الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مبادرة الرئيس وتفاهمات حماس-دحلان-مصر

نشر بتاريخ: 28/06/2017 ( آخر تحديث: 28/06/2017 الساعة: 23:00 )

الكاتب: د.ابراهيم ابراش

ما تسمى مبادرة الرئيس أبو مازن ما زالت تراوح مكانها، وبعد مرور شهرين عليها فما زال الغموض يكتنفها من حيث توقيتها وطريقة طرحها وأهدافها الحقيقية، بالإضافة إلى ما اثارته من حالة قلق من تداعيات فشلها ليس فقط على قطاع غزة بل على مجمل الحالة الفلسطينية.
وقبل الاستطراد فإن المبادرة، أو الإنذار، تتلخص بوقف الإجراءات المالية تجاه قطاع غزة وخصوصا الخصم من رواتب موظفي القطاع بالإضافة إلى خطوات أخرى هدد بها الرئيس أبو مازن، مقابل حل حركة حماس للجنة التي شكلتها لإدارة القطاع وتسليم كل ما يتعلق بإدارة قطاع غزة لحكومة التوافق الوطني تمهيدا لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات، وإلا على حركة حماس تحمل كامل مسؤوليتها عن القطاع وما يترتب عن عملية الفصل.
المبادرة استحضرت تساؤلات إستراتيجية تتجاوز بنودها منها: هل السلطة تريد استعادة قطاع غزة بالفعل ولكنها غير قادرة؟ أم أنها قادرة ولكن لا تريد؟ أم أنها قادرة وتريد ولكن هناك قوى أكبر منها تمنعها من ذلك وخصوصا إسرائيل؟ وهل القرارات الأخيرة تعبر عن قناعة بإمكانية إنهاء الانقسام ؟ أم قناعة بأن الانقسام وصل إلى مرحلة ألا رجعة وعلى حركة حماس تَحَمُل كامل المسؤولية عن قطاع غزة ؟ أم أن الأمر يعكس حالة ارتباك وغياب رؤية حول كيفية التصرف تجاه غزة ؟ وهل حركة حماس مستعدة للقبول بأية مبادرة مصالحة تنهي سلطتها في قطاع غزة ؟ ولماذا هربت حركة حماس نحو مصر ومحمد دحلان بدلا من التعاطي مع مبادرة الرئيس ؟.
مع تأكدنا من حسن نية الرئيس من وراء مبادرته، حيث لا نعتقد أن الرئيس أبو مازن مستريح لما آل إليه الحال الوطني وما آله إليه حاله بعد الانقسام كرئيس لجزء من الشعب على جزء من الوطن، إلا أننا نعتقد أن الصواب جانب من أشاروا عليه بأن حركة حماس على وشك الانهيار بسبب الأحداث الإقليمية والدولية التي جاءت متعارضة مع رهانات حركة حماس ووضعتها وسلطتها في قطاع غزة في وضعية صعبة تجعلها تقبل بالتخلي تلقائيا عن سيطرتها على القطاع ، كما جانبهم الصواب في اعتقادهم أن إجراء تخفيض أو قطع الرواتب والمساعدات سيدفع أهالي القطاع للتمرد على حماس ! .
بالرغم من تفكك وتراجع التحالفات الخارجية لحماس، والتحديات التي تواجهها في إدارة قطاع غزة، إلا أن حركة حماس مستمرة في المكابرة ورفضت مبادرة الرئيس وفي اعتقادنا أنها لن تتنازل عن سيطرتها على قطاع غزة الآن على أقل تقدير، وذلك للأسباب التالية :-
1- إن قوى ودول ما زالت تريد أن تستمر حماس بالسلطة في غزة ومستعدة لمدها بمقومات البقاء .
2- إن مبادرة الرئيس لا تعطي ضمانات لعناصر حركة حماس من أية ملاحقة أو إجراءات عقابية سواء من السلطة أو من افراد الشعب الذين تأذوا من سلطة حماس.
3- ولأن طرفا فلسطينيا – محمد دحلان -دخل على الخط ومد يد الإنقاذ لحركة حماس بتنسيق مع مصر وبالتأكيد مع الإمارات والعربية السعودية.
4- ولأن حركة حماس باتت على قناعة بأن سيطرتها على قطاع غزة هي الورقة الوحيدة للقوة المتبقية لديها، وبالتالي فإن تخليها عنها معناه نهايتها تنظيميا وسياسيا بما سيترتب على ذلك من تحميلها مسؤولية عشرة سنوات من الحصار.
5- إن قرار حماس انتقل من النخبة السياسية في الخارج إلى نخبة الداخل، وهذه الأخيرة توليفة من السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال والمال . وهذه النخبة مستعدة للقتال حتى تحافظ على مصالحها.
6- لأن القرارات المالية العقابية لم يتم دراستها داخل المؤسسات الرسمية، ولم تصدر المبادرة عن هذه المؤسسات مما أثار شكوكا حول شرعيتها.
7- لأن القرارات المالية أضعفت مناصري السلطة وخلقت حالة إرباك عندهم، بالإضافة إلى استمرار ضعف تنظيم حركة فتح والانقسام داخله، مما يطمئن حركة حماس من جهة حدوث تمرد ضدها.
8- تزايد القناعة بصعوبة توحيد غزة مع الضفة بسبب المانع الإسرائيلي، ولاعتبارات عملية، فكيف يتم توحيد غزة المدججة بالسلاح والأنفاق وآلاف المقاتلين الخ مع الضفة الغربية المدججة بالجيش الإسرائيلي وسلاحه والاستيطان والمستوطنين؟.
حتى لو اتفقنا مع الرئيس في أن الهدف من وراء هذه القرارات هو منع حركة حماس من الإقدام على الانفصال من خلال فتح باب المصالحة مجددا، أو دفع الناس للتمرد على سلطة حماس،فهناك طرق أخرى غير معاقبة موظفي السلطة في القطاع الذين يشكلوا قاعدة المعارضة السياسية لحركة حماس.
ما مكن حركة حماس من الصمود والاستمرار في حكم القطاع طوال 10 سنوات هي معادلة سياسية وإقليمية تريد استمرار سلطة حماس ،ليس حبا بحماس بل لاستمرار الانقسام وإضعاف الحالة الفلسطينية بشكل عام ،أما ماليا فليست رواتب موظفي السلطة المصدر الرئيس لاقتصاد قطاع غزة وتشغيل مؤسسات حركة حماس ،بل الضرائب التي تجنيها الحركة والأموال التي تدخل قطاع غزة نقدا بطريقة رسمية وغير رسمية ،أو من خلال مشاريع من تركيا وقطر والإمارات .
والسؤال هنا ،لماذا تلجأ السلطة الآن إلى الطرف الضعيف - موظفو غزة الموالون للسلطة ولحركة فتح تحديدا – ولم تمارس ضغوطا وتتخذ إجراءات لوقف التمويل الخارجي لحركة حماس من خلال الطلب من قطر وتركيا بوقف دعمهم المالي لحركة حماس ،والطلب من دولة الإمارات التوقف عن تحويل الأموال لقطاع غزة عن طريق محمد دحلان؟ولماذا سكتت السلطة وما زالت على هذه الدول التي تدعم الانقسام وتساعد حماس على تثبيت سلطتها ؟ .
لا نعني من كلامنا أننا نفضل خيارا على آخر من الخيارين السابقين ،فكلاهما سيزيد من معاناة أهالي القطاع ويكسر مقومات صمودهم دون إنهاء الانقسام، كما لا نستبعد حسن النية في صمت السلطة على استمرار مد قطاع غزة بمقومات الصمود طوال عقد من الزمن ، لأنه لو تم قطع هذه المقومات بداية الانقسام لتم اتهام السلطة بأنها تحاصر أهل غزة وتُضعف صمودهم في مواجهة إسرائيل الخ .
لكن، نعتقد بأن إجراءات السلطة بخصوص الرواتب وما سيتبعها من إجراءات تم التهديد بها لن تؤدي لثني حماس عن موقفها بل ستؤدي لتكريس الانقسام، وسيبدو الرئيس من خلالها وكأنه اتخذ قرار الانفصال، ولا نستبعد في هذا السياق أن الرئيس بات على قناعة أن حركة حماس ذاهبة نحو الانفصال وهناك دول مستعدة لمساعدتها في ذلك ،وبالتالي لماذا تستمر السلطة بمد قطاع غزة بما يساعد سلطة حماس على تنفيذ مخططاتها وإدامة سلطتها .
جاء هروب حركة حماس نحو مصر ومحمد دحلان بدلا من التجاوب مع مبادرة الرئيس ليؤكد بعض حسابات وتخوفات الرئيس أبو مازن من حيث نية حماس بالانفصال ،وفي نفس الوقت تؤكد تفاهمات حماس ودحلان ومصر أن القرارات المالية العقابية لم تكن هي الحل الأفضل لمنع الانزلاق نحو الانفصال .
في اعتقادنا أن توجه حركة حماس نحو مصر ومحمد دحلان ليس خيارا استراتيجيا بل موقف تكتيكي لا يخلو من مغامرة أو مراهنة غير مضمونة لكسب الوقت. تعاطي حركة حماس مع الحلول التي تقدمها مصر ومحمد دحلان سببه أن هذه الحلول لا تشترط تخلي حركة حماس عن السلطة (حالا) مما يمنح حركة حماس متسعا من الوقت لتستشرف المستقبل وتُعيد ترتيب أوضاعها وربما قريبا تتقاسم السلطة مع محمد دحلان،فهذا الأخير ليس جمعية خيرية بل له مشروعه السياسي تجاه غزة حتى قبل أن تسيطر حماس على القطاع ،أما مبادرة الرئيس فتطالب بإنهاء سلطة حماس أولا وإعادة توحيد غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة كشرط مسبق لأي حوار .
المَخرَج لمشكلة حماس وقطاع غزة من خلال مصر ودحلان سيُخفف بعض المعاناة مؤقتا عن قطاع غزة ،وسيمد من عمر سلطة حماس وسيرضي غالبية الأطراف بما فيها إسرائيل ،إلا أنه سيُضعف المشروع الوطني ويطلق رصاصة الرحمة على المصالحة والوحدة الوطنية ويكرس حالة الانفصال ،وسيؤدي لاحقا لانهيار اقتصاد قطاع غزة إذا ما ارتبط بالاقتصاد المصري ،بينما المصالحة التي قد تنتج عن مبادرة الرئيس ،في حالة نجاحها وبالرغم مما يكتنفها من التباس وما تواجه من تحديات ،ستخفف المعاناة عن أهالي قطاع غزة وقد تشكل رافعة وبداية لإعادة بناء المشروع الوطني ،ولكنها لن تجد قبولا عند كثير من الأطراف بما فيها إسرائيل .
وأخيرا ماذا بعد ؟ماذا بعد قرارات الخصم والقرارات الأخرى ذات الصلة ؟ ماذا بعد تفاهمات حماس ودحلان بموافقة مصرية ؟ وماذا بعد انفصال قطاع غزة ؟وإلى متى ستستمر السلطة والصراع عليها سببا في دمار المشروع الوطني؟ .

[email protected]