الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

بدون مؤاخذة- خلط الأوراق في الشرق الأوسط

نشر بتاريخ: 10/06/2017 ( آخر تحديث: 10/06/2017 الساعة: 10:48 )

الكاتب: جميل السلحوت

واضح أنّ المنطقة العربيّة تقف على أبواب مرحلة جديدة، ستتمخّض عن مولود سفاح، سيكون أكثر إيلاما من اللقطاء التي أورثتنا إيّاها اتفاقات سايكس بيكو قبل مئة عام، تلك الاتّفاقات التي قسّمت العالم العربيّ بين الدّول الاستعماريّة في أعقاب الحرب الكونيّة الأولى.
وبما أنّ ثقافة "الصّحراء الوحشيّة" تختزل مفهوم الوطن وتحصره في الحاكم، الذي هو ظلّ الله في الأرض! ووليّ الأمر، وأمير المؤمنين! فإنّ ما يجري في شبه جزيرة العربان، لا يبشّر بالخير، خصوصا بعد زيارة الرّئيس الأمريكيّ للمنطقة في نيسان-ابريل- الماضي، والتي اجتمع فيها يقادة "الدّول العربيّة والاسلاميّة"، وأملى فيها شروطه واتّفاقاته الاقتصاديّة والعسكريّة غير المسبوقة تاريخيّا في العلاقات بين الدّول، من منطلقات الرّضوخ للمطالب الأمريكيّة وحماية مصالحها، مقابل الحفاظ على الأنظمة التي ما خرجت يوما من تحت مظلّة العباءة الأمريكيّة.
لكن "كنوز أمريكا الاستراتيجيّة" في المنطقة لم تقبل بالاملاءات الأمريكيّة فقط، بل تعدّتها بكثير ودخلت في سباق فيما بينها؛ ليثبت كلّ منها أنّه الأكثر ولاء للسّيد الحاكم في البيت الأبيض.
وهذا لم يكن في غفلة عن المخططات الأمريكيّة للمنطقة، التي تتميّز بديناميكيّة واسعة، لتواكب التّغيّرات والمستجدّات، فما يسمّى "بالرّبيع العربيّ"، والذي جرى التّمهيد له بغزو العراق عام 2003 وتدميره وقتل وتشريد شعبه، و"تحريره" من وحدة أراضيه، تحت شعار "تحرير العراق من الديكتاتوريّة، هذا "الرّبيع" الذي أسقط الأنظمة التي كانت حاكمة في كلّ من "تونس، مصر، ليبيا" وأشعل نيران الفتنة فيها، لم يستطع اسقاط النّظام الحاكم في سوريا، ولم يستطع إعادة تقسيم المنطقة إلى دول طائفيّة حتّى الآن، رغم تحالفه مع الاسلام السّياسي، الذي أعلن "الجهاد" على أمّته، وأوطانه، وحصد أرواح حياة مئات آلاف الضّحايا، وشرّد الملايين ضمن "الفوضى الخلاقة"، وما تمخّض عنها من تعريب وأسلمة للصّراع.
ومن هنا دارت الدّوائر على رؤوس جماعة الاسلام السّياسي، وفي مقدّمتهم "الاخوان المسلمون" الذين فرّخوا مختلف التّنظيمات والأحزاب التي تتدثّر بعباءة الدّين، تماما مثلما دارت وتدور على رؤوس "الكنوز الأمريكيّة الاستراتيجيّة"، التي كانت تنفّذ الأوامر بتمويل وتسليح وتدريب من يمارسون الارهاب باسم الدّين، لأنّهم لم يستطيعوا تحقيق المطلوب منهم بعد كلّ ما جرى. ومن هنا أيضا يجري خلط الأوراق، لإدامة الصّراع والاقتتال، من خلال تغيير التّحالفات، وحرف بوصلة جوهر الصّراع، ومن هذه المنطلقات يحتدم الصّراع مع حكّام قطر الذين ما خرجوا يوما من تحت العباءة الأمريكيّة وحتّى الاسرائيليّة، وما تبع ذلك من نفير لم يحصل مثيل له في القضايا المصيريّة للأمّة، وجرى استجلاب قوّات تركيّة وباكستانيّة "لحماية "قطر التي انحازت إلى إيران، مع أنّهما كانتا ولا تزالان متحاربتان في سوريّا، مع التّذكير بأن تركيا العضو الفاعل في حلف النّاتو، والباكستان الحليف الموثوق لأمريكا، ترفعان شعار "الاسلام السّنّي"!
وفي الوقت نفسه، يجري تجييش العالم العربي والاسلامي، للوقوف أمام ما يسمّى "خطر التّمدّد الشّيعيّ الإيراني"، والباكستان وتركيّا ومعهما قطر ليست بعيدة عن هذا التّجييش، الذي يهدف إلى تغيير بوصلة الصّراع الشّرق أوسطي، وجوهره القضيّة الفلسطينيّة، إلى تحالف عربي اسلامي من جهة، مع اسرائيل كونها "القاعدة العسكريّة المتقدّمة لأمريكا في المنطقة"، للوقوف في وجه ايران التي تسعى جاهدة كي تكون الدّولة الاقليميّة الأولى، ولتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ.
ونسأل الله أن لا ينتقل الاقتتال والاحتراب الدّاخلي إلى دول الخليج العربيّ.