الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحريات الصحفية في فلسطين تعيش حالة متدنية

نشر بتاريخ: 02/05/2017 ( آخر تحديث: 02/05/2017 الساعة: 14:56 )

الكاتب: حسين حماد

يحتفل العالم في الثالث من آيار/ مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهي مناسبة للتعريف بأهمية الحريات الصحفية وفضح انتهاكات الحق في التعبير عن الرأي وحرية الوصول للمعلومات وتداولها ونشرها وتملك وانشاء وسائل الاعلام، كما أنها مناسبة للتذكير بالدور البطولي للصحفيين أثناء التغطية الصحفية ونقل الأخبار للجمهور.
وتعدّ حرية الصحافة مطلباً إنسانياً واجتماعياً وفكرياً وسياسياً لكونها من أهم أبجديات مجتمع التعددية والديمقراطية، فهي تتأثر بمختلف القوانين والمواثيق واللوائح التي تؤكد على مبادئ الحرية وتلتزم بها، وتدعو إلى ممارسة أوسع لها في مختلف مناحي الحياة الإعلامية. حيث تهتم المواثيق الدولية بالحرّيات الصحفية، حيث بدأ ذلك بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان بنصّ المادة (19)، كذلك تأكيد المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على تلك الحريات، ونصّ المادة (79) من البرتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف المشكّلة للقانون الدولي الإنساني على أن الصحفيين "الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة (50). وتناول القانون الأساسي الفلسطيني المعدل الحريات الصحفية في المادة (19)، حيث نصّ على حرية الرأي والتعبير بالنشر والقول والكتابة والأشكال المختلفة، وفي المادة (27) تناول تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام وحريتها. وتناولها قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني (رقم 9 لسنة 1995م) في المادة (2)، وناقش الحرّيات في أكثر من مادة فيه، رغم الانتقادات التي وجهت له لتقييده بعض الحرّيات الصحفية في المادة (37) منه.
ويأتي الاهتمام بالحرّيات الصحفية كثمرة لاحترام الصحافة ودورها المجتمعي، وممارسة الصحفيين لعملهم الرقابي على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كسلطة رابعة، والحرّيات الصحفية هي: حرية الرأي والتعبير، وحرية وصول الصحفيين للمعلومات وتداولها والحق في الاحتفاظ بالمصادر وسرّيَتها، والحق في تملك وإنشاء وسائل الإعلام المختلفة. إذ أصبحت هذه المفاهيم حقوق للإنسان يترتب عليها واجبات من السلطة الحاكمة والأجسام الصحفية المختلفة. وللمجتمع الفلسطيني خصوصية كونه يقع تحت نير الاحتلال الكامل منذ العام 1967م، ويعاني من آثار الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي وقع في العام 2007م، ووصلت الحرّيات للحد الأدنى من الاحترام خلال أحداث الانقسام، فارتكبت العديد من الانتهاكات خلال تلك الأحداث، وترتّب على ذلك وجود جسمين للسلطة، وغيبت المؤسسات الفلسطينية الموحدة كالمجلس التشريعي والأجهزة الأمنية والوزارات والمؤسسات الحكومية. ورغم تشكيل حكومة الوفاق الوطني في العام 2014م، إلى أن الحال الفعلي بقي على ما هو عليه، واستمرت الانتهاكات بحق الحريات الصحفية في غياب الضمانات التي تحمي الحريات الصحفية، سواء من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي أو من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة. وتفضي الحريات الصحفية بالتأكيد إلى عمل صحفي حر، يخدم المجتمع ويرتقي به، ويحمي الصحفي ويشجّعه على أن يصدح برأيه المهم الصحيح دون قيود وبالشكل الذي يراه مناسباً، وبالأسلوب الملائم، شريطة احترام آراء الآخرين، وعدم القذف أو القدح، وألا يضع نفسه تحت طائلة القانون.
وتتضمّن التشريعات الفلسطينية العديد من القيود التي ترتقي إلى مرتبة المعوقات، حيث أن قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني لم يوفّر الحماية القانونية للصحفيين والكتاب والناشرين، ووجهت له الكثير من الانتقادات الجوهرية، ويتضمّن ألفاظاً فضفاضة وغامضة وغير واضحة قابلة للتأويل والاستخدام العكسي. وهناك شكّ بأنّ الهدف منه هو المصلحة العامة. ومع اختلاف الخبراء حول كون التقييدات التي فرضتها التشريعات المحلية على الحريات الصحفية ترتقي للمعوقات. والأصل أن تأتي هذه التقييدات لكي تنظّم العمل الصحفي، وتحافظ على مجموع الصحفيين، وتحمي الصحفي من الوقوع في الخطأ، وتحافظ على سمعة الآخرين وحقوقهم، وعلى النظام العام والمصلحة العامة، ولكن أن يستغلّ الحاكم وأصحاب المصلحة هذه التقييدات في تفسيرها وفقاً لما تقتضيه مصالحهم، فهنا تكمُن خطورة النصوص. وقد أسهم الانقسام الفلسطيني في ارتقاء هذه التقييدات إلى مرتبة المعوقات، لأن الجهات المكلفة بإنفاذ القانون اختلفت وتعددت وما تزال تنظر للصحفيين من زاوية المواقف والانتماء السياسي. وقد تكون المعوقات سَهلة التجاوز والحل إذا ما عُرفت أسبابها وطرق معالجتها المُثلى، والقيام بالمحاولة تلو المحاولةِ لعلاجها وعدم اليأس أو الاستكانة، للحدّ من قوّتها على طريق انهائها، وذلك بسلوك كافة الطرق الفرديّة والجماعية، الابداعيّة والتقليدية، الماديّة والمعنوية، بهدف الخلاص مما يُعيق تطور الصحفي والإعلام والارتقاء بالمجتمع. وبإزالة المعوقات سوف تحترم الحريات الصحفية وتنمو مهنة الصحافة.
وختاماً تعيش الحريات الصحفية في فلسطين حالة متدنية، فالانتهاكات كبيرة وكثيرة ومتنوعة، ويقترفها أكثر من طرف، ويمكن وصفها بالمنظمة والجسيمة. فالاحتلال يواصل انتهاك حقوق الصحفيين الفلسطينيين في كل من محافظات الضفة الغربية ومحافظات غزة، خلال العمل، وحقّهم في الرأي والتعبير والوصول إلى المعلومات وإنشاء وملكية وسائل الإعلام. فيوقع القتلى والجرحى بين الصحفيين الفلسطينيين، ويعتقلهم، ويمنع تنقلهم وحركتهم وسفرهم للمشاركة في دورات تدريبية أو لتغطية مؤتمرات وأحداث دولية، ويعتدي عليهم بالضرب ويخرّب معداتهم، ويغلق المؤسسات الصحفية ويعبث في محتوياتها، وغير ذلك من الانتهاكات والإجراءات التي تمسّ الصحفيين الفلسطينيين ومؤسساتهم بشكل مباشر. كما يعطّل الانقسام الفلسطيني دور المجلس التشريعي الفلسطيني في تأييد أو إصدار تشريعات جديدة تحافظ على الحريات الصحفية، وساعد قوى الأمن في كل من الضفة وغزة على انتهاك حرية الصحافة باستخدام تقييدات القانون وربط ذلك بالمصلحة العامة والتي يقصد بها مصلحة السلطة الحاكمة هنا أو هناك، وانتهاك حقوق الصحفيين الفلسطينيين في الرأي والتعبير والوصول إلى المعلومات وإنشاء وملكية وسائل الإعلام، فتمنعهم من التنقل والحركة، ويعتدي عليهم بالضرب، وتعتقلهم أو تستدعيهم لمقابلة الأجهزة الأمنية، وغير ذلك من الانتهاكات التي تهدد أمن الصحفيين وسلامتهم الشخصية. كما يرى أن الاحتلال والانقسام تعديا كونهما معوقات وانتهاكات إلى أنهما أصبحا أسباباً لانتهاكات ومعوقات أخرى، وبزوالهما ستصل الحريات الصحفية إلى درجة راقية يلفّها الاحترام والحماية في فلسطين.