الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قطر والسعودية.. صراع داخل بيت الطاعة الأمريكي

نشر بتاريخ: 15/06/2017 ( آخر تحديث: 15/06/2017 الساعة: 12:21 )

الكاتب: د. وليد القططي

ليس من العدل المشاركة في الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها السعودية ضد قطر، وفي المقابل ليس من الإنصاف الدفاع عن قطر لدرجة تصويرها بأنها دولة مقاومة تدافع عن قضايا الأمة. ولكن من الحكمة تناول الأمر بعيداً عن ثنائية الحق والباطل أو الخير والشر، وأن لا نتجاهل معطيات الواقع وحقائق التاريخ تحت وطأة التنظير السياسي أو التأصيل الفكري لدعم موقف طرف ضد آخر، وفي إطار هذه المنهجية الموضوعية سيتم تناول موضوع الخلاف بين دولتي قطر والسعودية بالرجوع إلى جذوره التاريخية لوضعه في نصابه الطبيعي دون تهويل أو تهوين.
كان آل سعود في نجد يعتبرون على الدوام أن قطر من أملاكهم، وكان الخلاف في البداية بينهم وبين آل خليفة في البحرين على ملكية شبه الجزيرة الصغيرة، ولقد عيّن آل خليفة (محمد بن ثاني) عام 1848 حاكماً لمنطقة قطر باسمهم وتحت تبعيتهم، ولكن أبناء محمد بن ثاني استقلوا بقطر وأسسوا إمارتهم الخاصة، فواجهوا أطماع آل سعود في ضم إمارتهم بالاحتماء بالدولة العثمانية التي ضعفت وأنهارت في نهاية الحرب العالمية الأولى، فاستعان آل ثاني ببريطانيا التي فرّضت حمايتها عليها عام 1916 أسوة ببقية إمارات الخليج العربي، وعندما منحت بريطانيا الاستقلال لقطر عام 1971 ظلت تحميها من رغبة السعودية الدائمة في ضم الإمارة الصغيرة، ومع توّلي حكم الإمارة خليفة بن حمد عام 1972 توّجه في ضمان حماية الإمارة صوب الولايات المتحدة الأمريكية بعد أفول نجم الإمبراطورية البريطانية، ولضمان هذه الحماية منح لأمريكا قاعدة العديد التي تحوّلت فيما بعد إلى مركز القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط كأفضل ضمان لحماية الإمارة من الأطماع الخارجية، وعندما توّلى الحكم ابنه حمد بن خليفة عام 1995 عزز علاقته بأمريكا وربيبتها (إسرائيل) كبداية لمزيد من الرضى الأمريكي واستقبل رئيس حكومتها شمعون بيريز في الدوحة وفتح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة ووقع اتفاقية تجارية مع (إسرائيل)، واستمرت الزيارات المتبادلة بينهما وأنشأ قناة الجزيرة الفضائية لتساهم في التطبيع مع الكيان من خلال فتح المجال أمام المسئولين الإسرائيليين لمخاطبة الجمهور العربي وشرح وجهة النظر الإسرائيلية، وتقديم وجه آخر للكيان الصهيوني وشاركت بالمال والسلاح والإعلام في تدمير بعض الدول العربية خاصة سوريا انسجاماً مع المشروع الصهيوأمريكي.
أما السعودية فلم تكن بأحسن حال في تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد اكتشاف النفط فيها، حيث أصبح الحصول على النفط الخليجي من ثوابت السياسة الأمريكية في المنطقة بعد الحفاظ على وجود وأمن (إسرائيل). ولذلك فقد بدأت هذه العلاقات بقاء الرئيس الأمريكي (روزفلت) عام 1943 على ظهر بارجة أمريكية في الخليج واتفقا على إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في المملكة، وتم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، ليبدأ بعدها في النصف الثاني من القرن العشرين التعاون ضد المد السوفيتي والمد الناصري، لتتوّج هذه المرحلة في إرسال ورعاية ما يُعرف بالمجاهدين العرب في حرب أفغانستان في مرحلة الثمانينات التي انتهت بإخراج الجيش السوفيتي من أفغانستان، وقد بلغ التعاون ذروته في حرب الخليج الثانية عام 1991 عندما نزل نصف مليون جندي أمريكي الأراضي السعودية ليصل إلى ذروته الثانية في عهد الرئيس الأمريكي الحالي ترامب وتوقيع صفقة القرن، ومحاولة إنشاء حلف عربي بدعم أمريكي وإسرائيلي أو بمشاركتها ضد العدو البديل للأمة عن (إسرائيل) وهي إيران و(الإرهاب). وفي نفس الوقت تبدأ حملة تروّج للتطبيع مع العدو ونشر ما يُسمى بثقافة السلام ويتم فيها شيطنة المقاومة الفلسطينية ووصم حركة حماس بأنها حركة إرهابية، إضافة إلى مشاركتها بالمال والسلاح والإعلام في تدمير بعض الدول العربية كسوريا والعراق تمشياً مع مشروع الفوضى الخلاقة الصهيوأمريكية.
أما الخلاف حول دعم الإخوان المسلمين فمن المعروف أن كلاً من قطر والسعودية يمتلكان المال والإعلام بامتلاكهما موارد نفطية هائلة وقنوات فضائية عديدة، والسعودية إضافة إلى ذلك تمتلك الشرعية الدينية ممثلة في السلفية الوهابية التي أُقيمت عليها المملكة، فاستعانت قطر بالإخوان المسلمين كمنافس للسلفية الوهابية في المحيط السني، ليكتمل لديها مثلث المال والإعلام والدين كأهم عناصر لبسط النفوذ في الإقليم وكأدوات للقفز على محدودية المساحة والسكان مقارنة بالسعودية، وهذا الخلاف مما يسمح به السيد الأمريكي في إطار هامش اللعبة الإقليمية.
وبناء على ما سبق فالصراع السعودي والقطري إضافة إلى أنه له جذور تاريخية تمتد إلى ما قبل إنشاء إمارة قطر، إلا أنه لا يخرج عن كونه صراعاً على الأدوار والزعامة داخل بيت الطاعة الأمريكي، وما تصريح الرئيس الأمريكي ترامب حول دعم قطر للإرهاب إلاّ نوع من الابتزاز ليجبرها على دفع الجزية أسوة بالسعودية؛ لأنه يعتقد أن العرب لا يملكون سوى المال الذي لا يستحقونه ولذلك سيأخذه منهم كما قال وهذا لا يعني عدم وجود فروق بينهما. فالبرغم من أن كلا الدولتين تدعمان الشعب الفلسطيني اقتصادياً في مختلف المجالات الحياتية مشكورين، إلا أنه لا يمكن المساواة بين من يُجرّم المقاومة ومن يعترف بعدالة قضيتها، وبين من يعتبر حركة حماس حركة إرهابية ومن يعتبرها حركة مقاومة.