الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

اضراب الاسرى بعد ان استيقظ حراس الجدران

نشر بتاريخ: 01/06/2017 ( آخر تحديث: 01/06/2017 الساعة: 11:53 )

الكاتب: عيسى قراقع

علق الاسرى اضرابهم عن الطعام مساء يوم 27/5/2017، بعد ملحمة انسانية امتلأت بالتحدي والبطولات على مدار 41 يوما حتى اعلن عن انتصارهم الباهر وتحقيقهم الكثير من مطالهبم الانسانية العادلة.
لقد سقط الادعاء الاسرائيلي ان مروان البرغوثي قد قاد الاضراب لأسباب شخصية او سياسية، فمجرد الاتفاق على تحسين شروط الحياة الانسانية للاسرى اعلن البرغوثي وقادة الاضراب تعليق الاضراب بعد انجاز ما يقارب 80 % من المطالب التي طرحت ، وتشكيل لجنة مشتركة لبحث القضايا الاخرى التي ظلت عالقة.
منذ بدء الاضراب اعلنت حكومة الاحتلال انها لن تفاوض البرغوثي والاسرى المضربين، وان اي حوار حول المطالب سيكون مشروطا بوقف الاضراب ، ولكنها امام صمود الاسرى والحالة النضالية الواسعة التي واكبت الاضراب على المستوى الشعبي والعالمي تراجعت عن قرارها واجرت مفاوضات مع البرغوثي وقادة الاضراب استمر الى ما يزيد عن عشرين ساعة في سجن عسقلان اسفر عن اتفاق يمتاز بالانجازات ذات الدلالات العميقة على المدى القريب والبعيد.
ان اضراب الحرية والكرامة الذي خاضه الاسرى كان صعبا وقاسيا، وكان رأس البرغوثي كقائد ورمز وطني ومحرك لهذا الاضراب الجماعي الوحدوي هو المطلوب، وكان ممنوعا ان يخرج البرغوثي في صورة انتصار، وإنما يجب كسره وافشاله وهزّ مكانته الرمزية والقيادية في صفوف الاسرى ولدى شعبه الفلسطيني.
استخدمت حكومة الاحتلال كل وسائل العنف والبطش والضغوطات النفسية والجسدية بحق المضربين على مدار 41 يوما، وربما تكون الممارسات الاسرائيلية تجاه المضربين هي الاعنف والاشد منذ اضراب سجني عسقلان عام 1976، واضراب سجن نفحة عام 1980، الى درجة ان الاسرى وصلوا الى حافة الموت في الايام الاخيرة من الاضراب .
لم يستسلم الاسرى ولم يضعفوا او يتراجعوا امام سياسة القمع الوحشي والحصار والعزل وسياسة الاذلال التي تعرضوا لها، بل بقوا متماسكين يتحلون بعزيمة عالية ومعنويات كبيرة واصرار عنيد على نيل مطالبهم، وهذا الاصرار قاد الى تراجع حكومة الاحتلال عن مواقفها وافشال كل الوسائل التي استخدمت لافشال الاضراب وكسره والالتفاف عليه.
انها ملحمة بدأت تصلنا حكاياتها شيئا فشيئا، عن اسرى كانوا ينزفون الدماء اعلنوا انهم ذاهبون في طريق الحرية حتى الشهادة ، وعن اسرى اطفال وقاصرين خاضوا الاضراب بكل شجاعة للحفاظ على ما تبقى لهم من طفولة وحياة قادمة، اسرى مرضى وقدامى وكبار في السن كانوا اكبر من هدف عسكري واكبر من نحلة تتنقل بين زهور السياج، لا دواء ولا ملح ولا ماء، قالوا: الكرامة تشبعنا وتشفينا وتحيينا، فلم يبق موطيء للخسارة ، احرار قرب غدنا وفي جوعنا تتحرك الريح على كل الجهات ويكون الربيع.
خرج مروان البرغوثي من القبر، حمله الاسرى فوق الاكتاف ، وحمله الناس في كل الشوارع والحارات، في الخيام والمدارس والجوامع والكنائس وفي الصلاة والمواجهات، في زفاف الشهداء والاعراس.
على السياسيين والمفكرين الآن ان يصدقوا المعجزات التي اجترحت خلف القضبان، وعليهم ان يشرحوا المعاني التي سطرها الدم واللحم والارادات خلال ايام الاضراب، وليرموا الخيالات والتأويلات جانبا، هناك ضحايا تمردوا على الموت وفاضوا في الحياة اكثر من الاحياء.
على العالم ان يصدق الاسرى انه بالامكان تحقيق النصر بالايمان والصبر والكبرياء والوحدة، وان الدولة التي تدعي انها اقوى دولة في العالم، الدولة الاسبارطية العسكرتارية النووية الفاشية يمكن هزيمتها وحصارها واشغالها وارهاقها وارباكها وتدفيعها ثمن الاحتلال ، ها نحن نسمع صوت الماء في الاجساد يخرخر في دورة الحياة ، ها نحن نرى الموت ينكسر، وتتجمع الشظايا حرفا حرفا وتنطق الدنيا باسماء الصاعدين الى اعلى، يحملون اقواس قزح بأربعة الوان ويزينون السماء.
الان نرى الضوء ابيض ونرى الغيم، وهذه الملحمة الانسانية تجاوزت اهدافها وحدودها الى ما هو ابعد، وعلى الجميع الآن ان يبني فوق الجوع الممطر انهارا تتدفق ولا تتوقف، فقضية الاسرى صارت محمية بالدم والشهداء والتضحيات ، لا احد يستيطع ان يدفنها لا في تسوية سياسية او سلام عادل بالمنطقة ، ولا ان يشطبها من اعماق الشعب الفلسطيني الذي انتفض وصار كالوحي لا يفاوض على حساب الحرية والكرامة وحق تقرير المصير.
الآن نرى كريم يونس يخلع بدلة الاعدام، ويتم تعيينه من قبل القيادة الفلسطينية في اعلى مؤسسة تنظيمية لحركة فتح ليصبح عضوا في اللجنة المركزية لها، انه من اروع الانجازات السياسية للاضراب ، وكان ردا على محاولات تجريم الاسرى والشهداء واعتبارهم ارهابيين من قبل حكومة الاحتلال، وكان بمثابة تحية ووفاء للنضال الوطني الفلسطيني، وللاحياء والشهداء ، وتحية اكبر لزهرة النيران في الجليل والكرمل والناصرة ولذاكرة المكان.
لقد انهار اعتقاد وحسابات المحتلين والجلادين ان الحركة الاسيرة قد تم السيطرة عليها وتفكيك وحدتها وانه لن تقوم اية قيامة لأي اضراب جماعي، ولكنهم فوجئوا عندما استطاع البرغوثي ان يشعل ساحات السجون ويعيد هيبة الاسرى ويفتح كل ملفات الانتهاكات الاسرائيلية في هذا الاضراب ، نهض الاسرى من جديد، ونهض السجانون يفتشون عن اشباحهم في الليل ، يتعثرون بالسلاسل وضجيج المضربين.
اضراب الاسرى البطولي ايقظ البرق عندما ارتبطت الحرية بالموت والغناء والملح والماء، فزمن السجن والقسوة لم يلتهم اسرى الحرية وهم يعبرون من العبودية الى التحرر الى خلع الاقفال بمفاتيح ارواحهم الجائعة، يفتحون الابواب، ما دام فيهم من كثافة الحق ما يرفع قوة العدالة والبرهان ويغني عن الكلام والعويل والصراخ .
في السجن قال البرغوثي لزملائه الاسرى: يكفي شعاعا واحدا لنبدأ، فعندما يصبح موت الفرد مهرا، وحياة الكل مبدأ، يستطيع ان ينتصر الآن وغدا، ولهذا انفجر شهر نيسان شجرا وبشرا ووردا، ورأى الناس جيشا قادما وعلى رأسه احمد سعدات وعباس السيد وزيد بسيسي وحسن سلامة وثابت مرداوي وسامر عيساوي ونائل البرغوثي، لا فرق بين الاخوة والرفاق، تلاحموا وتكاتفوا وتصافحوا وتعاهدوا وتمردوا على الاختلاف والانقسام وابحروا في مواجهة الظلم والسجان.
الاسرى التحموا واعلنوا ان الجذور لا تنهش احشائها ان جاعت الجذور، بل تتعمق وتتوحد وتتصلب وتتمرد وتفجر في الاعماق الصخور، واعلنوا:
ان الارادة المدفونة في الجدران
تستيقظ الآن
ويستيقظ حراس الجدران
تستيقظ تل ابيب من نومها الان
يستيقظ الصمت وينفجر البركان