نشر بتاريخ: 14/06/2017 ( آخر تحديث: 14/06/2017 الساعة: 09:03 )
الكاتب: د.ابراهيم ابراش
عشر سنوات مرت على انقلاب حركة حماس 14 يونيو 2007 على منظمة التحرير والمشروع الوطني، وحتى وإن كانت حركة حماس تسميه بالحسم العسكري في مواجهة متمردين على حكومتها ورافضين لشرعيتها، فإن ذلك لن يغير في شيء من حيث نتائج وتداعيات الانقلاب الخطيرة على الحالة الفلسطينية برمتها.
لو كان الأمر يتعلق بحسم عسكري مع متمردين أو مع حالة انفلات أمني لكان من المُفترض بعد يوم الحسم والذي انتصرت فيه حماس على (المتمردين والمنفلتين) أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبله، أي حكومة وسلطة واحدة في غزة والضفة، ولكن مقولة الحسم العسكري ومجمل الرواية الحمساوية تتهافت أمام أيلولة الأمر إلى سيطرة حماس على قطاع غزة فقط ومباشرتها تغيير الواقع في المؤسسات والإدارات الحكومية.
طوال تلك السنوات وحركتا حماس وفتح تُحَمل كل منهما الأخرى المسؤولية عن صيرورة الأمر لحالة الصدام المسلح ثم الانقسام، مما كان يزيد ويُعمق حالة الانقسام ويوغر قلوب جمهور كل طرف على الطرف الثاني، بينما القيادات العليا في الطرفين كانت تعلم حقيقة ما جرى، والحقيقة أن الانقسام بمعنى فصل غزة عن الضفة وصيرورة الأمر لحكومتين وسلطتين منفصلتين وما نتج عن ذلك من حصار المقاومة وإضعاف السلطة أمام إسرائيل وفي المحافل الدولية، ليس فقط نتيجة أخطاء أو فعل إرادي من الطرفين الفلسطينيين أو إحداهما وخصوصا حركة حماس، بل هو مخطط إسرائيلي قديم وجد فرصته المناسبة للتنفيذ عام 2004، مستغلا الخلافات الفلسطينية الداخلية والسياسة الأمريكية الجديدة التي كانت تريد بناء شرق أوسط جديد يشارك فيه الإسلاميون في السلطة، وهو مخطط شاركت فيه حركة حماس أو انزلقت إليه من خلال تبعيتها للإخوان المسلمين المشاركين في هذا المخطط، وبتحريض ورعاية قطرية وتركية.
لو أن الانقسام نتيجة خلافات بين حركتين فلسطينيتين - حماس وفتح - لكان من الممكن تجنب الوصول للحظة الصدام أو وضع حد للانقسام خلال الأيام الأولى أو السنة الأولى من الانقلاب، وكان أمكن حله بعد مئات جولات الحوار وتدخل عديد من الدول كوسيط للحل. لكن.. ولأن الانقسام مخطط إسرائيلي وكانت إسرائيل ستنفذه حتى لو لم توجد حركة حماس –كانت إسرائيل تهيئ أطرافا من داخل السلطة ومن داخل حركة فتح وتنسق معهم لاستلام غزة قبل أن يتم إسناد المهمة لحركة حماس من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد -، ولأن حركة حماس ساعدت إسرائيل بوعي أو بدون وعي من خلال انقلابها على منظمة التحرير وعلى المشروع الوطني وطرح نفسها كمشروع إسلامي بديل لهما، ولأن حماس قامت بالسيطرة على قطاع غزة بعد خروج جيش الاحتلال، ومن المؤكد ما كانت حركة حماس تستطيع السيطرة على قطاع غزة لو لم تسحب إسرائيل جيشها من داخل القطاع، وبسبب مراهنة حركة حماس على أطراف مشروع الشرق الأوسط الجديد والإسلام السياسي الخارجي، وبسبب عجز السلطة وضعفها نتيجة الانقسام وفشل مراهناتها على مشروع أوسلو ...، بسبب كل ذلك فقد استمر الانقسام وتوطد.
كان من الممكن إنجاز حالة من المصالحة أو الوحدة الوطنية تخفف من وطأة الانقسام وتتغلب على الإرادة الإسرائيلية باستمراره لو حكَّمَت حركة حماس مبكرا العقل والمصلحة الوطنية عند سقوط نظام محمد مرسي الإخواني في مصر وبداية انكشاف خيوط ما يسمى الربيع العربي، وكان من الممكن تدارك الأمر عندما تصالحت تركيا مع إسرائيل، وكان من الممكن تدارك الأمر لو تعاملت حركة حماس بحسن نية مع حكومة الوفاق الوطني مايو 2014 وقَبِلت الاحتكام لصناديق الانتخابات، إلا أن هوس السلطة ومنافعها عند حركة حماس واستمرار المراهنة على المنقذ الخارجي ضيع الفرصة وفاقم من حالة الانقسام بالإضافة إلى غياب استراتيجية عند السلطة الوطنية ومنظمة التحرير لكيفية استعادة قطاع غزة وانجاز الوحدة الوطنية.
أيضا، فإذا كانت ميكانزمات الانقسام في بداياته من حيث التخطيط والرغبة في استمراريته تعود لاعتبارات خارجية، فقد أصبحت ميكانزمات الانقسام وإرادة بقائه لاحقا مرتبطة بالنسبة لحركة حماس بأمور داخلية لها علاقة بتَشَكُل نخبة استمرأت السلطة ومنافعها، وبالحفاظ على ما تحقق وتراكم خلال سنوات مما تُدرجه حركة حماس في إطار انجازات المقاومة من أسلحة وصواريخ وأنفاق وعشرات آلاف المقاتلين الخ.
ها قد مرت عشر سنوات عجاف من الانقسام (النكبة الثانية) الذي شل ودمر المشروع الوطني وأرجع الوضع الفلسطيني سياسيا واجتماعيا واقتصاديا عقودا إلى الوراء. انقسام كان سببا في الحصار على قطاع غزة وفي إضعاف السلطة الوطنية وكان سببا في مزيد من ضعف المفاوض الفلسطيني وتغول إسرائيل في الضفة والقدس وكان سببا في وصول المقاومة لطريق مسدود.
سكوت إسرائيل عن حكم حماس في قطاع غزة ليس قبولا نهائيا وليس عجزا، بل لهدف تكتيكي، وعندما تشعر إسرائيل أنها حققت هدفها من الانقسام وسيطرت على الضفة سيطرة كاملة وأنهت وجود السلطة كسلطة وطنية حقيقية، وإذا شعرت أن المعادلة الإقليمية والدولية تغيرت فستنقل إسرائيل المعركة إلى قطاع غزة.
ما نخشاه أن الأحداث الأخيرة في المنطقة بما في ذلك اتهام قطر أهم حلفاء حماس الخارجيين، بدعم الإرهاب ومحاصرتها، واتهام حركة حماس بالإرهاب، وضعف كل من السلطة الوطنية في الضفة الغربية وسلطة حركة حماس في قطاع غزة وتَعَرض كل منهما لحصار وابتزاز من إسرائيل وأطراف أخرى، كل ذلك قد يدفع إسرائيل لمحاولة إنهاء الدور الوظيفي لحركة حماس في غزة تواكبا مع مساعي بعض الدول العربية وواشنطن لإنهاء الدور الوظيفي لقطر على المستوى الإقليمي، وفي الحالتين ليس لصالح الاستقرار في فلسطين وإعادة توحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة واحدة، وليس لصالح العرب وإنهاء حالة الفوضى والإرهاب، بل لصالح مرحلة جديدة من (الفوضى الخلاقة) التي ترعاها واشنطن وتستفيد منها إسرائيل.
[email protected]