الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

انعكاسات أزمة الخليج على القضية الفلسطينية

نشر بتاريخ: 16/06/2017 ( آخر تحديث: 16/06/2017 الساعة: 12:34 )

الكاتب: زهير الشاعر

مرة أخرى تعود التحديات الكبيرة أمام القضية الفلسطينية من البوابة الخليجية خاصة فيما يتطلب موقفاً فلسطينياً واضحاً اتجاه الأزمة بين دولة قطر من ناحية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية من ناحية أخرى.
جاء هذا المأزق بالنسبة للموقف الفلسطيني بعد تجربة مريرة نجمت عن اجتياح العراق للكويت في عام 1991 والتي اتخذ في حينه الجانب الفلسطيني حيالها موقفاً غير اختياري كان مكلفاً للغاية، وذلك بتأييد الموقف العراقي باحتلال الكويت والذي دفع ثمنه فيما بعد أبناء الشعب الفلسطيني في كل من الكويت والعراق.
لذلك كنت أتمنى أن يتم التريث لأطول وقت ممكن قبل التعبير عن اي موقف فلسطيني واضح وصريح من هذه الأزمة كون أن جميع دول الخليج يمثلون دول شقيقة وداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وذلك من خلال رصد ودراسة المواقف الدولية وخاصة الموقف الأمريكي الذي كان قد دخل في مرحلة تناقضات في التصريحات حول أزمة الخليج ما بين الرئيس دونالد ترامب الذي يواجه تحديات داخلية جعلته يصفها بأنها أضخم حملة اضطهاد في التاريخ السياسي للولايات المتحدة، والذي وصف قطر سابقاً أنها تمول الإرهاب قبل أن يعقد معها صفقة مبدأية ببيعها أسلحة بقيمة 12 مليار دولار " We are pleased to announce today the signing of the letter of offer and acceptance for the purchase of the F-15QA fighter jets, with an initial cost of $12 billion dollars"، وبين وزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي حرص طوال الوقت على استخدام اللغة الدبلوماسية الهادئة والمحنكة والداعية لعدم التصعيد، وكان ذلك واضحاً بعدما عبر عن تفاؤله من إيجاد حل لهذه الأزمة بعد لقائه مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمس في واشنطن مؤكدا بأن الأسوأ في هذه الأزمة أصبح في الخلف.
هذا يعني أن الخطوات الدبلوماسية التي تبناها المجتمع الدولي حيال هذه الأزمة باتت تؤتي أُكلها وبأن دولة قطر استطاعت بالفعل أن تديرها بحكمة حتى اللحظة، مما يعني أن أي موقف فلسطيني متسرع في القرار والاختيار بالاصطفاف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك سيكون مكلفاً للغاية في المرحلة القادمة.
أتفهم بأن ﻣﺎ ﻳﺘﺤﻜﻢ ﰲ اﳌﻮﻗﻒ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ الرسمي الذي يجيئ غالباً في سياق تحديات شعبية ووطنية وإقليمية كثيرة، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ أن هناك عدة عوامل تؤثر في اﻟﺸﺎرع اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ، ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻠﻚ الناتجة عن اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﺳﻰ ﺑﻴﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻣﻦ الظلم التاريخي الواقع عليهم نتيجة وجود الإحتلال، والذي يظن هذا الشعب بأن دول الخليج تستطيع بأﻣﻮاﻟﻬﺎ وﻗﺪراﺗﻬﺎ أن تضع حداً له، لذلك كان لابد أن يكون هناك موقف فلسطيني حذر للغاية حتى لو كان ذلك من خلال مماطلة حميدة.
قبل أن أتحدث عن الانعكاسات التي من المحتمل أن تؤثر على القضية الفلسطينية لابد من الأخذ بعين الإعتبار تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون حيال تصنيف الإخوان المسلمين - الذين يبلغ عددهم نحو خمسة ملايين منتشرين في العالم- كتنظيم إرهابي، بأن ذلك سيعقد الأمور في المنطقة كون أن العديد من هؤلاء أصبحوا مسؤولين في دولهم وذو مكانة اعتبارية في أماكن تواجدهم، مما يعني أن رؤية الولايات المتحدة الأمريكية المستقبلية إتجاه المنطقة ترتكز على أن لا تستثني هذه الجماعة من المشاركة في الحرب على الإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى لربما رغبتها بأن تكون هذه الجماعة جزء من المحور السنى في مواجهة المحور الإيراني.
من هنا في تقديري أن انعكاسات الأزمة الخليجية الحالية على القضية الفلسطينية تتلخص بالتالي :
أولاً : أزمة الخليج خلخلت التوازنات الفلسطينية، حيث أنه ليس من باب الصدفة أن يتم استثناء حركة حماس الفلسطينية من قائمة الإرهاب التي صنفتها اللجنة الرباعية العربية، لا بل كان ذلك بتوافق وضوء أخضر أمريكي، وذلك من أجل تحقيق أمرين هامين:
الأول هو دفع هذه الحركة لإدراك بأنه لا ملاذ لها بعيداً عن الرؤية العربية الجديدة التي ستعتمد التطبيع والشراكة مع الجانب الإسرائيلي كأساس لعملية سلام شاملة مستقبلية وعليها أن تقرر إن رغبت أن تكون منها أو خارجها.
الثاني هي أن الأزمة الخليجية دفعت حركة حماس الفلسطينية لتقديم كل أشكال التنازل أو على أقل تقدير التعاطي بمرونة كبيرة جدا مع متطلبات الجانب المصري خلال المحادثات الأخيرة فيما بينهما في القاهرة، وهذا جاء نتيجة إدراكها أن هناك عملية تجفيف لمصادر الدعم التي كانت تتلقاها، وخاصة تلك التي كانت تقدمها لها دولة قطر، وذلك بعد أن صنفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كحركة إرهابية ومن ثم بات عليها أن تتماهى مع الشروط الإقليمية والدولية التي ستفرزها المرحلة الجديدة إلحاقاً للمرونة التي قدمتها في وثيقتها الأخيرة.
ثانياً : أزمة الخليج أفرزت حديثا عن النية عن إعلان قطاع غزة إقليم متمرد، وهذا ليس بعيداً عن الحدث القائم، لا بل يأتي من باب الضغط المتزايد على هذه الحركة حتى تنصاع كلياً للمتطلبات التي تهدف إلى نزع سلاحها وضمان تطويعها في إطار عملية السلام المنشودة التي لم تتحدد معالمها بعد، وهذا ما يجعل أن هذا الأمر مرشحاً ليكون بالغ التعقيد إن أخذنا بعين الاعتبار الحقيقة القائمة على الأرض، وبالتالي لربما سيؤدي إلى إشعال المنطقة من خلال حرب جديدة لا أظن أن المجتمع الدولي على استعداد لتقبلها أو تحمل نتائجها خاصة فيما يتعلق بالشق الإنساني الذي سينجم عنها.
ثالثاً : أزمة الخليج عجلت بالفعل من التقارب برعاية مصرية بين أطراف فلسطينية متناقضة مع القيادة الفلسطينية، مما خلق حالة من الهلع في صفوف الأخيرة التي تعمل في هذه الأيام بكل طاقتها من أجل إحياء المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي من خلال الرؤية الأمريكية الجديدة التي وعد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كممثل للفلسطينيين، وبالتأكيد هي لا تريد أن تذهب إلى هذه المفاوضات بدون شرعية كاملة في سياق تمثيل الكل الفلسطيني، وهذا إن لم يتم معالجته بحكمة وانفتاح ومنطق ومشاركة، بات يهدد وحدة الوطن وسيدعم فرص احتمالية انفصال قطاع غزة ككيان مستقل عن السلطة الفلسطينية التي ستعاني ضعفاً كبيراً سيهز المشروع الوطني الفلسطيني برمته إن حدث هذا الأمر بالفعل.
رابعاً : أزمة الخليج الحالية ستُفَعِل ملف تبادل الأسرى ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين وستُفسِح المجال أمام حراك فلسطيني بعيد عن السلطة الفلسطينية أو متناقض معها، ليعمل على تفكيك المواقف الدولية للتعاطي مع قطاع غزة من منظور آخر في سياق تحضير لمرحلة جديدة يبدو بأنها لم تعد بعيدة ولربما ستزيد من ضعف الموقف الفلسطيني الداخلي.
خامساً : أزمة الخليج أظهرت الضعف العربي غير المسبوق وكشفت حالة الضعف الفلسطيني الداخلي، وهذا يهدد بنسف القضية الفلسطينية برمتها أو إعادتها مائة عام للوراء أو يتم تصفيتها بشكل نهائي لم يسبق له مثيل تاريخياً، وفي تقديري أن هذا الأمر لربما يكون الأخطر في التاريخ الحديث الذي سيؤدي إلى نكبات إنسانية غير مسبوقة.
من هنا في تقديري أن القضية الفلسطينية أصبحت في مرمى الخطر الحقيقي نتيجة هذه الأزمة، وإن لم تتدارك القيادة الفلسطينية هذه المخاطر وتعالجها وطنيا على أسس شراكة وطنية كاملة، تلتزم بها جميع الأطراف الفلسطينية وخاصة حركة حماس الفلسطينية التي بات عليها بالفعل أن تؤمن بأن حماية الشعب الفلسطيني من المهالك يستدعي الحكمة ومن المفروض أنه يمثل الأولوية ويستدعي التحديث في التعاطي فكريا وسلوكياً مع التحديات القائمة بدلاً من تحديها والانعزال وعدم الرغبة برؤية حقيقية لمخاطر التحديات القائمة التي ستؤدي إلى عدم الاستقرار وتقض مضاجع قياداتها وتضعفهم وتجعلهم عرضة للمساومة والابتزاز.
بالمقابل في تقديري أن الضغط الهائل على حركة الإخوان المسلمين بشكل عام لربما يؤدي إلى تنامي الإرهاب كما سينجم عنه ارتماء حركة حماس الفلسطينية في أحضان إيران من جديد، وهذا سيضعف فرص نجاح سياسة الاحتواء التي تمثل السياسة الأكثر فعالية وواقعية من سياسة الإقصاء التي ستزيد الأمور تعقيداً وستضاعف من فرص إفساح المجال أمام المزيد من التطرف في المنطقة، والخاسر الوحيد في هذه الحالة سيكون هو الشعب الفلسطيني الذي سيفقد نتيجة ذلك الاهتمام والدعم الدولي بقضيته المركزية.
لذلك ما سينجم عن أزمة الخليج من تأثيرات إيجابية كانت أو سلبية سيكون لها بدون أدنى شك بُعدٌ خاص على القضية الفلسطينية وأطرافها الفاعلة، وما كان قبل هذه الأزمة بالنسبة لهذه القضية لن يكون كما بعدها، كما أن المشهد الفلسطيني لن يبقى على ما هو عليه خاصة أن هناك دلالات كثيرة تؤكد بأن هناك حراك داخلي على مستوى المؤسسات الرسمية وكأنه في حال سباق مع الزمن لإعادة ترتيب البيت الداخلي من جديد بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة الجديدة.