نشر بتاريخ: 20/04/2017 ( آخر تحديث: 20/04/2017 الساعة: 15:09 )
الكاتب: د. وليد القططي
عندما تواجه جماعة بشرية مأزقاً ما من المفترض أن تتصدى له بطريقة علمية وواقعية للخروج منه بأقل الخسائر وبأكثر المكاسب، ولكن هذا لا يحدث في كثير من الأحيان، فتواجه المأزق بطريقة غير علمية وغير واقعية، قد تكون إما بالهروب منه للخلف أو الهروب منه للأمام. وهذا ما حدث وما يزال يحدث في مواجهة مأزق غزة الحالي، الذي أُعيد إلى الواجهة نتيجة لأزمة الرواتب، لنجد أنفسنا أمام دوامة لا تنتهي من تجدد بروز المأزق واستحكام حلقاته، وتجدد الهروب منه مرة إلى الخلف ومرات عديدة إلى الأمام.
والهروب من المأزق يتم بعدم وضعه في سياقه الطبيعي كمحصلة للاحتلال والحصار والانقسام، فأزمة الرواتب هي الحلقة الأخيرة منه- حتى الآن- حيث سبقها سلسلة حلقات بدأت بالاحتلال ولم تنتهِ بالانقسام. وعندما نبدأ بالاحتلال كأساس وأصل لكل أشكال المعاناة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى اليوم، مروراً بالخلاف حول كيفية مواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين عندما تغّير الفكر السياسي الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية باتجاه قبول التسوية مع المحتل وتقاسم فلسطين مع اللص، وانتهاءً بترجمة هذا الفكر السياسي إلى مشروع واتفاقية وسلطة أوسلو ليحط رحاله بإقامة سلطة فلسطينية غير مقاتلة على أرض غير محررة بخلاف مشروع النقاط العشر المرحلي الذي فتح الطريق لمشروع السلطة والذي تحدث عن سلطة وطنية مقاتلة على أرض محررة تكون بداية لتحرير كل فلسطين، فإذا هي نهاية لمشروع التحرير الحقيقي، وغطاء للاحتلال وتكريس للاستيطان.
والهروب من المأزق يتم بعدم الاعتراف بخطأ المشاركة في سلطة تحت الاحتلال تتناقض جوهرياً على مشروع المقاومة، وأُقيمت على أساس اتفاقية أوسلو كمرجعية قانونية، وعلى أساس قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية سياسية وبناءً على تلك المرجعيتين يعترف العالم بها ويتعامل معها ككيان سياسي مسخ غير محدد المعالم يقع ما بين الحكم الذاتي والدولة، ويحجز بين المقاومة والاحتلال.. وإن عدم الاعتراف بهاتين المرجعيتين وفي نفس الوقت إدارة سلطة منبثقة عنهما لا يلتقيان، فكانت النتيجة الحصار ثم الانقسام طبيعية في ظل هذا الواقع غير الطبيعي الذي أنتجه مشروع أوسلو النكد.
وبناءً على ذلك فإن مواجهة مأزق غزة والمأزق الفلسطيني بشكل عام يجب أن يبدأ بمواجهة الأسباب الحقيقية له وليس معالجة المآزق الفرعية الناتجة عنها، ويجب أن لا تكون مواجهة بالهروب إلى الأمام عن طريق التهديد باتخاذ إجراءات أشد قسوة ضد غزة أو التهديد بالانفجار في وجه الاحتلال. مما يعني محاولة الخلاص من المأزق بالقفز على الحقيقة وتجاهل الواقع وخداع النفس وتضليل الآخرين وتبرير الجمود والتهرّب من المسؤولية، والإيحاء بأننا نقوم بعمل أكثر أهمية ونقاوم خطراً أشد فتكاً ونواجه مؤامرة أبعد عمقاً، ثم نمارس دور الضحية ونتشرّب شعور المظلومية وننزع نحو الديماغوجية... هذا كله بدل مواجهة الواقع ومعالجة أسباب المأزق بموضوعية وواقعية للخلاص الحقيقي منه كي تنتهي معاناة الناس ويتعزز صمود الذين هم حاضنة المقاومة ورافعة المشروع الوطني الفلسطيني من أجل العودة والتحرير والاستقلال.