نشر بتاريخ: 07/06/2017 ( آخر تحديث: 07/06/2017 الساعة: 16:52 )
الكاتب: جبريل عودة
زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للخليج حققت ما تم رصده لها من عناوين أشار دجال أمريكا في أكثر من مناسبة إلى سعيه لتحقيقها، سواء كان ذلك على الصعيد الإقتصادي ودفع بعض الأنظمة العرب ثمناً غالياً من ثروات أجيالها، في مقابل حماية البوارج والقواعد الأمريكية لعروشهم من تهديدات وهمية، والعنوان الأكثر أهمية هو ما يتعلق بأمن "إسرائيل" وضرورة تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، وإنهاء حالة الصراع العربي الصهيوني، ونبذ كل من ينادي بتحرير فلسطين ومحاربة الإحتلال، وكان النجاح غير مسبوق لرجل الكابوي الأمريكي بعد أن وقف محاضراً أمام أصحاب العباءات العربية عما أسماه بالتطرف الإسلامي، وعن ضرورة محاربته ونبذ كل ما يحرض على قتال العدو وشطب ما يدعو للدفاع عن المقدسات في منهاجنا التعليمية، وعلامة نجاح تلك الحرب على "الإرهاب"، وفقاً لرؤية ترامب يكون عبر إقامة علاقة حميمية مع "إسرائيل" من طرف الدول العربية التي صفق زعماؤها لخطاب ترامب وهو يصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب.
كما قلنا فإن المهمة الأبرز لترامب تتعلق بتوفير الأمن للكيان الصهيوني ونبذ المقاومة وتجريمها وإطلاق وصف "الإرهاب" عليها، فالمقصود بالحرب على "الإرهاب" هو الحرب على المقاومة الفلسطينية، وهذا كان واضحاً من وصف حركة حماس بـ "الإرهاب" في قمة الرياض، دونما إعتراض من الزعماء العرب والمسلمين، وللإنصاف فإن أمير قطر تميم بن حمد حاول جاهداً خلال القمة التأكيد على الفصل ما بين الإرهاب والمقاومة، رافضاً إعتبار حماس حركة إرهابية، ولعل هذا ما أثار حفيظة المحتفيين بالزائر الأشقر ترامب والمتابع يعلم أن ذلك ليس بجديد على الأمير القطري الشاب، حيث كان يكثر التركيز في خطاباته أمام المحافل العربية والدولية على إشكالية "الإرهاب" والمقاومة ومطالبته الدائمة بضرورة الإتفاق على تعريف موحد لــ "الإرهاب" وأهمية التفريق بينه وبين المقاومة المشروعة الا أنه كان يغرد وحيداً خارج السرب العربي الرسمي.
وفي إطار مراد ترامب من محاربة ما يسميه "الإرهاب" تحركت بعض الأنظمة العربية لتنفيذ ما تم الإتفاق عليه وهو الحرب على المقاومة الفلسطينية ممثلة بـ "حماس" لأنها العقبة الكبرى في طريق إنفتاح الأنظمة العربية على "إسرائيل"، بإصرارها على خيار المقاومة في إستعادة الحقوق الفلسطينية ورفض الإعتراف بـ "إسرائيل" ومن أجل أن يتم إنهاء الصراع العربي الصهيوني رسمياً وفقاً لمخطط ترامب بما يعرف بصفقة القرن، لا بد من القضاء على القوى الحية في فلسطين والأمة العربية والإسلامية، لذلك فالعقوبات الدبلوماسية والحصار الإقتصادي على قطر هو مقدمة للضربات القادمة ستكون متوقعة في قلب فلسطين ضد معاقل المقاومة، وقد تشارك بعض الأنظمة العربية في تلك الضربات تحت حجج محاربة "الإرهاب" وضرب قواعده، كما حرض على ذلك بعض الكتًاب والإعلاميين العرب وبالتالي يتم إستهداف المقاومة وتجريمها وقمعها ومطاردتها بغطاء عربي ودولي وتكتمل الصورة بأن المطلوب في قمة الرياض كان رأس المقاومة وحماس، بعد تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في باريس قائلاً "طفح الكيل وعلى قطر قطع علاقتها مع حماس" فالأنظمة العربية عرفت ما هو المراد منها، فبدأت أولى خطواتها بالإجراءات العقابية ضد قطر، على اعتبارها النظام الرسمي العربي الوحيد الذي يقيم علاقات مع حركة حماس ويستقبل قادتها في القصور الأميرية، ولقد بارك الدجال الأمريكي ترامب الخطوات العقابية ضد قطر وإعتبرها بداية الحرب على "الإرهاب".
السؤال هل تصمد قطر أمام هذه العقوبات الحادة؟ قد تحاول قطر الصمود حفاظاً على قرارها المستقل كما جاء في بيان رئاسة الوزراء القطرية، وقد تعمل على تعزيز تحالفاتها الإقليمية مع إيران وتركيا، وبالتالي متوقع أن يتوسع حصارها بضغط من السعودية لتنضم دولة جديدة في ركب المقاطعين لقطر وقد تتراجع قطر خطوات إلى الخلف في ظل مبادرات الواسطة من بعض الدول الخليجية كالكويت وعُمان، وهناك يقع على قطر أن تقوم بتنفيذ ما يطلب منها والخضوع الكامل في قرارها لهذا التحالف الجديد وتقطع كل صلة لها بحركة حماس والإخوان المسلمين ويتم تقييد أو إغلاق شبكة الجزيرة الإخبارية كأحد الشروط القديمة الجديدة للإنظمة العربية، وفيما يتعلق بالشأن الفلسطيني في كلا الحالتين لن يتغير شيء من فصول المؤامرة الا أن يتم إفشلها بوحدتنا وتمسكنا بمقاومتنا، لذا فإن الحرب على المقاومة ستتواصل فصولها وأرض المعركة الحقيقية هي فلسطين سعياً من قوى الشر لتصفية القضية الوطنية، ومقدمة لذلك تتناغم التصريحات مؤخراً في إعلان موت حل الدولتين كمقدمة لطرح الحلول التصفوية بجرأة، حيث أن "إسرائيل" قد قضت على أي إمكانية بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67، كما يحلم فريق التسوية بذلك بعد أن نهش غول الإستيطان الجزء الأكبر من أراضي الضفة الغربية فيسعى البعض لطرح البديل الأردني في الضفة الغربية والبديل المصري في قطاع غزة، وهذا يصب في مصلحة "إسرائيل" بإنهاء الصراع في فلسطين وتصفية قضيتها، وهذا ما صرح به جون بولتون السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة, خلال كلمة له خلال احتفال مؤسسات يهودية وصهيونية في نيويورك بمرور خمسون عاماً على احتلال شرقي القدس "أن الحل للقضية الفلسطينية أن تعود الضفة الغربية للسيادة الأردنية وقطاع غزة إلى السيادة المصرية"، والعجيب أن يتساوق مع هذه الدعاوي والأفكار بعض الفلسطينيين وبعض السعوديين وكأن القضية الفلسطينية أضحت فريسة تتناوشها الذئاب من كل جانب.
أمام هذه المشهد الخطر، والتهديد الإستراتيجي لقضيتنا ومصير شعبنا لا مجال لإلقاء اللوم على من أنهكنا لأكثر من عشرين عاماً، وهو يسعى وراء سراب التسوية، وينفذ كل ما يطلب منه في قمع مقاومة شعبه والتآمر عليها وإجهاض أي حراك شعبي لمواجهة الإستيطان والإحتلال، كما حدث في التعامل السلطة وأجهزتها الأمنية مع إنتفاضة القدس، فالمطلوب التحرك الجدي والعملي الآن عبر تعزيز وحدة شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج والتمسك بخيار المقاومة في مواجهة الإحتلال ورفض محاولات تجريمها وتشويهها والعمل بشكل عاجل على تشكيل قيادة جديدة للشعب الفلسطيني عبر تفعيل الإطار القيادي لمنظمة التحرير وحشد الطاقات الفلسطينية في الخارج كقوة مساندة للحق الفلسطيني في العواصم الغربية، وإقرار رؤية سياسية مشتركة تحافظ على قضيتنا الوطنية وحقوقنا وثوابتنا ومقدساتنا ومواجهة كافة المخاطر وإحباط المؤامرات التي تحاك ضد شعبنا ووطننا وهويتنا الفلسطينية، فلا إعتراف بالإحتلال ولا شرعنه لوجوده مهما كلف ذلك من تضحيات فالمقاومة سبيلنا لإستعادة أرضنا وإنجاز إستقلالنا وما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة.