نشر بتاريخ: 20/06/2017 ( آخر تحديث: 21/06/2017 الساعة: 17:23 )
الكاتب: زهير الشاعر
بدايةً لا شك لدي بأن مفهوم الزكاة والصدقات هو مفهوم فيه ارتقاء بالروح وتهذيب للنفس وذلك من خلال خلق حالة التكامل التي يقوم بها ميسوري الحال بالمساهمة في ستر المحتاجين ، ولكن هذا الامر يتم في سياق آليات فردية، وليس في سياق حالة شعب بأكمله من المفترض أن لديه من المقدرات والطاقات بين أبنائه ما يجعله شعب حي قادر على الإبداع والعطاء وليس شعب متواكل على الصدقات.
لذلك كم هو مؤلم أن نسمع تصريحات لتبرير السلوك الهمجي الذي تقوم به حركة حماس، والتي تسببت من خلاله بكل هذه الأوجاع للشعب الفلسطيني، ليكون مفهومها باستخدام لغة وضيعة تعبر عن حال الشعب الفلسطيني المكلوم وكأنه بات في حالة شفقة وارتزاق دائم يعتمد على صدقات تقدمها له حركة تعتاش على مفهوم الارتزاق وليس حالة طارئة يجب أن تنتهي وإلى الأبد.
هنا لابد من الإشارة إلى أن مقالي هذا جاء في سياق غيرةٍ وطنية صادقة على كرامة شعب أنا من أبنائه الذين يعشقونه كحال معظم أبنائه الآخرين، وكوني من المعروف عنهم أنني لا أجامل أحداً في الشأن الوطني، ولا أخشى في الله لومة لائم، ولا أتحدث باسم أحد ولا من أجل إرضاء أحد سوى إرضاء ضميري، لذلك فإن ما سمعته مس كرامتي التي هي من كرامة شعبي ، حيث أنه لم يكن في ثقافتي يوماً ما، مفهوم الانصياع لاستفزاز من كلام مسؤول هنا أو هناك حتى يكون هناك تحفيز لطرح فكرة مقالاتي.
لكن عندما يخرج العيب بغطرسة، خاصة من مسؤول رفيع المستوى في حركة كنا دائماً نتجاهل قول الحقيقة حول أفعالها، حيث أنها تتسلبط الحكم على شعب بريء ، وتعربد على أحلامه وتطلعاته، وتأسره لصالح أجندتها التي باتت تواجه تحديات خطيرة للغاية، وكأنها في حالة غيبوبة لا تدرك مخاطر أفعالها التي باتت تدفع في إتجاه تصنيفها في مجلس الأمن كحركة إرهابية وما سيرافق ذلك من سلبيات وتحديات ستواجه الشعب الفلسطيني برمته!، مما أدى إلى انعكاس ذلك على نمط حياة شعب مظلوم وبريء بأكمله، حيث أصبح ضحية لمفاهيم مجتمعية دخيلة، حتى بات هذا المسؤول وذاك في هذه الحركة يتحدثون عن مساعدة هذا الشعب البائس من خلال نظرتهم الفوقية ، وكأنه في نظرهم شعب يعتاش على الصدقات التي يمن بها عليهم داعميهم.
يا سادة ليس هكذا تتم الأوصاف للشعوب لأن تحقير مكانة هذه الشعوب هو تحقير من شأن أصحاب الوصف ومكانتهم ، لذلك استفزني إستخدام فكرة تقسيم لقمة العيش مع أبناء الشعب بطريقة مهينة في سياق مفاهيم لا تمت بصلةٍ لمفاهيم تحمل المسؤولية، فكان هناك ما زلزل كياني من هذه الكلمات التي وصفت حال شعبي .
إن كان هذا المفهوم يعتمد على تقاسم لقمة العيش في ظل الظروف الطارئة التي يتعرض لها أبناء قطاع غزة فهذا أمر حميد ، أما أن يكون الهدف ترسيخ واقع دائم ليصبح العنوان تحت شرعنة ثقافة إخراج الزكاة لشعب بأكمله بمفهومه ومفهوم حركته وكأن شعبنا بات معدماً وتحول لحالة بائسة دائمة لا حول لها ولا قوة.
نعم لقد استفزني هذا القول الذي ذهب المتحدث به بعيداً وهو يصف حوار حركته مع أطراف فلسطينية باتت صاحبة تأثير كما قال ، بأن هذا الحوار جاء من أجل الشحاتة لكي تتمكن حركته من القيام بواجب إطعام شعب جائع ، في حين أنه لم يجرؤ على أن يتحدث بشجاعة عن سبب تجويع هذا الشعب ومن يتحمل مسؤولية ذلك!.
لقد كان الأجدر به أن يتحدث عن مفاهيم إصلاحية وتصالحية صادقة تهدف إلى إنقاذ الشعب من محنته وإخراجه من حالة البؤس إلى حالة الرخاء والازدهار، وذلك في سياق خطوات عملية ومنطقية فيها إقرار بتحمل مسؤولية الجريمة الأخلاقية التي نجم عنها هذا الحال البائس لأبناء قطاع غزة بدلاً من تبرير حالة تقارب بأنها جاءت من أجل الشحاتة ، وهذا الوصف ليس دقيقاً ولا يقبل به أحد ، كما أن هذه الحركة ليس بحاجةٍ لتبرير هذه الخطوة أو وضعها في خانة هذا المفهوم، الذي يؤكد تخوفات دولية وإقليمية قائمة بالفعل بأن هذه الحركة مخادعة وتبحث عن سلطة ومال ولا تبحث عن مصالحة حقيقية!.
لقد استفزني حقاً ما سمعته خاصةً أننا في هذه الأيام المباركة من هذا الشهر الكريم وفي ليلة قيام ورجاء من الله سبحانه وتعالى بأن يمن علينا بالعفو والعافية وأن يجعل ضمائرنا حية لا تباع ولا تشترى ، وأن يرزقنا الصواب وعفة اللسان والعمل على الحفاظ على كرامتنا مهما كانت التحديات ، والدعاء من أجل كرامة أبناء شعبنا الذي بات مسلوب الإرادة بين أيدي فاقدي الحكمة ومتغطرسي الحكم.
نعم ، لقد استفزني الحديث عن شعبي بهذه اللغة البائسة في الوقت الذي يتم فيه تسول استرضاء الآخرين العدو منهم والشقيق ، وكأن شعبنا أصبح هو شعب روندا أو شعب غينيا يواجه المجاعة وبات ينتظر الصدقة من حركة تدعي بأنها تعمل من أجل تحريره أو من أجل الحفاظ على كرامته .
لذلك تساءلت عن أي تحرير تتحدث هذه العقلية الجامدة التي تحمل هذه المفاهيم المهينة وهي من تستبيح كرامة شعب وتتغول على تفكيره الطبيعي ، وبدلاً من أن تعمل على رفع قيمة الإنسان من أبنائه والارتقاء بفكرهم والحفاظ على كرامتهم، باتت تتحدث بغطرسة وكأنها تحقق له إنجازات خارقة وتتحكم بها ، بعد أن أفقدته إنسانيته وجعلته مجرداً من قواه ، وذلك عن كيفية توفير أموالٍ لصرف الزكاة له بعد أن جعلته شعب يعيش الحاجة وأصبح فريسة العوز.
لقد أهانوا مشاعرنا وهم يتسابقون بكلماتهم المهينة والمثيرة للسخرية ، في الوقت الذي يتناسون فيه جراح وآلام وأوجاع شعب دفع ثمن الدفاع عن كرامته ومكانته وأحلامه من دمه ودم أطفاله وبات في كل بيت من بيوته ضحية نتيجة الحروب الهمجية التي شنت ضده بدون أن يكون له ذنب في ذلك .
لقد أطاحوا بكلماتهم الجارحة هذه بهيبة شعب بأكمله وهم يتحدثون عنه وكأنه في وضع مثير للشفقة وفي حالة احتياج شاملة ودائمة وينتظر زكاة المال الذي لا يعرف مصدره أحد ، وذلك في سياق مفهوم غطرسة لا تجلب أمل ولا تحقق حلم ولا تُؤمِن بمحاكاة الزمن وتطوره ، ظناً منهم بأنهم لا زالوا يعيشون في زمن بيت مال المسلمين، ليحتكروا بذلك أحلام وتطلعات أجيال بأكملها، وكأنهم في موقع الصواب وشعبهم بأكمله تابع لهم كأمراء للمؤمنين!.
لقد خدشتم بهذه الكلمات حياء كل وطني حر وشريف ، وأهنتم ما بداخله من عزة نفس لا بل أطحتم بكبرياء شعب لا زال يعتز بكرامته ، ظناً منكم بأن هذه المبررات سترضي هذه الجهة أو تلك أو ستمر عليها مر الكرام لتحصلوا منها بذلك على شرعية مبتغاة.
كنت أظن ولربما عن جهل أو بعاطفة الحب لشعب، وعشقٍ زَرَعَهُ الله في القلب للأهل في قطاع غزة، بأن ثقافتكم باتت تتدرج بوعي المسؤولية ، ولكن للأسف الشديد كلما صرح أحد منكم تصريحاً إعلامياً جديداً ، أشعر في ثناياه رائحة قبيحة ، لا بل بت أزداد يقيناً بأن بينكم وبين الوعي بالواقع والتحديات القائمة مسافات بعيدة، فمن قال لكم بأن شعبنا يقبل بأن يعتاش على الصدقات أو يقبل كحالة شعبية جامعة بزكاة أموالكم التي تجمعونها من مصادركم أو كما تقولون من أبناء حركتكم، والتي باتت تملئ خزائنكم وكروش قادتكم، بدلاً من أن تتركوا له الحرية في بناء مستقبل أبنائه وإفساح المجال أمامهم للإبداع في التطور ومحاكاة الزمن ليعودوا كما كانوا من دافعي الزكاة بدلاً من متلقيها!.
لم يخطر ببالي يوماً أن أسمع مثل هذا الكلام الجارح والمتغطرس من قادتكم في حق شعب صبر وكافح وناضل وتألم وتحمل الوجع من أجل أن يأتي يوم يرى فيه النور يسطع ويشع من جديد ليحمل معه الأمل بأن هناك مستقبل لأبنائه الذين تحطمت تطلعاتهم وأحلامهم وطموحاتهم نتيجة هذا الفكر المتغطرس الذي يريد أن يبقيهم اسرى وَهْم لم يجلب لهم حرية أو يحقق لهم تطلعات يحلمون بها، لا بل بات واضحاً بأنه يعمل على خلق منهم أناس ميتة تنتظر الصدقات لكي تعتاش على الفتات ، فهل هذا هو النهج المطلوب لكي تستبدل مسيرة تحرر لتصبح مسيرة تسول جاء بها نهج الانقسام والتفكك بين أبناء شعب لا زال ينتظر الفرج؟!.
اليوم لابد من قول الحقيقة كما هي بدون رتوش حيث أنني أشعر بحالة من الغثيان وأنا أكتب كلماتي هذه ، خاصة فيما يتعلق بما سمعت من كلمات تصف حال أبناء شعبي بهذه الأوصاف الشاذة، لا بل شعرت بالحزن لأن الشعب لا زال مستكيناً ومستسلماً أمام هذه الغطرسة وهذا الجنون الذي بات ينتهك كرامته.
صَمَتُ طويلاً لا بل لربما أثرت أسئلة كثيرة بسبب صمتي عن هذا الحال وقبلت وسكت ، ولم أكن أرغب يوماً بالحديث عن مشاكل قطاع غزة ومصائبه التي تجاوزت كرامة الإنسان، لا بل بعضها انتهك حرمات الناس، هذا بالرغم من كل ما سمعت وبالرغم من كل ما تعرضت له من عتب واتهامات، بأنني أجامل طرف على حساب الآخر، وبأنني منحازاً لقطاع غزة ولا أنتقده ، إلا أنني اليوم شعرتُ بصدمةٍ وخيبة أمل كبيرة بعد أن تيقنت وأنا أستمع لكلمات خرجت كالرصاص من مسؤول كبير في حركة حماس التي باتت على ما يبدو تعتبر نفسها حركة لجلب الصدقات على حساب كرامة الناس!.
لذلك في تقديري بأنه لابد من إعادة صياغة المفاهيم المتعلقة بهذا الشعب الحي، الذي لا يجوز إهانته بهذا الشكل المجنون، ومن يقبل بهذا النهج الوقح كعنوان لشعبه عليه أن يتساوق مع هذه المفاهيم المهينة بما يليق به، ومن يرفضها ويعتبر كرامته من كرامة أبناء شعبه عليه أن يرفع صوته عالياً ويرفضها!.