الأربعاء: 20/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تهويد البلدة القديمة في القدس

نشر بتاريخ: 21/06/2017 ( آخر تحديث: 21/06/2017 الساعة: 12:08 )

الكاتب: د. حنا عيسى

(الخطير في الفكر الاسرائيلي هو اختيارهم للعمق الذي تتقاطع خطوطه مع العديد من المنشآت القائمة الان أهمها المسجد الأقصى مما يعرضها جميعا لخطر الزوال)
جاء المسجد الأقصى تتويجا لواقعة الاسراء والمعراج وسجل ضمن الوقائع المثبتة انه وحدة معمارية متكاملة يعود تاريخها للفترات الاسلامية المتقدمة، وبالتدقيق في موقعه المنحدر والحلول التي قدمت لتصميمه نلاحظ كيفية تعامل مصمميه مع الموقع المنحدر، فقد قرر بناء أساسات المبنى بالمقاطع الصخرية المنحدرة، ما ينفي قيامه على اي مبنى سابق، ولحل مشكلة ربط البناء الرئيسي بالساحة، تم رفع المبنى وساحات المرافقة فوق تسوية وهي ما يعرف اليوم بالمصلى المرواني، والجدير بالذكر ان المسجد الأقصى مر بتغيرات كثيرة جدا وجذرية وذلك بسبب الزلازل المتلاحقة التي ضربت القدس وادت الى تدميره جزئيا او معظم اجزائه أربع مرات، إن هذه الدلائل التي قدمها علماء الآثار على مر العصور تنفي الرواية الاسرائيلية التي يزعمون بها وجود هيكل سليمان أسفله.
الخطير في الفكر الاسرائيلي هو اختيارهم للعمق الذي تتقاطع خطوطه مع العديد من المنشآت القائمة الان أهمها المسجد الأقصى مما يعرضها جميعا لخطر الزوال، الأمر الذي ينذر بحلول صراع شامل وقد يكون دموي في مرحلة من المراحل لما للمسجد الأقصى بشكل خاص مكانة في نفوس الامتين الاسلامية والعربية - والأخطر من ذلك - أن اسرائيل لا تتعامل مع البلدة القديمة كتراث عالمي كما هو، بل تحاول العودة بالزمن لرد الطابع الذين يدعون أنه كان سائدا قبل ثلاثة الاف عام، فنجدهم لا يولون أية اهمية لأية آثار لا تمت لهم بصلة وتثبت زيف ادعاءاتهم عن طريق التدمير أو الاهمال.
الصورة التي يحاول الاسرائيليون فرضها على البلدة القديمة وهي كما يتخيلونها مدينة ذات طابع اسرائيلي بدون وجود اي طبقات حضارية اخرى ويعملون على كافة النواحي السياسية والاثرية والتخطيطية والقانونية لتنفيذ النموذج الذي يتخيلونه:
1- الهيكل مكان المسجد الاقصى.
2- قدس الاقداس مكان قبة الصخرة.
3- نجد المعابد اليهودية ونرى حول المدينة القديمة او ما يسمونه الحوض المقدس حاليا خاليا من المباني.
أسطورة البلدة القديمة
مشروع تهويد البلدة القديمة بما فيها المقدسات اسلامية ومسيحية هو مشروع كلي وليس جزئي ومن أجل تغير الوقائع على الأرض تقوم مؤسسات دولة الاحتلال بحد ذاتها بالعمل على ذلك، فيعملون تحت الارض دون أن يراهم أحد.
فدولة الاحتلال لا تسعى الى هدم المسجد الأقصى أنما تسعى الى تغير مهامه من مكان صلاة للمسلمين الى هيكل سليمان المزعوم وعلى هذا الأساس تقوم اسرائيل على تهويد:
أولا: قبة الصخرة على اعتبار انها قدس الأقداس وتابوت العهد الذي ذكر بالوصايا العشر لموسى عليه السلام.
ثانيا: المسجد المرواني هو الذي تصوره اسرائيل على أنه القصر الملكي.
ثالثا: المسجد الأقصى وهو الهيكل المزعوم، وبهكذا تكون قد سيطرت على ما يقارب الـ 140 دونم مكان المسجد الأقصى.
لذلك تتبع حكومة الاحتلال تفريغ البلدة القديمة من سكانها والذي يصل عددهم الـ22 ألف مقدسي وابقاء فقط بعض المحلات التجارية لتصبح مكان سياحي ويأتون العرب اليها كما يزورون عكا وحيفا.
ومن أجل ذلك يتوجب علينا حماية المسجد الأقصى والمقدسات اسلامية ومسيحية وذلك:
أولا: دوليا
ابراز الاعتداءات التي تقوم بها دولة الاحتلال بمؤسساتها الأمنية بحماية قطعان المستوطنين بمواصلة اقتحاماتهم لباحات المسجد الأقصى المبارك بطريقة مكثّفة وممنهجة وبصورة شبه يومية وبمشاركة عناصر أعضاء من الكنيست ومجندين ومجندات وقوات الشرطة ورجال المخابرات والمستوطنين من جهة بابي المغاربة والسلسلة.
استمرار أعمال البناء في مشروع مجمع "بيت شتراوس" التهويدي لإزالة الكثير من الآثار الإسلامية والعربية بالمنطقة في ساحة البراق غرب المسجد الأقصى، وتنفيذ مشروع "مخطط زاموش" لتهويد محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
وقيام الاحتلال بحفريات جديدة متزامنة في وقت واحد في منطقة الطرف الجنوبي لطريق باب المغاربة والطرف الشرقي للقصور الأموية جنوب المسجد الأقصى وفي الطرف الجنوبي لمدخل حي وادي حلوة ببلدة سلوان.
وأهمية الإعلان أن تنفيذ هذه المخططات جاء بهدف جذب عشرات آلاف الصهاينة والسياح الأجانب إلى هذه المواقع ولتوسيع السيطرة على القدس والمسجد الأقصى، وطمس المعالم والآثار الإسلامية التاريخية.
إن الاهتمام بالقدس أمر عادي لهؤلاء الذين جذبهم الشوق على مر الأزمنة، فكلما عمق البعد الروحاني للقدس كلما تقلصت أهمية الأشياء والأمكنة، لتصبح مؤشرا للحقيقة الكبرى فقط، أما عندما تذوي تلك الروحانية فإن الحقيقة الكبرى نفسها تذوي في نفوس البشر.
ما كان في الماضي يعتبر خطوط حمراء ما كان للكيان من مقدره على تجاوزها اصبحت مباحه اليوم ولا تلقى ردا مناسبا فامعنت في اجراءاتها، فالمسجد الاقصى ومحيطه بات مهددا بالتقسيم المكاني والزماني وما الزيارات المتكررة الا جزءا من مخطط يستهدف التقسيم كأمر واقع تفرضه معادلات وموازين قوى فرضت نفسها بالقوه على واقع فلسطيني مشتت ينتظر ردا دوليا لا يقوى على فرض حلوله ومعاييره الانسانيه على سلطه تعتبر نفسها فوق المعايير والقوانين الدولية.
وأن ما زاد من عنهجية الاحتلال وتمرده ما هو الا استمداد لما قالته رئيسة وزراء دولة الاحتلال جولدا مائير عندما ارتكب الصهاينة جريمة حرق المسجد الأقصى في 21 آب 1969 قالت: "لم أنم ليلتها، وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا أفواجاً من كل حدب وصوب... لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة..."!
ثانياً: فلسطينيا وشعبيا
إستنهاض القوى ورص الصفوف بين الأطراف الفلسطينية المتنازعة لترك خلافاتها جانباً ولفت أنظارها وقواها على ما يجري في القدس من مساعي إحتلالية تهدف أولاً وأخيراً لتغيير المشهد المكاني والتاريخي لها، و لتكون القدس هي عنوان المصالحة الوطنية الأكثر إلحاحاً من غيره في ظل حالة الإستهداف الواضحة التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً على الوجود الفلسطيني العربي في القدس المحتلة.
ان نمو هذا العهد الذي يسيطرعلى الارض وما عليها بالترغيب حينا والترهيب احيانا والتزوير الحضاري دوما، فان لم يقف كل من يحب الجمال والتراث والانسانية والحقيقية صفا واحدا للدافع عن التراث الثقافي والحضاري للهوية الانسانية، لشهدنا عصر على القدس يقول عنه الباحثون انه العصر الذي ستسقط فيه القدس عن لائحة التراث العالمي لانها فقدت عناصرها التي تكسبها اهميتها.
التأكيد على أن ما تقوم به الأجهزه العسكرية الإحتلالية بإعداد أفلام تثقيفية تتناول صوراً لما يسمى (هيكل سليمان ) على أرض المسجد الأقصى بدون قبة الصخرة الأمر الذي يشير الى زرع ثقافة نفي الآخر من خلال تزوير الحقائق والتاريخ متناسين بأن ما يسمى بالحضارة اليهودية ما هي إلا إدعاء يتنافى ومعايير تصنيف المجتمعات وتشكلها، والتأكيد على أن التوقعات تستند إلى معلومات وإلى معطيات لم يفصح عنها الامر الذي يؤكد وجود غطاء امني رسمي لتلك الممارسات ضد الفلسطينيين.