الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لَعنَة الجُغرافيا و(حلّ الدّولتين) !

نشر بتاريخ: 15/06/2017 ( آخر تحديث: 15/06/2017 الساعة: 18:11 )

الكاتب: مهند ذويب

وفقًا لأستاذ العلوم السّياسية في جامعة بنسلفانيا الأمريكية إيان لوستيك فإن احتِمال اختِفاء إسرائيل إثر حرب طاحِنة، أو إعياء ثقافي، أو تغيّرات ديمغرافية يبدو معقولًا أكثر من احتمال قيام إسرائيل باخلاء نِصف مليون مستوطِن يعيشون الآن وراء حُدود عام 1967؛ لإتاحة قيام دَولة فلسطينية، وتنفيذ حَلّ الدّولتين.
أمس ظلّت هذه المقولة تُراودني وأنا في طَريقي إلى جِنين، إنّها المرّة الأولى التي أزور بِها المَدينة، أجلسُ الآن أمامي بَلدة أمّ الفحم في الدّاخل الفلسطيني، وتفصلني رِحلة نِصف ساعة عَن حيفا، وأفكّر في القرى التي مَررناها في طَريقنا (ترمس عيّا، اللّبن، بورين، سيلة الظهر، اليامون ، سيلة الحارثية، رمانة ..إلخ) والمُستوطنات التي مَررناها ( عوفرا، شاكيد، حينانيت ..إلخ) وأتساءَل بيني وبينَ نفسي عَن مستَقبل هذا الصّراع، وكيفَ ستنبتُ من هذه الكنتونات المَفصولة والمَعزولة دَولة، أو دولتان، إنّها لعنة الجُغرافيا التي تُلاحقنا !
تُصر القِيادَة الفلسطينيّة ومنذُ أوائِل عهد الرئيس الأمريكي السّابق براك أوباما على وقف الاستيطان، كَشرطٍ أساسيّ للعَودة إلى دائرة المُفاوضات؛ لإنقاذِ ما يُمكن التّفاوض عليه، فعليًا لا يُمكن التّفاوض على قالب (جاتّو) وأحد الطّرفين يستَمر في الأكل مِنه، فتَعثرت المُفاوضات وتَوقفت، واستَمرّ الإستيطان، وبدأت ال(11%) تتقلص مع الوقت.
كنتُ أشرت في مقالٍ سابق إلى أنّ التشخيص الحَقيقي للإحتلال أنه استعمار استيطاني إحلالي، تقنّع فيه المَساعي التّوسعيّة الإستعماريّة الصهيونيّة بقناع ديني يَهودي، وهذا النّوع مِن الإستعمار يرتَبط بالحَرب الشّاملة أو الوُجوديّة، والرّغبة في إدارة الصّراع، وطول أمَده لأسباب داخليّة كحماية النّسيج الدّاخلي، وخارجيّة، ودينيّة، وشيطَنة الآخر، والإدّعاء باحتِكار الحَقيقة، لهذا فإنّ فُرص التّوصل إلى اتّفاق بدأت تتراجع.
كانَت وثيقة حَماس الأخيرة بمثابة تَطوّرٍ في الخِطاب السّياسي للحَركة، وهي تَستلزم مِن فتح تحديث خياراتِها؛ لأنّ خطى حَماس السّياسية تأتي دائِمًا متأخرة، فَبعدَ استنفاد فتح لأي استراتيجيّة، تَسعى حماس لتبنّيها، لكن بِصبغة دينيّة، لهذا بدأ العَديد مِن المفكرين، والقادَة، والسّياسيين التّفكير في تَحديث خيارات المُفاوضات، وبناء رؤيَة فلسطينيّة جديدة للحَل، خاصةً بعدَ كشف صَحيفة هآرتس تفاصيل وثيقتين أمريكيّتين عُرضتا في ولاية أوباما على الرّئيس الفِلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وقوبِلَتا (باللّعم) السّياسي، فعادَت فكرة الارتباطِ مع الأردن إلى التّداول مرّة أخرى، وزادَ الحَديث بشكل كَبير عن الحُكم الذاتي داخِل الدّولة الواحِدة، كما ظهر تَحديث جديد لحلّ الدّولتين طَرحه د.سَعيد زيداني قبل أيام، يقوم على شُروط جديدة هي:
1. أنّ الفصل بين الدّولتين يجب أن يَكونَ سياسيًا في الأساس، دون الاقتِران بفصل جُغرافي/ديمغرافي حاد، وأن تَبقى البِلاد وحدة واحدة، وفضاءً للعمل والتّنقل والإفامَة.
2. أن تَتَشارك الدّولتان في (الأشياء) التي يتَعسّر، أو لا يَجدر تَقسيمها.
3. الحِفاظ على وِحدة البِلاد، واحترام ارتِباط النّاس بها، سواءً أكان ارتباطًا دينيًا، أو نفسيًا، أو تاريخيًا.
4. يمكن للاجئين العَودة إلى الدّولة الفلسطينيّة كمواطنين متساويين في الحُقوق والواجِبات، أو إلى الدّولة الإسرائيليّة كمقيم دائِم على أن يُمارس حَق المواطنة في الدّولة الفلسطينيّة.
5. يمكن للمستَوطنين الذين يَجدون أنفسهم داخِل حدود الدّولة الفلسطينيّة البقاء حيث هم، بلا امتيازاتهم الحاليّة، إمّا كمواطنين فلسطينيين، أو مقيمين دائِمين على أن يُمارسوا حَق المواطَنة في إسرائيل.
على هذه الشّروط بنى زيداني تَصورّه للحَل، وهذا فعليًا يحتاج تَعديلات بعيدة المَدى على حَل الدّولتين، ويحتاج رؤية أفلاطونيّة لدى الطّرفين، والمَزج بين عِدّة حلول، ولستُ بصدد نِقاش الفكرة وجدواها، لكن أوردتها كتَحديث فلسطيني لطروحات السّلام، وودعوةً لتَجاوز العَقبات التي تَضعها الحكومات الإسرائيليّة المُتعاقبة في وجه مساعي الحَل، وتفشّي منهَج اللّاحل، والاكتفاء بإدارة الصّراع ضِمن سِياسَة انتَظر وراقِب.