عام 1982، بعد ما سمي بالنصر السياسي للمنظمة.
الآن فقط اكتشفت عمق الاستراتيجية العملية للرئيس المؤسس الشهيد ياسر عرفات!
قبل 14 عاما، كنت ألاحظ على "أبو عمار" أنه كان يهتم بتفاصيل تأسيس السلطة الوطنية والاهتمام بها، لدرجة ملاحظة بعض الغياب أو أكثره للمنظمة!
وكان يلجأ رحمه الله للمنظمة (القيادة الفلسطينية) حينما كانت فلسطين تتعرض لضغوطات وقمع خاص، كأنما ليؤكد على أمر ما خلال عملية الاشتباك، وهو أن المنظمة هي المرجعية، ولا بد من منجزات سياسية للاستمرار بالتسوية، أي أنه كان رحمه الله يريد من العمل السياسي للمنظمة ما يقوي البقاء هنا، والذي أداته الفاعلة صارت بعد عام 1994 هي السلطة الوطنية، التي للأسف هناك من يدعو جاهلا أو واعيا بحلها.
ليس هناك الكثير لنقوله، بل القليل، أما الكثير الذي نحتاجه فهو التفكير الملتزم وبعض الفعل الجميل!
بقاؤنا في فلسطين إنجاز، لذلك فإن كل ما يقوي هذا البقاء يصيرا واجبا. فكيف نستطيع تقوية وجودنا على وطننا؟
لنعود إلى ما قبل 52 عاما وأكثر!
التاريخ.. آه من التاريخ!
في يوم من الأيام، حين بدأت الدول العربية في بداية الستينيات بتشجيع تأسيس منظمة فلسطينية، كان هدفها المبطن حل القضية الفلسطينية من خلال التسوية السياسية، عبر احتواء هذه المنظمة ضمن النظام العربي الرسمي، لذلك انتبه المؤسسون الأوائل للحركة الوطنية المعاصرة، نواة حركة فتح قبل الإعلان عنها رسميا، لهذا الأمر، وهم كشباب متحمسون، كان هدفهم التحرير وليس التسوية، فجاملوا النظام العربي واشتركوا في تأسيس المنظمة، لكن كانت أعينهم وأفئدتهم في مكان آخر، عير اختيار النضال المسلح، فكان ما كان من انطلاق الثورة، ودخول تحولات العمل الثوري حتى العام 1974، بداية الحديث السياسي. ولعلنا نجد مؤرخا موضوعيا يتناول تلك الفترة للإجابة على سؤال مهم: هل كانت الثورة عام 1965تمهيدا للتسوية؟ الإجابة ستعني الكثير لمن يتناول محطات منظمة التحرير من حيث الزرع والحصاد.
لماذا عدنا إلى تلك الفترة بالتحديد؟ يمكن هنا الاستماع للقيادات الأكبر سنا، ومن بينهم ما تبقى من المؤسسون الأوائل، للتنوير بدقة وتركيز وإبداع وصراحة حول ما كان، وليس لتكرار الصيغ الجاهزة.
المهم لماذا عدنا؟
أجيب: لماذا لا نعود؟
للمخطط العقلاني الاستراتيجي أن يفكر:
- تحليل الواقع.
- بحث الممكنات.
- المعيقات.
- التغلب على المعيقات.
وتلك أمور تقليدية، لكن تقليديتها لا يمنع من كونها مهمة جدا.
ترى ما الذي يربط السلطة الوطنية، والعمل السياسي، والوضع الفلسطيني خارج الوطن؟
ساحة الوطن هي الأكثر أهمية، فبصراحة من الصعب الادعاء بأننا مسيطرون على الوضع الفلسطيني خارج الوطن، فالأمر لا يتجاوز البعد الوطني الرمزي والإداري والمالي بشكل محدود.
اليوم هو غير الأمس، فبدلا من البحث عمن يمثّل الشعب الفلسطيني، ينبغي الإجابة على السؤال العملي (وليس الاستراتيجي) وهو ما الذي يمكن أن يصنعه هذا الممثل: الجديد، القديم، الاثنان معا؟
ترى ما هي حدود حركتنا الوطنية داخل فلسطين وخارجها؟ وما هي الوسائل الممكنة والمتاحة فعلا؟ وهل هي دائمة أم مرتبطة باتجاهات وتوازنات وتحالفات سياسية يتم توظيف الحركة الفلسطينية في صالح تلك الجهات الجديدة كما تم فعل ذلك من قبل؟
إذن فإن هذا الوعي-والمسؤولية الوطنية الصادقة تقودنا إلى الزهد في الاشتباك على التمثيل، وإغرائنا لما هو جوهري.
استخلاصي هو ادعائي بأن تقوية السلطة الوطنية سيساهم في تقريبنا من حل شبه عادل لقضيتنا العادلة.
لذلك لا نسأل: لماذا يجب صيانة منجز السلطة الوطنية وتطويره وإشراك القوى الفلسطينية فيه؟ بل نسأل لماذا لا يتم الالتفاف والتعاون من أجل تقوية سلطتنا الوطنية، عبر تصالحنا واتفاقنا في مسألة التمثيل السياسي من خلال ما هو قائم فعلا: منظمة التحرير؛ فليس هناك مبرر لإيجاد منظمة جديدة، لن تكون قادرا عمليا أصلا على تجاوز محددات الواقع!
لذلك كيف لا يزداد سوء ظننا بكل من يسعى للتحريض على السلطة الوطنية (نواة الدولة) وتخريبها؟
كان ابو عمار رحمه الله عميقا، فلقد عركته الأحداث من قبل الإعلان عن فتح عام 1965 حتى الرمق الأخير، وتوصل وإن لم يعلن ذلك صراحة، بإن ما بين أيدينا هنا في فلسطين، هو المهم بل الأهم!
حينما غادر بيروت سأله الصحافيون إلى أين: فقال بثقة إلى فلسطين!
ماذا كان يعني أبو عمار بتلك الجملة-المفهوم-التخطيط الاستراتيجي؟
كان يعني ما يقوله، بأن الفعل يجب أن يكون من الداخل المحتل حتى ولو كان صغيرا!
كان يدرك معنى الأمر الواقع السياسي للشعب الفلسطيني من خلال السلطة الوطنية؛ لذلك لم يشأ ابو عمار الوقوف عند التفاصيل السلبية في الاتفاق السياسي، في ظل ما صار تتعرّض له المنظمة من مضايقات؛ حيث كان ينظر إلى ما هو أبعد، إلى عدالة القضية، والحقوق، وإرادة شعبنا.
باختصار، نحن اليوم بأمس الحاجة لقراءة الأهمية القصوى والاستراتيجية الملحة والعملية لسلطتنا الوطنية، للفعل السياسي، في الحكم والإدارة، باتجاه إعادة الاعتبار لها كون الوسيلة لا لتقوية بقائنا في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل لدعم الوجود السياسي للمنظمة خارج الوطن، خصوصا في الحفاظ على اللاجئين في أماكن لجوئهم، ووقف تصفية الوجود اللاجئ في المخيمات، لتفريغ أحد أبرز قضايا الحل النهائي.
وما دام أننا متفقون على أهمية سلطتنا كمنجز وطني ووسيلة بقاء وتقوية لما هو سياسي، تفاوضي أو ما يخص العلاقات العربية والدولية، فإن المسؤولية تقتضي الاهتمام بالقائمين عليها.
نعم السلطة الوطنية مهمة، وهي لنا، لشعبنا المناضل والبطل، وهي من تحقق الأهداف الوطنية لمنظمة التحرير، أهداف شعبنا.
لذلك، أدعي ومعي كثيرون، بأننا مدركون لأهمية التأكيد على هذا المنجز من منطلقات وطنية، وألا نسمح لأحد بأن يوظفها لغير ما خلقت له.
أمران مهمان أرجو أن نتقي الله فيهما:
- إنجاز المصالحة باتجاه حسم مسألة التمثيل وصولا لفترة زمنية تسمح بانتخابات المجلس الوطني.
- تقوية جسد وروح السلطة الوطنية، من خلال خبراء السياسة والحكم، والاتفاق الوطني بإتباع قوى الأمن جميعها للسياسي الشرعي الذي يتم انتخابه خلال زمن محدد.
وهنا، ومن خلال احترامنا لبعضنا بعضا، فإننا نعرف إمكانياتنا وقدراتنا وعلاقاتنا، فكل بما وهب، ولعل القوى الفلسطينية تدرك في أعماقها لمن تسلم مسؤولية استئناف تقوية تأسيس مؤسساتنا وبنائها، والوصول إلى الفلسطيني في كل مكان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف، ووجوب مدّ الأيادي البيضاء لأشقائنا وشقيقاتنا في مخيماتنا، ودعم من اضطروا للخروج منها، فحينما نصلهم في المخيمات والمنافي لن نسأل وقتها عمن يمثلهم فعلا، لأننا نكون قد فعلنا ذلك تماما، ووقتها سنجد معيارا أخلاقيا لاقتسام مالنا معهم، بدعمهم وزيادة أملهم بالعودة، حتلا لا نسلنهم لليأس والهجرة بعيدا عن حدود فلسطين.
فالتنمية تقوينا هنا، وتقوي أمل العودة. والعدالة العدالة العدالة..ممكنة لو إردنا، ومعها شقيقاتها الشفافية والنزاهة والمساءلة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والتنوير الثقافي والفكري لضمان عدم التطرف.
هذا هو مشروعنا الأخلاقي والوطني والإنساني والسياسي...
هل هناك غيره!
ونجاحنا الحقيقي هو هنا، وليس فقط في الخارج، وإنجازنا الحقيقي أيضا هو هنا أيضا.
وإن أي إنجاز أممي أو قومي إن لم يصب في تقوية وجودنا وتقوية أمل شعبنا سيكون ناقصا.
إن الوصول للمواطن الفلسطيني هنا أو في الشتات هو الأهم، ومن خلال ذلك سنصل العالم، فماذا يفيد تواجدنا في العالم إن لم نتجواجد فعليا هنا وهناك في مخيمات اللجوء وأماكن اللجوء الجديدة!
تلك هي الشرعية والمشروعية!
ولن يكون المال عقبة إن ضمنا العدالة..ولا يجوز شغلنا وإشغالنا به، فهناك ما هو أولى للاشتباك معه.
لذلك يصبح الحديث عن التعديل الوزاري تثبيته أو نفيه خارج السياق!