نشر بتاريخ: 29/06/2017 ( آخر تحديث: 29/06/2017 الساعة: 15:56 )
مقالة مترجمة عن "هآرتس" للكاتب: الكسندر يعقوبسون
(المضمون: محمود عباس معتدل في موقفه المعارض للعنف ومتشدد في موضوع حق العودة).
من ناحية مهمة واحدة، محمود عباس هو زعيم معتدل الى درجة تستحق الاشارة له. ومن ناحية مهمة اخرى هو غير معتدل أبدا. عباس معتدل في تعاطيه مع الصراع المسلح، وغير معتدل في موضوع حق العودة. وفي الحالتين الحديث يدور عن موقف منهجي على مدى سنين.
لقد عبر عباس علنا عن معارضته للعمليات في بداية الانتفاضة الثانية، في ذروة الانفعال في الشارع الفلسطيني. فهو يرفض العمليات ليس فقط ضد المدنيين، بل ايضا اطلاق النار على الجنود من قبل نشطاء فتح. وكان زعمه هو أن عسكرة الانتفاضة تضر بالمصلحة القومية الفلسطينية. وكان هذا موقف شجاع عبر عنه علنا في ظروف صعبة. كانت عملية اوسلو تعتمد على الأمل والافتراض بأن القيادة الفلسطينية ستفسر المصلحة القومية الفلسطينية بهذا الشكل. هذه الفرضية لم تكن صحيحة بالنسبة لياسر عرفات، لكنها صحيحة بالنسبة لعباس.
عباس لم يتراجع عن هذا الموقف حتى الآن، رغم أنه أمل في البداية اقناع حماس بالامتناع عن تنفيذ العمليات، وفي نهاية المطاف – بسبب ضغط اسرائيل وفي اعقاب الانقلاب في غزة – ادرك أنه لا مناص من استخدام القوة من قبل الاجهزة الامنية التابعة للسلطة، والتعاون الامني مع اسرائيل. هذا التعاون الذي منع الكثير من العمليات يستمر منذ سنوات، ايضا في الظروف السياسية الصعبة، وهو يجعل السلطة وزعيمها يدفعان ثمنا باهظا في الرأي العام الفلسطيني.
لهجة السلطة وفتح الكلامية بخصوص الكفاح المسلح تكون احيانا صعبة ومستفزة. ويمكن القول إن هذه اللهجة تسعى الى تقليص الثمن الذي تدفعه السلطة في الرأي العام الفلسطيني بسبب نشاطها ضد الارهاب والعنف. ورغم هذه اللهجة، ليس هناك شخص في المناطق لا يعرف أن رئيس السلطة الفلسطينية يعارض العمليات، وأن الاجهزة الامنية الفلسطينية تعمل بناء على أوامره لمنعها.
مثلما أن عباس منهجي في معارضته للعمليات، فهو منهجي ايضا في رفضه التنازل عن طلب حق العودة لاحفاد اللاجئين الى اسرائيل. أحد أكبر المتفائلين من بين قادة معسكر السلام في اسرائيل قال إن موقف عباس اثناء المفاوضات في كامب ديفيد كان متشددا أكثر من موقف عرفات. ولم تكن هذه لهجة كلامية مبالغ فيها قبل المفاوضات: في لحظة الحقيقة، وعند الحسم المصيري وأمام الفرصة الواقعية لدولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس، تبنى عباس موقف لم يترك فرصة للسلام. وهذا الموقف مخالف تماما لـ "دولتان لشعبين".
إن حق العودة هو من أسس الهوية الفلسطينية ومن أسس الحركة القومية الفلسطينية. ومن الصعب التنازل عن هذا الطلب، لكن بدون هذا التنازل – لا يوجد أي معنى لحديثه عن السلام. عباس ومثله قادة السلطة وفتح عندما يتوجهون لأبناء شعبهم يُقسمون من اجل حق العودة "المقدس" ويعلنون أن اللاجئين فقط هم الذين يجب أن يختاروا بين العودة الى اسرائيل أو الحصول على التعويضات، وأن القيادة الفلسطينية لا يحق لها التنازل عن هذا الحق باسمهم. يبدو أن عباس يدرك أن هذا الطلب غير منطقي، لكن هذا لا يعني أنه مستعد ويستطيع التوقيع على اتفاق سلام بدون حق العودة. ومبادرة السلام العربية ايضا، التي يلتزم بها عباس، لا تتحدث عن "حل عادل متفق عليه لمشكلة اللاجئين"، بل عن "حل عادل بناء على قرار 194".
حكومة نتنياهو والقيادة الفلسطينية ايضا تتبنيان الآن مواقف لا تُمكن من التوصل الى اتفاق سلام. وبدون اتفاق دائم يجب العمل على تقليص الاحتلال بدل تعميقه وتخليده – لكن بعيون مفتوحة وبدون أوهام.