الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

دلالات القمة العربية الإسلامية الأمريكية القادمة

نشر بتاريخ: 19/05/2017 ( آخر تحديث: 19/05/2017 الساعة: 09:47 )

الكاتب: زهير الشاعر

بعد عدة أيام من الآن ستعقد القمة العربية الإسلامية الأمريكية والتي سيحضرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحضور ما يقارب من خمسين زعيم دولة عربية وإسلامية ، حيث تعد هذه الزيارة للمملكة العربية السعودية هي الأولى لأي رئيس امريكي يفتتح جولته الخارجية لدولة عربية وبلقاء مع هذا الحشد الكبير من الزعماء العرب والمسلمين في قمة واحدة ، وذلك قبل أن يستكمل جولته في زيارته لثلاثة أماكن أخرى لها دلالات مهمة وهي إسرائيل والضفة الفلسطينية متمثلة في زيارة مدينة بيت لحم وروما متمثلة في زيارة الفاتيكان بالإضافة إلى بروكسل.
حيث توافد في الآونة الأخيرة العديد من زعماء الدول العربية والدول الإسلامية إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرسم خريطة علاقات بلادهم المستقبلية مع سيد البيت الأبيض خاصة بعد ما أثير من جدل حول تصريحاته قبيل الانتخابات الأمريكية الأخيرة وفي الفترة الأولى التي تلت تسلمه مهامه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، والتي أفضت إلى تخوفات كبيرة لدى هؤلاء الزعماء .
لكن بعد مرور ما يزيد عن مائة يومٍ من توليه حكم الولايات المتحدة الأمريكية وقيادته لسياسات بلاده الداخلية والخارجية ، تبين بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمتلك رؤية شاملة خاصة به يعمل على تحقيقها بغض النظر عن التوافق العام حولها، وهو رجل عملي يتفهم قيمة الوقت والتحديات التي تواجه العالم، مما فتح الباب واسعاً أمام فرصة رسم خريطة جديدة للعلاقات الدولية مبنية على المصالح الحيوية والاستراتيجية التي تضمن له مصالح بلاده أولاً كأعظم دولة في العالم لتحقيق ما تطرق إليه خلال خطاب التنصيب، وكنت قد تحدثت عن ذلك بإسهاب من خلال مقال سابق بعنوان "أميركا أولاً" ، شعارٌ لم يكن غائباً من قبل !" ، شرحت فيه الآلية التي تتبعها الإدارات الأمريكية بشكل عام والتي تخضع لحكم المؤسسة وليس لحكم الفرد وبالتالي فإن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية كقائدة للعالم هي ليس شعار عابر بل هو شعار تقوم بتطبيقه كل الإدارات الأمريكية المتلاحقة كل حسب أسلوب رئيسها ولكن ضمن الخطوط العريضة التي ترسمها المؤسسات الأمريكية ضمن دراسات ورؤية استراتيجية بعيدة الأمد تحفظ مصالح الدولة وتحافظ على هيبتها ومكانتها.
لكن في ظل حكم الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب لا زال هدف الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وهيبتها ومكانتها ولكن يبدو بأن الأمر مختلف بالأسلوب حيث أن هناك صرامة وسرعة بتنفيذ هذه الرؤية خاصة فيما يتعلق بالرغبة بتنفيذ هذا الهدف، وذلك ضمن إطار منفتح في تعجيل رسم العلاقات الدولية لهذه الإدارة وذلك بخلاف ما كان يتوقعه الكثيرين منها، والتي لا زالت تظهر المزيد من الدهشة في تعاطيها مع الملفات الدولية خاصة بحرارة الضيافة وبمرونة الاستماع والتنسيق مع حلفائها، وفي نفس الوقت بصرامة اتخاذ القرار.
كما يبدو بأنه فرض أجندة زيارته بما يراه هو وإدارته يخدم مصالح بلاده، وليس كما يتمنى أن يراها الأخرين ويخدم مصالحهم ، بالرغم من أنه عبر عن دفء عالِ المستوى خلال استقباله لحلفاء إدارته من زعماء الدول العربية والإسلامية في مغزى يدل على فهمه العميق لطبيعة هؤلاء الزعماء وفهمه لكيفية قراءة الشعوب العربية والإسلامية لحرارة استقبال زعمائهم ، كما أنه أثبت بجدارة بأنه رجل بيزنس بارع وعملي وبأن نجاحه في هذا المجال جاء نتيجة إدراك وقدرة وإمكانيات فكرية وقيادية هائلة مبنية على رؤية تعرف طريقها جيداً وتسير بسرعة اتجاه تحقيق الهدف ولكنها لا تعير اهتماما كبيراً للمتطلبات الدبلوماسية وتعقيداتها.
لذلك نستطيع هنا أن نجيب على التساؤل الذي يتعلق بسبب زيارة السعودية أولاً كونها الدولة العربية الكبيرة وصاحبة المكانة المهمة والقيادية في العالم العربي والإسلامي وتعتبر من أهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية عبر التاريخ المعاصر ، وذلك قبل زيارة إسرائيل الدولة الحليفة الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ، حيث أنه من الواضح أن زيارته هذه متعلقة ببناء حلف استراتيجي مع العالمين العربي والإسلامي واسع النطاق يؤسس لشراكة اقتصادية وسياسية واستخبارية وأمنية وعسكرية تضمن لإسرائيل أن تكون جزءاً منها وذلك في مواجهة التحديات القائمة في ظل هيجان الإرهاب وما يفرزه من مخاطر وتحديات أمام العالم أجمع.
لذلك فإن القمة العربية الإسلامية الأمريكية ستؤسس في تقديري لحلف يضمن عدم الدخول في صراع الحضارات ويعمل على تهدئة المخاوف من ذلك ، كما أنه سيعمل على خلق مفاهيم وشراكة فكرية من أجل الحفاظ على حرية الأديان وهذا كان قد أكد عليه الرئيس دونالد ترامب خلال الأسابيع الماضية، لا بل أعتقد بأنه سيصدر عن هذه القمة ما يؤكد على العمل من أجل تلاقي هذه الأديان في محور متكامل تتلاقى فيه حول نقطة مهمة تهدف إلى قبول الآخر في سياق يهدف إلى تحقيق سلام إقليمي يضمن إقامة علاقات دبلوماسية علنية بين حليفتها الرئيسية إسرائيل وباقي الدول العربية والإسلامية.
هذا بالإضافة إلى أنه سيزور مدينة بيت لحم لما لها من دلالة ورمزية دينية كبيرة للمسلمين والمسيحيين من خلال تواجد كنيسة المهد وما تحمله هذه الكنيسة من رسالة سلام تهم العالم بمجمله، إلى جانب زيارته معلم ديني آخر في مدينة القدس المحتلة بدون مرافقة من أي جهات إسرائيلية كحرصٍ منه على عدم إثارة حساسية العالم العربي والإسلامي والحفاظ على مصداقية التحالف الذي يسعى لإنشائه ، وهو حائط البراق، والذي يحظى بقدسية خاصة عند اليهود بالرغم من أنه لا زال محل خلاف ديني بين المسلمين الفلسطينيين واليهود، كما أنه يمثل نقطة خلاف رئيسية حول السيادة على هذا الحائط بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.
الرئيس دونالد ترامب سيذهب بعد ذلك إلى العاصمة الإيطالية روما لزيارة الفاتيكان وذلك في رسالة مهمة أخرى تحمل في جوهرها أهمية ورمزية المكان الذي يحظى بمكانة دينية كبيرة ، وذلك على ما يبدو بأنه حرصاً منه على تتويج زيارته هذه برسالة تحمل أهمية كبرى لحوار الأديان الذي يهدف إلى التسامح والتعايش بين مختلف الأديان ، وهذا ما أكده في رسالته أثناء إعلانه عن برنامج زيارته هذه وتأكيده على أهمية التسامح في النهضة وإرساء السلام بين شعوب العالم.
هذا أيضاً يعطي دلالة بأن القمة العربية الإسلامية الأمريكية لم تأت من فراغ وعلى عجل ، لا بل أتت في سياق صفقة متكاملة لربما كان يجري العمل على الإعداد لها منذ سنوات ويبدو بأنه قد حان الوقت ليتم العمل على بلورتها بشكل عملي وتنفيذ توصياتها التي ستأتي في تقديري متوائمة مع هدف انعقادها وذلك من أجل أن تفضي إلى سلام إقليمي في إطار بناء تحالفات جديدة لمواجهة ما يهدد المنطقة من تحديات وخاصة في سياق تنامي قوى التطرف والإرهاب بالإضافة إلى التخوفات من توسع التحالف الشيعي الذي تقوده إيران وتنامي قوتها في سوريا ولبنان والعراق ، والتي ترى فيها بعض دول المنطقة بأنها باتت تمثل تهديداً حقيقياً لها ولذلك هناك حاجة لخلق حلفٍ موازٍ لقوتها بغض النظر عن متطلبات آلية تشكيل ذلك الحلف ونوعية المشاركين فيه.
هذا التحدي لربما يؤكد أيضاً سبب الرغبة الجامحة لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق شيء عجزت عن تحقيقه جميع الإدارات الأمريكية السابقة خاصة في ظل التحديات الداخلية التي تواجه إدارته والتي لا زالت تتفاعل ، وذلك من خلال خلق تحالفات غير مسبوقة في تجمعها ولقائها على هذا المستوى ، وهذا يمثل أهم دلالات هذه القمة العربية الإسلامية الأمريكية من ناحية النوع والكم والكيفية .