نشر بتاريخ: 30/05/2017 ( آخر تحديث: 30/05/2017 الساعة: 09:59 )
الكاتب: عقل أبو قرع
بدأت الجامعات والكليات ومعاهد التعليم العالي الفلسطينية هذه الايام، بتخريج الالاف، أو بالادق، عشرات الالاف من الطلبة، من كل المستويات، أو بمختلف الشهادات، ومن كل التخصصات، القديمة والجديدة، ومع الانتهاء من زخم وعنفوان الاحتفال، واقفال باب المباركة والتهاني والاحتفالات، يبدأ الخريجون بارسال الطلبات بحثا عن فرصة عمل ، في سوق العمل، ذلك السوق الجامد والخامل، قي ظل جمود سياسي، داخلي وخارجي، وفي ظل اقتصاد مقيد وضعيف النمو وخامل، وبعد فترة يكتشف الخريجون، ما هي الامكانيات وما هي الفرص المتاحة، او بالادق ما هي احتياجات السوق وعدم احتياجاتة، ويبدأوا يلمسون ويتعايشون مع البطالة ومع نسب البطالة المرتفعة والتي سوف ترتفع، والتي وحسب احدث الارقام، وصلت الى حوالي 27% من جميع الايادي العاملة في فلسطين.
وحسب الخبراء والمختصين، وللحفاظ على هذه النسبه الحالية من البطالة، اي نسبة حوالي ال 27%، فأننا نحتاج الى ايجاد حوالي 60 الف فرصة عمل سنويا، وأننا نحتاج الى نمو اقتصادي سنوي يقدر بحوالي 7% من الناتج المحلي الاجمالي، وهذه نسبة مرتفعة بكل المقاييس والمعطيات، وبمعنى اخر، فأن عدم تحقيق نسبة النمو السنوية، يعني ان نسبة العاطلين عن العمل، او نسبة البطالة سوف تزداد، وبشكل مضطرد، وما لذلك من تبعات مختلفه.
وحسب الاحصائيات والارقام المتوفرة، تصل نسبة البطالة، الى معدلات اكثر عند الخريجيين الجامعيين، وقد تصل الى حوالي 80% عند الخريجين الجدد، في بعض التخصصات، وبالاضافة الى ذلك، ومع العلم ان نسبة الطالبات في معظم الجامعات الفلسطينية تتجاوز نسبة ال 60%، او تصل الى حوالي الثلثين من مجموع الطلبة، الا ان نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في بلادنا، ما زالت لا تتعدى نسبة ال 17%، وهذا الوضع هو وضع مأساوي بكل معنى الكلمة، مأساوي للخريجين وللاستثمار فيهم، ومأساوي للوزارات المعنية بالتعليم العالي والتخطيط والعمل والاقتصاد وما الى ذلك، وكذلك وضع مأساوي للمجتمع وللاقتصاد الذي يعتمد من اجل النمو والتنمية على هذه الاجيال التمعلمة والمتدربة، والتي قد لا تتردد في مغادرتة الى الخارج، في حال توفر فرصة ما، وبالتالي المساهمه في تنمية وتقدم مجتمعات أخرى.
وبعد أسابيع ومع الانتهاء من مواسم التخريج لهذا العام، يبدأ الاعلان والترويج، لكي يلتحق الالاف من الطلبه الجدد في تخصصات مكررة في الجامعات الفلسطينية، وهم يعرفون ان فرص ايجاد عمل في هذه التخصصات، هي فرص ضئيلة او معدومة، وتعرف كذلك الجامعات والوزارات المعنية، ان المجتمع الفلسطيني قد اصبح مشبع او وصل الى درجة فوق الاشباع في هذه التخصصات وبالتالي لا حاجة اليها، او على الاقل لا حاجة اليها في كل الجامعات، وان بقاؤها في هذا الشكل والكم قد اصبح عالة على المجتمع ويعكس سؤ التخطيط او الادارة من قبل الجامعات ومن قبل الجهات المسؤولة وكذلك يظهر عدم الاهتمام بمستقبل الخريجين وبحاجات المجتمع، حيث اضحى الاهتمام فقط بالكمية، اي بأعداد الطلبة وبالتالي الاقساط والرسوم والامور المالية، والتي تهدف الى حل ازمة الجامعات المالية، وبالاخص من خلال التخطيط لفتح كليات مكرره، مثل ما نسمع هذه الايام عن كليات الطب في بلادنا
حيث نسمع أو نقرأ عن تخطيط جامعات محليه سواء أكانت جامعات عامه أو خاصه لفتح كليات طب جديده، مع العلم أن هناك كليات طب حاليه في العديد من الجامعات الفلسطينيه الكبيره والهامه مثل جامعات القدس والنجاح والجامعه الاسلاميه وغيرهما، هذا بالاضافه الى وجود كليات صحيه متعدده في معظم الجامعات الفلسطينيه، حيث تعمل هذه الكليات مجتمعه الى تخريج الالاف كل عام، ومن ضمنهم المئات بل ربما الالاف من الاطباء، هذا بالاضافة الى المئات من الاطباء الذي يتخرجون من الجامعات خارج البلاد، سواء أكانت عربيه أو عالميه.
وفي ظل هذا الكم الكبير من الاطباء، ومع تجاوز نسبة عدد الاطباء لعدد السكان عندنا ذات النسبة عند الكثير من الدول المتقدمة، سواء أكان في الولايات المتحدة أو في اوروبا أو في غيرهما من الدول، ومع انضمام مئات الخريجين الجدد من كليات الطب كل عام الى سوق العمل، يطرح الناس العديد من الاسئلة، سواء تلك التي تتعلق بجدوى الحديث عن افتتاح كليات طب جديده، أو بجدوى الذهاب الى تخصص الطب في الوقت الحاضر، أو بضعف التخطيط فيما يتعلق باحتياجات البلد وسوق العمل وبالتالي اعداد الطلبة في كليات الطب والصحه الاخرى.
والمتتبع لطبيعة التعليم في تخصصات الطب وغيرها من التخصصات الصحيه العمليه، يجد انها لاتختلف عن طبيعة التعليم في التخصصات الاخرى، اي ان هناك مساقات وساعات معتمده على الطالب انهاؤها، وبالتالي لا يوجد ربط بين احتياجات بلادنا الخاصة في هذا المجال وبين تصميم رؤية واهداف تخصص الطب في جامعاتنا، ومعروف اننا بلد صغير مع عدد سكان حوالي اربع ملايين شخص أو اكثر، واذا اخذنا بعين الاعتبار متوسط المقاييس العالمية او حسب ما توصي بة منظمة الصحة العالمية وذلك الحاجة الى طبيب واحد لكل عدد معين من الاشخاص من عدد السكان، فأن هذه النسبة قد تصل في بلادنا الى اكثر من ذلك بكثير، وذلك حسب المعلومات او البيانات عن وجود اكثر من عدة الاف من الاطباء في بلادنا، وهذه نسبه او معطيات تزداد بأستمرار.
ومع التطور المتواصل في العالم في مهنة الطب بعيد عن فقط الدور الهام للطبيب في العيادة وفي المستشفى، الى الدور الاوسع الذي يؤهلة للقدره على اتخاذ القرار، والى التأهيل الذي يجعلة يمتاز بالتواصل الفعال سواء مع المرضى اوفي المجتمع، والذي يملك صفات الادارة والقيادة والتعامل والسلوك المقبول، والاهم كذلك الذي يتم تأهلية او تدريبة او اعدادة كباحث، يمكنة ان يعمل في الجامعات ومراكز البحث العلمي، وفي دوائر الابحاث والتطوير وفي شركات تطوير الادوية المختلفه، وبان يأخذ دورا في دوائر صنع القرارات الصحية، فالسؤال هو هل تقوم كليات الطب في بلادنا بهذه الادوار، تماشيا مع ما تقوم به كليات الطب العالميه، التي تعتمد بشكل ريئسي على سمعتها وعلى رصيدها من خلال التركيز على الابحاث والتطوير.
ورغم ان المجتمع الفلسطيني يمتلئ بمؤسسات التعليم العالي وبكل الانواع، ولكن من الواجب والمنطق الاعتراف، اننا لم نواكب التقدم النوعي في التعليم العالي الذي حصل ويحصل في العالم، من حيث التركيز اكثر على الاولويات والاحتياجات، التي تتغير بسرعة، ومن حيث ادراك اهمية الابحاث، وتطبيقات الابحاث في المجتمع، وبالتالي العلاقة مع القطاع العام و الخاص، ومع المجتمع المدني، ولكن ورغم مواصلة الاقبال على التعليم العالي عندنا، الا ان السؤال الاهم والاكبر والذي يدور في تفكير كل فلسطيني او فلسطينية تدخل التعليم العالي هو هل ما الذي سوف يكتسبة خلال سنوات التعليم، والذي سوف يؤهلة، سواء من خلال المهارات التي اكتسبها، او من خلال المعرفة والخبرة، للحصول على عمل يتماشى مع واقع سوق العمل الفلسطيني، او يتلائم مع متطلبات سوق العمل في بلادنا، او مع حاجات المجتمع الحالية او المستقبلية؟
وعلينا ان نتعلم من دول اخرى، تقدمت بسبب الاستثمار في مؤسسات التعليم العالي وفي البحث العلمي، وبسبب هذا الاستثمار تقدمت اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وبالتالي اصبح البند الاول في ميزانيتها من حيث كمية الاموال او من حيث الاولوية، هو التعليم، ومن الامثلة على ذلك دولة تركيا، حيث وفي ظل هذا الاستثمار، تعمل مظلة التعليم العالي على تحقيق اولويات البلد والمجتمع، وتقوم باستغلال المصادر والامكانيات والكفاءات من طلبة واستذة، ليس فقط للتعليم وتخريج الطلبة، ولكن وبالتوازي ومن حيث الاهمية، تقوم بأجراء الابحاث التي يحتاجها المجتمع، اي الابحاث التي تهدف لسد حاجة او نقص في البلد، او نوعية الابحاث التي يتم تفصيلها عل مقياس المجتمع وليست الابحاث التي يتم استيرادها مع اموالها من الخارج.
وفي ظل هذا الوضع القاتم، وبالتالي، الحاجة الى العمل من اجل ايجاد بدائل جذرية، وحلول بعيدة المدى، لازمة التعليم العالي في بلادنا، يبرز التعليم المهني او التقني، او التعليم غير الجامعي او غير الاكاديمي، كـأحد البدائل المستدامة، ذلك التعليم، الذي تستثمر فية الدول المتقدمة الجزء الاكبر من الميزانية والوقت والاعداد، والذي يقبل علية الكثير في هذه الدول، ورغم الحديث الكثير عنة في بلادنا، الا ان القليل قد تم من اجل تشجيع الاقبال علية، او من اجل خلق الفرص والامكانيات، من اجل تشجيع الطلبة للتوجة نحوة، ومن ثم ربطة وبشكل استراتيجي وبعيد المدى، سواء من حيث الكم اوالنوع مع احتياجات المجتمع والبلد، وبالتالي الحد من البطالة وتداعياتها.
وفي ظل تدفق الالاف من الخريجين الجدد على سوق عمل، والذين لا يجدون فية فرص للعمل، اليس من الاجدى بمؤسسات التعليم العالي، وبالجهات الرسمية، وبالمجتمع الفلسطيني ككل، بالعمل من اجل البدء بالتغيير الجذري، في النظرة وفي الممارسة، وفي الهدف من التعليم العالي، وبالتخطيط المشترك، بعيد المدى، وعلى المستوى الوطني، للحد من او للتخلص من تخصصات او مجالات اصبحت عالة، على البلد وعلى المجتمع وعل الطالب وعلى الخريج وعلى افراد العائله، وبان يتم ملائمة ما تقدمه الجامعات وبشكل علمي موضوعي ومهني مع احتياجات مجتمعنا.