نشر بتاريخ: 05/06/2017 ( آخر تحديث: 05/06/2017 الساعة: 10:54 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
عند انطلاق قناة الجزيرة القطرية، وفي العام 1996 حاولت ان تشتغل بملف عرفات، ولم تجد غيره ملفا تدخل من خلاله الى أفئدة العرب وعقولهم. وأجرت القناة لقاء مع الزعيم ياسر عرفات، وفجاة غضب عرفات من طريقة طبخ الاسئلة واتجاهاتها، ووجه كلامه الى المذيع جميل عازر (انت عارف انت بتكلم مين انت بتكلم الجنرال ياسر عرفات). وهنا حاول المذيع ان يتدارك الموقف فأردف يسأل عرفات: وهل تعتقد... لكن عرفات منعه من استكمال السؤال وأجاب قولا واحدا (انا لا أعتقد. عرفات لا يعتقد، عرفات يقرر). وانتهت المقابلة.
ومضت الايام وشرع الغرب في تنفيذ مخططاته ضد العواصم العربية، واستغل من اجل ذلك الفوضى الخلاقة والفقر واخطاء الانظمة الدكتاتورية. وصولا الى أنهم لا يريدون ارسال جيوشهم لاحتلالنا مرة اخرى، وانما جعلوا من المثقفين العرب أو الغالبية منهم أن يخربوا بيوتهم بأيديهم وهذا ما حدث.
وتحطمت العراق، وانقسمت السودان، واشتعلت سوريا، ونهبت ليبيا، وحوصرت غزة وقتل عرفات واحتلت الضفة بالكامل، وغرقت اليمن في دمها، وحاولت القوى الشيطانية تحطيم مصر بكل قوة واستخدمت لاجل ذلك كل الادوات المشروعة وغير المشروعة. وحاولوا ويحاولون احراق الاردن بنار سوريا وفشلوا وسيحاولون مرة اخرى واخرى. وحط غراب البين على العالم العربي، وظلت قطر تلعب نفس الدور المساهم في تأجيج الشرور وتأليب النفوس ضد بعضنا البعض. ومن اجل ذلك قالت انها تقف مع صدام حسين تارة حتى اعدامه، ومع ياسر عرفات تارة حتى تسميمه، ومع بشار الاسد تارة حتى انقلبت عليه، ومع حماس تارة حتى تقضي عليها بعدما ساهمت في استمرار الحصار على غزة لعشر سنوات، فكلما اقتربنا من رفع الحصار عن غزة والتوصل لوحدة وطنية تاتي قطر وتعلن انها ستدعم حماس بالمال ولكنها تساهم في عزلها واغراقها اكثر واكثر. تماما مثلما اخرجتها من سوريا بالتهديد واستولت على العناوين الشرعية للمقاومة.
قطر خطر، خطر حقيقي على الأجندة وقد استخدمت كل امكاناتها وأموال الارض العربية والغاز الذي حباها الله به من اجل احراق العالم العربي، والادعاء بانها تؤيد فكر الاخوان المسلمين هذا غير صحيح بتاتا، ومن دخل الدوحة يعرف انها لا تمت للشرع الاسلامي بأي صلة. وهي التي سارعت لفتح مكتب التجارة الاسرائيلي وسهلت كل ما تريده تل ابيب من جهة ، وادّعت انها تدعم المقاومة الفلسطينية من جهة أخرى.
فلسطين كانت ولا تزال على أجندة الخارجية القطرية منذ أيام وزير خارجيتها المنصرف جاسم بن حمد، وقد لعبت وسوف تلعب ما استطاعت بالملف الفلسطيني، ولكن القيادة الفلسطينية كانت ولا تزال متسامحة الى ابعد الحدود مع هذه الامارة المارقة.
والى زاوية اخرى.. د. عزمي بشارة مثقف فلسطيني كبير، ومن الذين عاشوا تجربة الارض المحتلة، وداخل الخط الاخضر تحديدا. كان عرفات يولي لرأيه اهمية كبيرة، وكان من المفترض ان يحمل الراية بعد ايميل حبيبي وتوفيق زياد ولكنه اجترح طريقا شائكا وصعبا، ومشى فيه حافيا ووحيدا. الدكتور عزمي بن مدينة ترشيحا العظيمة التي قدمت العلماء والمفكرين والوطنيين الكبار، هجر عش منظمة التحرير وطار هاربا من القفص ليحلق في فضاءات الصحراء العربية. ويبدو انه ضاع بين الربع الخالي ورمال قطر.
لا يشككن احد بقدرته الثقافية العميقة، ولا ينافسه احد في الرغبة في التغيير. ولكن رمال الصحراء لا تناسبه، فقد اعتاد أن يغرد فوق اشجار التين والزيتون والبلوط والبرتقال.. الطائر الشامي ارتطم بجدار التخلف والجهوية تلاحقه سيوف قريش ولا تحميه البنايات الشاهقة في "الدفنة".
لا تزال الفرصة متوفرة ليعود الى السرب، وبعيدا عن العناد لا يزال أهل فلسطين يحبّونه ويكرّمونه ويرون فيه الابن المسافر، الذي سيعود مهما طال غيابه.
ومثل كل الفلسطينيين الذين اضطروا ان يغادروا فلسطين. تراه يقول الان في قرارة نفسه: أموت وفي نفسي أن أقف على نافذة بيتي في ترشيحا وأطل شمالا على عيثا الشعب في جنوب لبنان ، وغربا على البلدة المجاورة معاليا.
زاوية ثالثة، حماس نفت ان تكون قطر قد سلمتها قائمة بأسماء نشطاء وقادة عليهم مغادرة الدولة. وقطر لم تنف ولم تؤكد. وربما يكون نفي حماس لهذا الخبر يذكرنا بنفي حماس في 2011 انها غادرت دمشق وذهبت الى الدوحة، حين قام وزير خارجية قطر جاسم بن حمد بتوريط الاستاذ خالد مشعل بموقف حاد.
واذا كانت قطر فعلا قد طلبت ذلك من حماس، فانها تكون قد اجرمت بحق الحركة. فهي التي اخرجت حماس من دمشق بعدما كان مشعل هو اقرب القادة للرئيس بشار الاسد وكانت دمشق عاصمة القرار السياسي لحماس.
وبكل حال فقد عاش عرفات وباقي فصائل منظمة التحرير هذه التجربة عشرات المرات. وجرى طرده من معظم العواصم العربية حتى استقر به الأمر في الجزائر وتونس. ولا يبدو ان هذا السيناريو ليس بعيدا عن حركة حماس ذاتها. ومع وصول ترامب للحكم يبدو أن حماس ستضطر الى الانتقال الى الجزائر، تماما مثلما فعل جورج حبش وعرفات وحواتمة وغيرهم قبل 30 عاما.
ان ما يحدث في العالم العربي، يثبت لنا مرة أخرى ان لا بديل عن الوحدة الوطنية، ولا يوجد اية عاصمة عربية تحتضن القيادات الفلسطينية مثل غزة ورام الله، وحتى حيفا ويافا والقدس. وان عصر الرهان على وجود القادة في العواصم العربية انتهى ولن يعود.