نشر بتاريخ: 25/04/2017 ( آخر تحديث: 25/04/2017 الساعة: 16:31 )
الكاتب: د.أحمد الشقاقي
كسرت تكنولوجيا الاتصال قواعد العمل الإعلامي التقليدي، وتداخل مرسل عملية الاتصال مع مستقبلها لتتشكل مرحلة نوعية من العمل الإعلامي، مزدحمة بتفاصيل السياسة والاقتصاد والرياضة وحتى الجريمة!!
تعقيدات السياسة، وتراجعات الاقتصاد، فتحت الطريق أمام مشاهد للعمل المجرم، وان كانت في أطرها الضيقة إلا أنها باتت تشكل ناقوس خطر أمام انزلاق المشهد إلى ما هو أسوء.
الحالات الأخيرة الثلاث التي شهدها قطاع غزة في النصيرات ، ورفح ، وغزة قدمت صورة أولية لفوضى صحافة المواطن، وانعكس ذلك على بعض من الوسائل الإلكترونية والتقليدية، وهو ما يعني أن الاجتهادات في هذا المسار هي ما تحكم العمل المهني!!
وأمام الضغط الشعبي والنفسي الذي تسببت به هذه الحالة، كان لابد من الوقوف أمام هذه القضية ونقاشها بشكل حر، بما يعمل على تجنب السلبيات، وبحيث تتعمق الاستفادة من الأدوار التوعوية من الوسائل الإعلامية وفقاً لمبدأ المسئولية الاجتماعية.
من المعيب أن تلتقط بعض المنابر الإعلامية بعض الشائعات، وتسوقها إلى الجمهور رغبة في السبق الصحفي، على حساب الموضوعية والمهنية، وهو ما يتسبب بشروخ كبيرة في القاعدة الشعبية الفلسطينية، وهي السلاح الاستراتيجي الذي ما زلنا نحتفظ به رغم كل المحن والابتلاءات.لذلك فإن الضابطة الإعلامية التي يحتاجها القائم بالاتصال تلخصها قواعد المهنية، وكما أن الحفاظ على أسرار المقاومة مصلحة وطنية فان الحفاظ على النسيج المجتمعي مصلحة امن قومي.
إن الدور الإعلامي للتعامل مع حالات الجريمة لا يمكن أن يأتي في سياقات عامة، وبالتالي فإن محددات إعلام الجريمة تتلخص في الخروج بقراءة واعية للمشهد برمته، دون الاندفاع لتوجيه الاتهامات والأحكام المسبقة. بحيث تبقى المصلحة المجتمعية هي الفيصل، بما يتوافق مع البرامج والخطط الوطنية-إن وجدت- لمواجهة الجريمة. فلا يمكن الاتكاء على قاعدة أن الجريمة حدث ميداني يتم تداوله وتناقله بكل بساطة دون اخذ الحيطة والحذر، وذلك بما لا يتعارض مع حرية الطرح والنقاش.
كذلك فإن السياق الشخصي في تناول حالات الجريمة، يحدده مجال الحرية التي تنتهي بانتهاك خصوصية الآخرين، فلا يعقل أن تصبح الانتهاكات لخصوصية الأسرة نوعاً من النسق الإعلامي الذي يتعارض مع التركيبة المجتمعية، وبما يخالف العادات والتقاليد.
وأمام هذه الحالة الإعلامية الناشئة كأثر للواقع، فإنه من الواجب تحديد ضوابطها؛ بما يجعل منها أداة ايجابية تعمل وفق قواعد التوعية والتحذير، بما يخدم المجتمع ويعود بالنفع على أبنائه.
ويمكن تحديد مجموعة من الضوابط في إطار استثمار الإعلام بشكل ايجابي، ومؤثر وبما يخدم المواطن، وينفع الوطن في القضاء على الجريمة، وتضييق الخناق على الجرائم وأصحابها وذلك من خلال، أولاً: أن تأتي الرسالة الإعلامية بشكل عام في مسار توعوي ينهض بالمجتمع، ويقضي على بذور تشكيلات الجريمة بكافة مشاربها. وثانياً: معالجة قضايا الجريمة بشكل وافي، واستعراض مسبباته المختلفة، بالتزامن مع تقديم حلول حقيقية لدوافع الجريمة ومسبباتها. ثالثاً:تجنب الاعتماد على المصادر غير الرسمية في نقل الجريمة، والذي يعرض المعالجة الأمنية للسقوط في هوامش عمل لا داعي لها. رابعاً: مطلوب من الجهات المسئولة توفير إجابات واضحة حول الحدث بما يخدم الحفاظ على تماسك المجتمع، وذلك في اقل فترة زمنية ممكنة؛ بما يدحض الفرص أمام انتشار الشائعات. خامساً: التركيز على مناقشة أبعاد ومخاطر انتشار المواد المخدرة في المجتمع، وبالتحديد بين الفئة الشابة التي ينبغي استثمارها في البناء بدلاً من تركها عرضة للاستهداف الذي يستنزفها ويضعها في مواجهة مع المجتمع.
إن التركيبة العشائرية في المجتمع الفلسطيني لا تزال حاضرة رغم تراجع الحضور العائلي بسبب النزعة الحزبية، والتي تجاوزت كل التقاليد الفلسطينية. ومن المهم أن يكون واضحا للجميع أن تجنب الحديث عن شكل التعامل الإعلامي مع حالات الجريمة سيلحق الضرر بالنسيج المجتمعي. كذلك من المهم أن يفهم المغردون على وسائل التواصل الاجتماعي أن هذه النافذة قد أصبحت ساحة خصبة للاستهداف الإسرائيلي، الذي يراقب الأداء على الشبكات، ويبني تصورات للتماسك المجتمعي، ويحصل على معلومات مجانية تتعلق بالحاضنة الشعبية لقوى المقاومة والتحرر الفلسطينية.
وأخيراً همسة عتب إلى جميع المسئولين: اتقوا الله في أبناء شعبكم، وارتقوا إلى مؤشر الأزمة، لا ترهقوا السلاح الشعبي بفشل برامجكم الحزبية، من المحزن أن يصبح التهديد بلقمة العيش برنامج سياسي، ومن الكارثي تسويق مشاريع مصالحة وهمية في ضرب لتطلعات الجمهور بعرض الحائط. كونوا على قدر المسئولية وبحجم الأزمة!!