الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لا تتكلم في السياسة يا أبا الوليد

نشر بتاريخ: 25/04/2017 ( آخر تحديث: 25/04/2017 الساعة: 16:32 )

الكاتب: د. وليد القططي

" لا تتكلم في السياسة" جملة نهى قصيرة تحمل رسالة تهديد واضحة هي آخر ما قاله خاطفو المناضل الفلسطيني محمود الزق (أبو الوليد) له بعد خطفه والاعتداء عليه بالشتم والضرب قبل أن يلقوه على قارعة الطريق بطريقة همجية تدل على مدى انحطاط السياسة وتدني القيم لدى فئة معينة تصوّرت نفسها فوق القانون وتتعامل مع شعبها باستعلاء وتنظر إليه من علِ. السياسة التي يريدون إغلاق أبوابها أمام الأحرار وفتح أبوابها على مصراعيها أمام قلة من أشباه الرجال لها خصائص مختلفة عن غيرها من أنواع السياسة البائسة أو سياسة البؤس التي تتوّزع على الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده، حتى نسينا أو كدنا ننسى أن فلسطين مُحتلة من البحر إلى النهر وأن نصف الشعب الفلسطيني موّزع بين ثلاثة أنواع من الاحتلال الاستيطاني ما بين فلسطين المحتلة عام 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة المحتلتين عام 1967، بخلاف نصف الشعب الفلسطيني الآخر الموّزع في مخيمات اللاجئين ومنافي الأرض، وأننا في مرحلة تحرر وطني نواجه عدواً واحداً من المفترض أن نكون موّحدين في مقاومته وجهاده.
لا تتكلم في السياسة يا أبا الوليد، السياسة التي تكشف عورات السياسيين، وتميط اللثام عن قبح المتنفذين، وتثبت عجز القيادة الحكيمة، وتفضح فساد الحكام المُلهمين، وترفض استبداد أولي الأمر منا وعلينا، وتُشير بالبنان إلى مكامن الخطأ والقصور، وتُرشد الناس إلى مواطن ضعفهم ليعالجوها ومواطن قوتهم ليعززوها... أما السياسة التي تُطبّل للسياسيين وتكيل المدح للمتنفذين، وتُزيّن الباطل للحكام، وتتغنّى بأمجاد أولى الأمر، فالتكلم فيها مباح ومسموح ويصل إلى درجة المندوب والمرغوب، وقد يرتقي إلى درجة الواجب والمفروض. ومن يفعلْ ذلك يلقَ الأجر المحمود، وهو من بعد ذلك لمن المقربين المُخلَصين، وقد يكون من أولى الحظوة الأخيار إلى جانب أسياده من عليّة القوم ونخبة الأشراف وأصحاب الفخامة والسعادة والسيادة.
لا تتكلم في السياسة يا أبا الوليد، السياسة التي يُلدغ أصحابها من نفس الجحر مائتا مرة، ويكرروا نفس الخطأ مرات ومرات، ويعيدوا إنتاج الفشل مرة بعد الأخرى... فيلهثوا خلف سراب السلام الخادع، ويجروا وراء وهم التسوية الكاذبة، ويخدعوا أنفسهم بعد مجيء كل إدارة أمريكية جديدة، تمارس سياسة أمريكية قديمة متجددة لا يتغير فيها إلا أسماء الرؤساء وتفاصيل الدعم الذي يزداد كماً ونوعاً مع كل رئيس وإدارة جديدين... لتوصلنا تلك السياسة البائسة إلى مزيدٍ من الضياع بعد أن تحوّل مشروع أوسلو مقبرة للمشروع الوطني الفلسطيني، وأصبح وجود السلطة غاية في حد ذاتها ومُعيقة لمشروع التحرير الشامل وغطاءً للاحتلال والاستيطان ومن أهم عوامل الانقسام وحاجزة بين المقاومة والاحتلال... ومن أهم دلائل بؤس السياسة الفلسطينية الرسمية أن يُطبّق المبدأ الميكافيلّي- الغاية تبرر الوسيلة- في الصراع الداخلي مستخدمين الشعب وقوداً لهذا الصراع، كخصم أو قطع رواتب الموظفين لإجبار حركة حماس الخضوع لشروط ومطالب السلطة. وكأن معاناة الناس وإهدار كرامتهم لا قيمة لها في هذه السياسة البائسة.
السياسية المحظور التكلم فيها هي سياسة البؤس التي يتسبب أصحابها بالفقر والمعاناة لشعوبهم، ذلك الفقر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة معدلات الجريمة كما قال الفيلسوف اليوناني سقراط بأن " الفقر هو أبو الثورة وأبو الجريمة" بخلاف الأصل في تعريف السياسة عند ابن خلدون بأنها "صناعة الخير العام" الذي ربط أيضاً بين سياسة الظلم والقهر والبطش والخوف والذل من جهة وخذلان الشعب للدولة في مواطن الحرب. وهذا يعني أن العمل على تخفيف المعاناة عن الشعب في مختلف المجالات لا سيما المجال الاقتصادي هو أهم عوامل الصمود لديهم، ومقاومة بدون شعب صامد فوق أرضه لن تكون قوية مهما امتلكت من قوة مادية.سياسية البؤس هي التي تفقد الشعب الأمل بغدٍ أفضل، وتفقد الجيل الثاني الحلم بمستقبلٍ أجمل لهم ولأبنائهم، ويتحوّل فيها الفقر الدائم إلى بؤس دائم أسوأ من الفقر كما قال صاحب رواية الجريمة والعقاب (ديستوفسكي) مُفرّقاً بين الفقر والبؤس قائلاً "البؤس رذيلة، يستطيع المرء في الفقر أن يظل محافظاً على نبل عواطفه الفطرية، أما في البؤس فلا يستطيع ذلك يوماً".
لا تتلكم في السياسة يا أبا الوليد، السياسة التي تُصبح فيها الشراكة السياسة كالمناكفة بين زوجين متباغضين، والحوار السياسي كالمناطحة بين كبشين أقرنين، والمناظرة السياسة كالردح بين جارتين نكدتين، والنقاش السياسي كالتراشق بالطوب بين مراهقين شقيين، لا تتكلم في السياسة يا أبا الوليد.