نشر بتاريخ: 14/05/2017 ( آخر تحديث: 14/05/2017 الساعة: 10:04 )
الكاتب: تحسين يقين
سيكون لقمة الرياض الفلسطينية السعودية الأمريكية ما بعدها..
ستكون، إن خلصت النوايا، فرصة لبداية فعلية لتحقيق السلام، وأن إخفاق آخرين ليس معناه أن أن يستمر.
الهدف، ألا تضغط علينا الإدارة الأمريكية فلسطينيين وعربا، خصوصا أنها تجد صعوبة في الضغط على حليفتها إسرائيل.
في كل يوم تشرق فيه الشمس، أو تغيب، أو تتوسط السماء، سنكون دوما مع الأمل وفيه، وبه نمضي نحو مصيرنا الإنساني وطنيا وقوميا وإنسانيا.
وكل يوم من أيام الأسرى المضربين عن الطعام منهم وهم بشكل عام إنما يدفعنا للتفكير الوطني الملتزم بحل مشكلة الأسر لا مشكلة الإضراب فقط.
وأي فعل على الأرض نيته طيبة باتجاه صنع السلام المنشود، سيصنع ثقافة السلام التي لا تأتي بكلمة مهما كانت جميلة، بل بإرادة الفعل القادمة من الشعور الصادق والعقلانية الإنسانية الحكيمة، نحن أبناء وبنات اليوم لا الأمس، لكن حتى نكون كذلك، هناك ما يجب علينا جميعا أن نفعله باقتناع ومحبة.
الآن، ونحن لحظيا نتألم مع أسرانا، لنا أن نتمسك بأمل تحريرهم جميعا، وليس فقط الاستجابة لمطالبهم داخل المعتقلات، ولا ننسى أن ذلك حدث في سياق اتفاقية أوسلو قبل 23 عاما، حتى وإن حدث بشكل نسبيّ، فقد كانت الاتفاقية تقتضي بحل مشكلة الأسرى القدامى، ولعلنا نكون موضوعيين في تقييم سلوك القيادة الفلسطينية، التي ظلت تضع شرط تحرير الأسرى شرط قبول استئناف التفاوض، حيث كانت محطة الأسرى الأولى بعد التحرر من الأسرى: المقاطعة، وما تمثله سياسيا ووطنيا، باستقبال الرئيس لهم، وإلقائهم السلام على الرئيس المؤسس. لقد كان سياق تحررهم منسجما مع سياق عملية سياسية طمحن لتحقيق أهدافنا الوطنية.
في تلك الأيام من منتصف التسعينيات ، لكنني وآخرين من أبناء شعبنا قرأنا بقلوبنا وعقولنا، وعرفنا المسافة بين الممكن وغيره، فقلنا لنقرّبها نحو الممكن عمليا باتجاه ما نطمح له استراتيجيا سياسيا ووطنيا وإنسانيا. لم "يكّبر الرئيس عرفات ولا القيادة السياسية وقتها قفتهم، لأن "اللي بكبر قفته ما برفعها" لكنهم منحونا الأمل، بأنه يمكننا فعل ما أهم مما نفعله إذا امتلكنا الحكمة، لكنهم في كل أولئك كانوا صادقين في اتجاههم نحو السلام العادل، لأنهم اكتووا بالحروب؛ لذلك حين راح أخوة لنا كلما سرعنا الخطو نحو تطبيق الاتفاقية، وما سمي وقتها بالنبضات، أي الانسحاب من الأراضي المحتلة، عنّ لهم اختيار ذلك الوقت لتفجير الوضع، مما منح الاحتلال للأسف فرصة المراوغة، وصولا لمذكرة واي ريفر، وبدلا من التعاون الاستراتيجي بين ألوان-لوني الطيف الفلسطيني، تشظينا وصولا إلى ما نحن فيه الآن، ولسان حال الإسرائيليين منذ الانقسام يقولون مع من نتفاوض، إذا كنا نفاوض جانبا ويحاربنا جانب آخر؟ حدث ذلك في أواخر التسعينيات، وأواسط العقد الأول من القرن الجديد.
كنت في آخر العشرينيات، وامتلكت عقلانية الفلسطيني الذي يريد تحقيق حاجات شعبنا الملحة والمتوسطة، دون أن ننسى حقوقنا الوطنية جميعها؛ عين كانت على ما هو عملي في ذلك الوقت، وعين على الهدف الاستراتيجي في المستقبل. والآن، أتهيأ لدخول الخمسين، وأجد نفسي بتلك العقلانية، وأطمح لتلبية الحاجات العملية لشعبنا اللحظية ومتوسطة المدى، دون تناسي حاجاتنا الاستراتيجية، والتي بنظري لا تتناقض مع السلام، فالسلام سيكون للفريقين شيئا رائعا، وللإسرائيليين بشكل خاص ستكون ثماره دائمة أفضل من الثمار المؤقتة للعنصرية، وسيكون لهم تحقيق حاجاتهم الاقتصادية وممارسة خصوصياتهمالثقافية والدينية في بلد يتميز بالتنوع والتعددية.
لنتأمل: حراك جزئي للأسرى، وحراك خجول خارجه، إلى أي طريق سيصل بهم وبنا، وهم لن يكون بوسعهم التوقف الآن، أما الحراك خارج المعتقل، فوفقا للمتغيرات والظروف، ووفقا لأي مراقب متخصص وموضوعي يفهم في علم نفس الشعوب، ومنها شعبنا الآن، في المكان والزمان، سيتسطيع معرفة الممكن، لا غير الممكن الافتراضي الذي في رأس هذا الطامح أو ذاك الذي لا يستطيع البقاء دون التعكير، متذكرين جميعا تفاصيل الهبة الأخيرة وما آلت إليه من منح الاحتلال مبررا لقتل الإنسان الفلسطيني ظلما، وضمان استمرار "إدارة الصراع".
ما الذي وطنيا نريده من الحراكين؟ حراك الأسرى وحراك التضامن الوطني؟
أضف: في ظل الظروف والعلاقات العربية والدولية والإدارة الأمريكية الجديدة في بداية عهدها؟
هو كذلك!
المطلوب وطنيا أن يقوم الرئيس، بصفته الشرعية اليوم، في القمة وبعدها بما يلي:
أولا: حل مشكلة إضراب الأسرى من باب أن العودة لاستئناف المفاوضات يحتاج خطوات نوايا طيبة من قبل الإسرائيليين، وذلك ليس فقط بقبول مطالب الأسرى المضربين عن الطعام فقط، بل والإفراج عن عدد كبير منهم، بمن فيهم الحالات الإنسانية والمرضى والأطفال وكبار السن. وأولا أيضا التأكيد على الخرائط التي تم شبه الاتفاق عليها بين الرئيس عباس ورئيس الوزراء الأسبق أولمرت، لأن لها دلالة مهمة في كسر مبررات حكومة إسرائيل.
ثانيا: توحيد الكل الفتحاوي، وطي صفحة الخلافات المعلنة، والخفية التي هي أكثر صعوبة.
ثالثا: تقوية الكل الوطني المتمثل بمنظمة التحرير.
رابعا: إنجاز التصالح مع حماس، من خلال علاقات شفافة ونزيهة، نحو شراكة استراتيجية، خصوصا أنه سياسيا لم تعد حماس تختلف عن منظمة التحرير.
أما لماذا سيكون لقمة الرياض ما بعدها، فهي أن الرياض اليوم بما تمثّل المملكة العربية السعودية منشأ المبادرة العربية للسلام، فإنه جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز سيكون في موقع الموضح والمسوق للمبادرة المجمع عليها عربيا، والتي فعليا وموضوعيا تحقق الحد المقبول به لصنع سلام كامل بين إسرائيل والدول العربية يقوم في الأساس على حل الدولتين. ولن تقبل الرياض لا اليوم ولا غدا المسّ بقضية القدس، التي تدرك المملكة معنى القدسية أكثر من غيرها، وهي الحاضنة لمكة المكرمة والمدينة المنورة؛ فلا يكتمل السلام الحقيقي إلا بها. وسيقطع خادم الحرمين الشريفين كل شك أو مبرر لإسرائيل؛ فهناك ما يستطيع العرب ضمانه من أمن مشترك لجميع دول المنطقة.
سيكون خادم الحرمين الشريفين اليوم وغدا خادم الثلاثة حرم، وبحكمته وصدقه وجديته اليوم، سيتطيع تجميع الكل الفلسطيني أولا ثم الكل العربي، لتحقيق ما تم الاتفاق عليه في مبادرة السلام العربية ليهنأ مقدمها الملك الراحل عبد الله في مرقده بسلام، وهو الذي كان بمبادرته جادا وآملا ومؤمنا بتحقيق السلام.
من هذه اللحظة يمكننا فعل السير في طريق المحبة والوحدة والسلام إن أردنا، وليس في ذلك إلا تحقيق أهدافنا بل وبذلك تتجدد الشرعيات، فلا شرعية بعد اليوم للانقسام، أيا كان منطلقه ومكانه، الذي بات يؤخر خلاصنا الوطني وخلاص أسرانا وتحررهم أولا.
إن حسنت النوايا وأكدت جديتها، الآن، وبعد القمة، باعتبار ما سوف يكون، سنكون أمام تفاوض جاد مع قيادة الأسرى، بقيادة الأخ مروان البرغوثي، ورفاق دربه من فتح وفصائل العمل الوطني والإسلامي، باتجاه حله حلا مشرفا يحفظ كرامتهم.
أما الخطوة القادمة، وما بعدها، فوفقا لمنطق حل النزاعات، ووفقا للصفقات، ستجد إسرائيل نفسها مضطرة للمساهمة في التهيئة السياسية، وذلك بأن تهيئ الظروف لكل ما يجعل السلام ممكنا: الإفراج عن قيادات للمشاركة في جولة المفاوضات الجديدة، فبوجود قيادة المعتقلات على طاولة المفاوضات السياسية ستعني للشعب الفلسطيني الكثير، فلا أحدا سينصح بتكرار الوجوه نفسها، فلا بد من تطعيمها بوجوه أخرى من فتح واليسار وحماس أيضا.
إن تسويقا ذكيا وموضوعيا لمبادرة السلام العربية للإدارة الأمريكية، سيعني الكثير، ولن تستطيع الإدارة الأمريكية أن تضغط علينا، خصوصا أنها تجد صعوبة في الضغط على إسرائيل، وهذا بحد ذاته إنجاز، لأن إسرائيل تريد ضرب العلاقات الفلسطينية والعربية-الأمريكية.