تعتبر مصر البوابة الرئيسية التي تمتلك ناصية القرار الفلسطيني في الواقع العربي، حيث إن الدور المصري لا يمكن القفز عنه أو ايجاد بدائل له لما له من تأثيرات لا يمكن لأي لاعب آخر أن يمتلكها، وهذا ليس وليد اللحظة ولكنه على امتداد التاريخ القديم والحديث، فتاريخيًا مصر هي من امتلكت قرار الحروب مع الكيان الصهيوني فحرب 1948 كانت مصر رمانتها، وفكرة تأسيس وإنشاء م، ت، ف كانت مصر صاحبتها عندما رأى الزعيم المصري جمال عبد الناصر الإلتفاف العربي على القضية الفلسطينية، فقرر أن يكون للفلسطينيين أب شرعي، وكيان يمثلهم ويخلصهم من تبعية العرب، ومصر صاحبة الدور الأبرز بحرب عام 1967، وحرب عام 1973، فهي تعتبر مالكة مفاتيح القضية الفلسطينية، وأمين خزائنها، وهو ما أدركه العدو الصهيوني قبل الجميع فوضع أهم أهدافه تحييد مصر في صراعه مع العرب، والإنتقل بمصر من العدو إلى الحليف أو التحييد وهو ما نجح فيه عبر اتفاقيات السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1979 ومنح مصر أرضيها المحتلة وهو ما لم يقدمه لدول الطوق العربي، أو دول المواجهة سوريا ولبنان والأردن، وبذلك نأى عن نفسه استعداء مصر التي تعتبر أهم القوى التي يمكن أن تؤثر بالسياسات الإقليمية والرأي العام الدولي، كما أن ياسر عرفات قد فهم واستوعب هذا الثقل لمصر بعد حرب عام 1982 وحل طلاسم المعادلة بالتوجه بسفينته من بيروت إلى القاهرة كاسرًا الحصار العربي على مصر، ومنهيًا سنوات القطيعة، أي أن العرب من عادوا لمصر وليس مصر من عادت لهم في الواقع السياسي الطبيعي، حيث كان لهذه العودة التأثير المصري وقدرته على اختراق الثوابت الفلسطينية والتوقيع على تفاهمات أوسلو 1994 وهو ما تم عرضه من الرئيس المصري السادات أثناء اتفاقات كامب ديفيد المصرية – الإسرائيلية عام 1978، وعودة ياسر عرفات جاءت بعد فهم متأخر بأن الدور المصري لا يمكن استبعاده أو تجاوزه أو القفز عنه، وهو نفس الفهم الذي وصل قوى اليسار الفلسطيني الأكثر راديكالية وعادت للبوابة المصرية، وحافظت على التوازن مع مصر، وهو نفس الفهم والمنهجية التي أدركتها حماس أخيرًا بعدما حاولت جاهدة التعويض عن الدور المصري من خلال التوجه لإيران تارة، ولتركيا تارة أخرى، ولقطر وغيرها، ومحاولات حماس التعامل بعواطف انتمائها للإخوان المسلمين الجماعة غير المتوافقة مع النظام المصري، فكانت تبدو حماس كعدوٍ لمصر في العديد من الفترات والمراحل حتى بدأت إرهاصات الأزمة العربية – القطرية في التفجر مما وضع حركة حماس أمام خيارات وبدائل شبه معدمة وأكدت لها بنفس الوقت أن كل اللاعبين احتياط لا يمكن لهم التأثير في مجريات المباراة وإحراز أهداف تحقق انتصارات، أو حتى تستطيع الدفاع عن المرمى، فكانت رسالة مصر قوية وواضحة لحركة حماس عندما خلا البيان الختامي لدول الأزمة مع قطر من وضع أي قوة أو شخصية فلسطينية في قوائم الإرهاب وهي رسالة ذكية من مصر وصلت حماس سريعًا، مما دفع حركة حماس للتحرك سريعًا إلى القاهرة بوفد طبع عليه الطابع الأمني لإذابة الخلافات مع مصر وهي خلافات جلها ومعظمها يصطبغ بالصبغة الأمنية وليس السياسية، وكل التسريبات تؤكد رضوخ حركة حماس للمتطلبات المصرية على المستوى الأمني بل وغير المعلن المستوى السياسي، وهذا الرضوخ سيتم لمسه وإلتماسه في المستقبل القريب من خلال السياسات المصرية تجاه غزة خاصة، وبكل تأكيد أدركت حماس أن الصبر المصري والعربي يمكن أن ينقلب بسرعه ويضع رقبة الحركة على مقصلة العرب، والأسرة الدولية، فلم يتبق خيارات مفتوحة للحركة في مزيد من المراوغة والتنكر للدور المصري.