نشر بتاريخ: 16/06/2017 ( آخر تحديث: 16/06/2017 الساعة: 15:42 )
الكاتب: جميل السلحوت
المراقب لما جرى ويجري في عالم العربان منذ بدء الخليقة، سيجد أنّه لا وجود لدولة عربيّة، ففي عصور ما قبل الاسلام كانت امبراطوريّتا الفرس والرّوم، في حين كان العرب مجرّد قبائل تغزو بعضها البعض، وما "المناذرة والغساسنة" سوى وكيلين للامبراطوريّتين اللتين كانتا تتقاسم العالم.
وعندما جاء الاسلام، وبنى دولته، بدأ العربان يقاتلون بعضهم البعض بعد وفاة الرّسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، فيما عرف "بحروب الرّدّة" ثمّ قتلوا الخلفاء الثّاني والثّالث والرّابع، لتأتي الدّولة الأمويّة على جماجم الصّحابة، وتبعها العبّاسيّون، حيث يروي المؤرّخون الاسلاميّون أنّ أبا عبدالله السّفاح قد قتل ليلة استلامه للحكم مئة ألف من المسلمين!
والقارئ للتّاريخ العربيّ والاسلاميّ كما كتبه معاصروه ولاحقوه سيجد أنّ الحديث يدور عن حكام، ولا ذكر للوطن أو الشّعوب، وحتّى يومنا هذا نجد جماعات وأحزأب دينيّة تقول مفاخرة: "لا وطنيّة في الاسلام" وأنّ "الوطن" مصطلح غربي! يقابله "ديار الاسلام"!
ودون الدّخول في تفاصيل ذلك، فإنّنا نجد حقيقة أنّ العربان حتّى يومنا هذا، لا يوجد في ثقافتهم مفهوم للوطن أو للشّعب، أو للدّولة! وما نراه من "دول" ما هي إلا مجرّد تحالفات عشائريّة يقف على رأسها شيخ قبيلة، يتحكّم بالبلاد والعباد. ويلاحظ أنّ الانغلاق الفكري والثّقافي الذي يعيشه العربان، جعلهم يعيشون منعزلين عن بقيّة الكرة الأرضيّة، فلا دولنا تشبه دولهم، ولا حكّامنا يشبهون حكّامهم، ولا شعوبنا تشبه شعوبهم، وبذلك فإنّ العربان حتّى يومنا هذا لم يبنوا الدّولة المدنية التي يسود فيها القانون، ولا يؤمنون بتبادل الحكم، وما الشّعوب إلا رعايا -جمع رعيّة- أي قطيع يأتمر بأوامر الرّاعي! وهناك من لا يزالون حتى أيّامنا هذه يفتون "بعدم الخروج على الحاكم الظالم"، ويقرنون طاعة الحاكم بطاعة الله! ومن هذه المنطلقات وغيرها، فإنّ دولة العربان ومواردها و"رعاياها" مجيّرة لصالح الحاكم، وبناء عليه فإنّ جيوش العربان تبنى لحماية الحاكم أيضا، وليس لحماية الوطن والشّعب كبقيّة دول العالم، لأنّ الوطن غير موجود أصلا في عقليّة العربان. تماما مثلما هي أيضا موارد البلاد ملك شخصيّ للحاكم بأمر الله! يهبها لمن يشاء، ويمنعها عمّن يشاء.
وبما أنّ مقولة "اخدم شعبك يحميك" مغيّبة تماما في ثقافة العربان، وما يصاحب ذلك من عدم وجود بلاد العربان في جزيرة خارج الكرة الأرضيّة، فإنّ الدّول المتقدّمة أو التي تسعى إلى التّقدّم، لا تتركهم وشأنهم، بسبب موقعهم الاستراتيجي الذي يتوسّط العالم، ولوجود الثروة البتروليّة التي تشكّل المصدر الرّئيس للطاقة، وبالتّالي فإنّ هذه الدّول ومن باب الحفاظ على مصالحها، تتدخّل في تنصيب حكّام العربان، تماما مثلما قسّمت بلاد العربان إلى دويلات يسهل عليها السّيطرة عليها واقتطاع أجزاء منها متى شاءت. ومن يقصّر في تنفيذ الدّور المنوط به، فإنّ "الفوضى الخلاقة" جاهزة لتدميره وتدمير بلاده، واستبداله بسهولة أو ببحر من الدّماء، فكلا الأمرين سيّان.
وحفاظا على استمراريّة الولاء للدّول التي تتحكّم بمصير العالم، وما يقابلها من استمراريّة أنظمة حاكمة، فإنّه يجري ضخّ مليارات وتريليونات الدّولارات من أموال العربان إلى خزائن تلك الدّول. ومن يتباطأ في دفع ما يترتّب عليه فإنّ التّهم والمشاكل جاهزة لقذفها في وجهه والعمل على استبداله بغيره، أو يأتي مستسلما رافعا يديه دافعا أكثر ممّا هو مطلوب منه. والحديث يطول.