نشر بتاريخ: 14/05/2017 ( آخر تحديث: 14/05/2017 الساعة: 10:13 )
الكاتب: محمد خضر قرش
التصريح غير العادي بل والاستثنائي الذي صدر عن الرئيس عقب لقائه دونالد ترامب الأسبوع الماضي في البيت الأبيض الأميركي يحتاج إلى أكثر من وقفة وتحليل وتعليق وفهم خلفياته والاسس والمعايير التي استند اليها الرئيس ودفعته لإطلاق هذا التصريح. فهو في غاية الأهمية ليس لكونه صادر عن الرئيس نفسه بل لأنه جاء في وقت تؤكد فيه كل المؤشرات والمعطيات والمعلومات المتاحة والاوضاع المحلية الفلسطينية العربية والإقليمية والدولية إلى عكس ما ذكره الرئيس تماما. وقد توقفت كما توقف غيري من الكتاب والمحللين لتفحص التصريح ودلالاته والنتائج المترتبة عليه والسياق العام للتصريح. وفي البداية لا بد من توضيح ما يلي:
1- أنها ربما المرة الأولى التي يتبنى فيها الإعلام الفلسطيني وخاصة المؤسسات الإعلامية التابعة للقطاع الخاص موقفا متحفظا بل ومعارضا لما ذكره الرئيس، عن "ان السلام بات في متناول اليد". وقد عبر عن ذلك بشكل صريح العديد من كتاب المقالات والأعمدة الرئيسة والافتتاحيات، فقد جاءت متناقضة وفي بعضها متحفظة عما أدلى به الرئيس.
2- جرت العادة في السابق، ان تكون وسائل الإعلام متفائلة أكثر من المؤسسات الرسمية والسباقة لنشر مبشرات وخيرات السلام حتى قبل اتمامه او التوقيع عليه، كما حصل قبل واثناء وحتى بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد وشرم الشيخ والعقبة وواي بلانتيشين وغيرها كثير.
3- لكن في هذه المرة كانت وسائل الإعلام، الفلسطينية والعربية على حد سواء، المبادرة والسباقة في فرملة وكبح موجة التفاؤل غير المبنية على حقائق وتقارير ملموسة، استنادا للمعطيات والمعلومات المتاحة امامها خاصة وأنها تأتي بعد أزمة الواقع العربي المرير الحالية التي تعايشها وعلى وجه التحديد منذ بداية فترة التدمير والحريق العربي قبل نحو ست سنوات. وعليه فوسائل الاعلام تعتقد بأن لا مبرر لما أشار إليه الرئيس لكونه لا يستند إلى أسس موضوعية أو ملموسة.
4- بل أن وسائل الاعلام وخاصة كتاب المقالات تصدت بمهنية لتصريح السفير الفلسطيني الجديد في واشنطن والذي قال فيه "بأن أميركا مع إسرائيل لكنها - وهنا بيت القصيد- ليست ضدنا!!! فأقل ما يمكن ان يقال في هذا التصريح إذا أردنا ان نحسن الظن، هو ساذج وغبي ويفتقر للخبرة وللتجارب ولمتابعة تاريخ العلاقة بين الكيان الإسرائيلي وأميركا من جهة والعالم العربي وفي المقدمة منه القضية الفلسطينية. فاطلاق مثل هذا التصريح (راجع جريدة القدس المقدسية يوم الأحد الماضي الموافق 7/ أيار الحالي الصفحة السادسة) يعكس حالة من الاندفاع والحماس الرسمي الفلسطيني نحو تبييض الوجه القبيح للولايات المتحدة الأميركية على مدار العقود السبعة الماضية من النكبة. فهي ضدنا وتحاربنا وتستخدم الفيتو دائما لصالح لإسرائيل وتعاقبنا وتمنعنا من طرح قضايانا امام مجلس الامن الدولي وتحاربنا بشدة في كل المنظمات الدولية دون استثناء وترفض الاعتراف بحقنا في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء الاحتلال البغيض.
5- على ما يبدو فإن السفير الفلسطيني الجديد في واشنطن لم يطلع ولم يقرأ عن مصير الحكام العرب الذين وقفوا على الدوام إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية ودافعوا عنها بقوة وحرارة. ولن اذهب بعيدا في التاريخ فيكفي مثالا واحدا ذكره احمد ابوالغيط السفير المصري السابق في الولايات المتحدة ووزير الخارجية لاحقا حينما قال في مذكراته نقلا عن الرئيس المطرود حسني مبارك قوله " بأن المتغطي بالأمريكان عريان" وهذه مدونة في مذكراته. فعلى السفير الفلسطيني الجديد أن يقرأ جيدا ما كتبه احباب وأنصار وأصدقاء الولايات المتحدة الأميركية جيدا قبل أن يدلي بمثل هذه التصريحات الساذجة والبعيدة عن الحقائق.
وبالعودة إلى تصريح الرئيس المشار إليه فلربما قائل او محلل يقول بان الرئيس قد حصل على معلومات أو على وعود أو شبه التزام معين أو اطلع على تقارير دفعته لإطلاق هذا التصريح. ذلك ممكن وربما يكون واردا ولكن اليس من الواجب أن يضع الرئيس شعبه أمام المعطيات والمعلومات التي توفرت لديه من مصادر البيت الأبيض لخلق الطمأنينة لدى الشعب الذي ما زال يقدم التضحيات الجسام. اليس هو الأولى بمعرفة الحيثيات التي استند اليها الرئيس في إطلاق هذا التصريح غير الواقعي والذي يتعارض كليا مع كل المعطيات والحقائق الميدانية والجغرافية التي تدور وتجري في فلسطين والوطن العربي وخاصة في سوريا واليمن وليبيا والعراق وشبة جزيرة سيناء. لماذا يتجنب الرئيس مصارحة الشعب وقول الحقيقة له. ما الذي تغير خلال زيارته لواشنطن في الأسبوع الماضي لكي يدلي بهذا التصريح " السلام بات في متناول اليد" كيف وما هي المبررات والحيثيات التي أملت على الرئيس قول هذا التصريح. من جهتي كمواطن فلسطيني أتمنى ان يكون كلام الرئيس قريبا من الواقع وانه حقا بات السلام في متناول اليد.
فإسرائيل وامام العالم اجمع ومنذ مؤتمر مدريد واتفاقيات كامب ديفيد والقاهرة لم تنفذ أي اتفاق بوجود وحضور وشهادة رؤساء أميركا ومصر والأردن والاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا مع توفر ظروف محلية فلسطينية موحدة وعربية مواتية ومؤيدة للحق الفلسطيني ورغم ذلك لم تلتزم بل ولم تستطع الولايات المتحدة الأميركية أن تتغط على حليفتها إسرائيل لتنفيذ ولو 5% مما وقعت عليه امام العالم اجمع. شعب فلسطين كان موحدا ويحكمه رئيس واحد في الضفة والقطاع ونتائج الانتفاضتين المباركتين شكلت أدوات ضغط إضافية على إسرائيل لحضور المباحثات والتوقيع على العديد من الاتفاقيات وكان الموقف العربي غير متشرذم أو مشتت ومبعثر ومتقاتل فيما بينه وحركات داعش والنصرة وبقية المنظمات الإرهابية تنخر في الجسد العربي وتفتته وتفتك به بلا قيود. فعلى ضوء ما تقدم كيف يفسر الرئيس ابومازن بأن السلام بات في متناول اليد؟؟؟ من الذي يجبر إسرائيل لتحقيق السلام وما الذي يدفع الولايات المتحدة الأميركية للضغط على حليفتها الاستراتيجية (إسرائيل) لتحقيق السلام. كل ما تريده الولايات المتحدة الأميركية مؤمن لها ومتوفر وبدون تكلفة بل وإن إسرائيل تقيم علاقات سياسية واقتصادية وتجارية دائمة مع العديد من الدول العربية وتحقق كل ما تريد فلماذا تقدم تنازلات، بالمفهوم الإسرائيلي، للفلسطينيين والعرب، وهي تعلم بأنهم في وضع بائس لا يستطيعون فعل أي شيء على الأطلاق في هذه المرحلة التي قد تطول لعقود ما لم تحث طفرات غير متوقعة. السلام لم يعد في متناول اليد لا الان ولا غدا ولا بعد غد. أما إذا كان التصريح قد صدر بسبب حسن الاستقبال وما سببه من انبهار فقد استقبل الرئيس ياسر عرفات بأكثر قبل ذلك ولم يتحقق أي شيء وكنا جميعا نسير وراء وهم ومفاوضات عبثية لا طائل منها.