الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مخاض الانتقال من الانقسام إلى الانفصال

نشر بتاريخ: 18/05/2017 ( آخر تحديث: 18/05/2017 الساعة: 15:16 )

الكاتب: د.ابراهيم أبراش

أحداث وإجراءات وتصريحات سريعة ومتزامنة وضعت الشعب الفلسطيني في حيرة من أمره وزادت من تأزم الأوضاع ومن حالة التيه السياسي :_
1- تشكيل حركة حماس هيئة –حكومة- لإدارة قطاع غزة مع زيادة تشديد قبضتها الأمنية على القطاع .
2- قرار السلطة بالخصم من رواتب الموظفين من أبناء غزة المقيمين منهم في القطاع أو خارجه – خصم على الهوية- والتهديد باتخاذ إجراءات قاسية أخرى قد تصل لقطع كل أشكال الدعم المالي عن قطاع غزة .
3- ميثاق حركة حماس الجديد بنصوصه الملتبسة ومحاولة الحركة طرح نفسها كحركة وطنية معتدلة .
4- مسيرات وتصريحات لحركة حماس يتم خلالها حرق صور الرئيس وترديد شعارات تقول بأن أبو مازن لا يمثل الشعب الفلسطيني .
5- انتخاب شخصية معتدلة مقيمة في قطاع غزة -اسماعيل هنية - رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس .
6- تفاقم الأوضاع المعيشية وحالة احتقان أمني ووصول الأمور في قطاع غزة لدرجة الانفجار .
7- تزايد الضغوط السياسية والمالية من إسرائيل وواشنطن ودول عربية على الرئيس أبو مازن ووضعه أمام خيارات صعبة .
8- توقف كل أشكال المقاومة ضد إسرائيل سواء من خلال الالتزام بالهدنة في قطاع غزة ،أو محاصرة المقاومة الشعبية في الضفة وتجاهل انتفاضة السكاكين والدهس في الضفة الغربية .
9- فقدان النخب السياسية الثقة بالشعب والوحدة الوطنية ،ومراهنتها على المشاريع والتسويات الخارجية .
10- تحركات عربية ودولية لتشكيل تحالف تكون إسرائيل جزءا منه ، والحديث عن حل إقليمي قد يؤَسس على واقع الانقسام الفلسطيني .
11- تصريحات معلنة من مسئولين في فتح والسلطة بإمكانية الإعلان عن الانفصال عن غزة وتحميل حركة حماس كل المسؤولية عنها .
12- جهوزية نفسية واجتماعية وتكيف إكراهي من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة للتعامل مع الانفصال كأمر واقع .
حاولنا أن نستخرج من كل هذه الأحداث وتزامنها ما يؤشر أن القوى السياسية وصلت لحالة من النضج السياسي وباتت تدرك خطورة المرحلة ، وأن ما يجري هو مخاض عسير للمصالحة وإنهاء الانقسام والتوصل لشكل من التوافق أو الالتقاء وسط الطريق وخصوصا بعد وصول رهانات الطرفين – منظمة التحرير وحركة حماس- لطريق.
إلا أن مؤشرات مضادة ومثيرة للقلق تعزز تخوفات بأننا مقبلون على منعطف خطير عنوانه الانتقال من الانقسام إلى الانفصال وهو الأمر الذي حذرنا منه منذ سنوات ، ومحاولة كل طرف فلسطيني تحميل مسؤولية ذلك للطرف الآخر ، ومحاولة كل طرف أن يضمن له مكانا في معادلة تسوية قادمة قد تؤسَس على واقع الانقسام .
خطورة ما يجري لا تقتصر على وجود كيانين منفصلين ،فتاريخيا كان الشعب الفلسطيني يعرف مثل هكذا خلافات حيث كان قطاع غزة منفصل عن الضفة وبقية فلسطين طوال الفترة من 1948 إلى 1967 وخاضع لإدارة عسكرية مصرية ،والضفة كانت جزءا من المملكة الاردنية الهاشمية ، ويضاف لهما فلسطينيو الداخل – الخط الأخضر- وفلسطينيو الشتات . والخطورة لا تكمن في وجود مؤامرات على الشعب الفلسطيني ،فطوال تاريخ الثورة الفلسطينية وهي تتعرض للمؤامرات .
إن الخطورة تكمن في أن العلاقة بين (الكيانين) والسلطتين الحاكمتين علاقة عداء مرشحة للتزايد وتترك تداعياتها على النواحي الثقافية والاجتماعية والنفسية مما يجعل الشعب غير محصن لمواجهة التدخلات الخارجية،كما أنه يتم تغييب مسؤولية الاحتلال وأطراف خارجية عن كل ما يجري للشعب الفلسطيني ، فحركة حماس تُحمل المسؤولية لحركة فتح عن الانقسام والحصار ،وحركة فتح تحمل المسؤولية لحركة حماس ،والشعب يُحمِّل المسؤولية للطرفين .
من المكن القبول بشكل من الانفصال الجغرافي والانقسام السياسي في حالة استنفاذ كل سبل المصالحة ،قبول ذلك في إطار تقاسم وظيفي وطني ، وفي إطار تفهم واتفاق مشترك للطرفين بأن ما جرى مخطط إسرائيلي حتى وإن شاركت فيه أطراف فلسطينية بوعي أو بدون وعي ،وأن الانفصال الجغرافي والانقسام السياسي لا يبرر حالة العداء ولا يعني بالضرورة نهاية المشروع الوطني التحرري ،بل يمكن تطوير المشروع الوطني التحرري من خلال صيغة توافقية بين كل الكيانات الجغرافية والسياسية الفلسطينية .
إلا أنه يبدو للأسف أن كل النخب السياسية الفلسطينية وخصوصا التي تحوز على السلطة في الضفة وغزة لم تعد تعول على الشعب والوحدة الوطنية بقدر تعويلها على أطراف خارجية لدعم سلطتها وتوجهاتها ،وعلى مشاريع تسوية تراهن أن تجد لنفسها موقع قدم فيها بل وشريكا فيها بجانب واشنطن وتل أبيب !.
عندما تفقد القيادة والنخب السياسية ثقتها بشعبها وبالمشروع الوطني كمشروع تحرر وطني فستتحول لمجرد أداة للخارج حتى وإن قالت غير ذلك . والسؤال ماذا بعد تحويل الانقسام إلى الانفصال ؟ ما هو مستقبل قطاع غزة ؟ وما هو مستقبل الضفة الغربية ؟ وما هو مصير التمثيل الفلسطيني ؟ وما هو مصير القضية الفلسطينية برمتها ؟.