الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة الى الاحرار

نشر بتاريخ: 03/05/2017 ( آخر تحديث: 03/05/2017 الساعة: 15:54 )

الكاتب: شروق صافي

لقد حان الوقت لأندد وأشجب وأستنكر ما يحدث بشكلٍ شخصي وعادي وبحت، سأنقب عن كلمات الآن، أحشوها في رسالةٍ وأتبادل فيها عزائي مع من يقرأها، وأصرّح باضطرابي الحقيقي اللامنتهي:
إلى مكسوري الخاطر، الأسرى الذين تكاد أسرتهم تحفظ رائحة أجسادهم، تنوح عيونهم من شدة الألم، من يشعرون بحناجرهم تتشقق كما يحدث بالأرض اليباس، لقد جئتم من رحم هذه الأرض التي جئنا، وأكثر من ذلك، فقد جاء بعضكم منا، منكم الأبناء والآباء والإخوة والأخوات والأمهات والأحفاد، كذلك جئتم من الأفعال والعقول والدروب وكنتم أفعال وعقول ودروب أيضا.
إننا نفكر فيكم
ماذا يحدث وراء كل تلك الجدران المغلقة بالسلاسل والأوصدة والسجانين؟
أتكفي تلك النافذة لتعرجوا منها إلى سماواتكم الزرقاء حين يأتي النهار؟!
تحفرون بملاعق طعامكم على الجدران طرق تأخذكم إلى الحياة؟!
كيف تتسللون بأقدامكم الحافية على خيوط الشمس وترقصون بكل هذا الأمل؟
حين يجيء عليكم الليل بجبروته وكبريائه وحلكة ساعاته، وبينما تفرغ خيام التضامن من الناس الجالسين والواقفين، الموجوعين والناظرين إليهم، وأولئك اللاشعوريين المتبلدين المبتذلين حتى في تضامنهم وفي ربطات عنقهم وابتساماتهم، من اجتذوا مشاعرهم من جذورها، أتغرقون أنتم في العتمة شيئًا فشيئًا كما يخيل إلى مخيلاتنا الصغيرة المحدودة، تدسون أجسادكم بها، يستمع بعضكم لأنين بعض وبعضكم الآخر يحلم، أتحلمون ؟!
هل يأتى الليل لينصت إليكم؟
إلى صوت جوعكم -لا لضجيج العالم الزائف-
أيجيء ليحتضن الطفلة الأسيرة القاصرِ -عِوضًا عن والدتِها-
تلك الطفلة التي تجلس وراء الباب منتظرةً دورها في العودة إلى البيت من هذا الكابوس، إلى حلمها الطفولي الوردي؟!
كل ما يحدث لم يكن في الحسبان، أو على الأقل لم أتوقعه أنا ابنة التسعينيات. لم نكن نعلم بأن الخنوع لا يتوقف في مرحلةٍ معينة، أو ينحصر في بقعة صغيرة جدا من الأرض، يجتمع عليها الخانعين، بل يتمدد من حقبةٍ إلى التي تليها، ومن بقعة إلى التي حولها، حتى ينتشر بشكل موسع. لم نكن نعلم بأن الصبر، صبركم، لا مثيل له على وجه الأرض، فالأسير الفلسطيني متفردٌ في كل شيء بطريقة اعتقاله، طرق تعذيبه وحتى في طرق صراعه مع سجانه، صراعه حول حريّته كإنسان، ماذا فعل ليستمر عقابه إلى هذا الحد من التنكيل وانتهاك الأجساد.
الكثير من أمهاتكم لا يستطعن تفسير ما يعتريهن هذه الأيام، دخل الشهر الأول للإضراب في منتصفه الثاني، إحداهن تعلم أن ابنها متعب، منهك وهزيل، وأخرى لا تعلم إلا أن ابنها جائع، جائع لماذا يا ترى؟! إنها تسأل نفسها كل يوم؛ ما إذا كان قد اقتات على ما هو جائع عليه أم لا يزال على وعده وكلمته، لا يزال على جوعه. وأخريات يعلمن تماما بالمصيبة والكارثة التي تحدث مع أزواجهن، ما العضو القادم الذي سوف يتوقف، وتقول لك أرجوك تماسك !
لن نستوعب أمر موتكم بعد كل هذا العناء.