الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نميمة البلد: عملية القدس "الفارطة" ونقاش السوشيال ميديا

نشر بتاريخ: 30/06/2017 ( آخر تحديث: 30/06/2017 الساعة: 15:05 )

الكاتب: جهاد حرب

على هامش مقابلة تلفزيونية وقبل التسجيل أو التصوير، بادرني صديقي الصحفي بسؤال أقرب الى الاستغراب من الاستفهام حول طبيعة النقاش، في وسائل التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، الذي جرى بعد تنفيذ ثلاثة شبان فلسطينيين عملية ضد جنود الاحتلال في مدينة القدس في مساء أحد أيام الجمعة بشهر رمضان، والذي أخذ طابع الامتعاض بل أقرب الى الإدانة. وتساءل هل يمكن ادانة عملية ضد الاحتلال بدلا من ادانة الاحتلال أم أن امتيازات الاحتلال "التصاريح" أهم من حق مقاومة الاستعمار.
لبرهة داهمتني الحيرة أو بمعنى أدق حاولت الحصول على الإجابة المنطقية لهذا السلوك "المستغرب لدى صديقي" ولم أضع نفسي في اختبار وضع إشارة الصح أو الخطأ بقدر محاولة الاجابة عن الفرق بين الحق وممارسة أو الاستخدام الأكثر ملائمة لممارسة الحقوق. وتذكرت في تلك اللحظة أن عليَّ أن أقدم إجابة مقنعة في تلك اللحظة وان لا ألوذ بالصمت لضمان عدم الوقوع بالخطأ أو إخفاء قناعة وعدم المجاهرة بها خشية من مخالفة الاخرين. قلت في اجابتي ان ما قام به الشبان الثلاثة حق لا نختلف عليه "مقاومة الاحتلال" ولم يكن خسارة الامتيازات "التصاريح" إلا جزءا من النقاش أو الخلاف الذي يكمن بالأساس في طريقة الممارسة وفي توقيت الممارسة.
وهذا السؤال حاولت الاجتهاد للإجابة عليه بداية موجة المواجهة التي بدأت قبل عام ونصف (نهاية العام 2015) بعمليات طعنٍ ودهسٍ "دعس" في مناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي مدنٍ إسرائيلية؛ حينها طالبت القيادة الفلسطينية وقيادة الفصائل الدعوة لوقف مثل هكذا عمليات لأنها استنفذت مهمتها في تلك اللحظة ولأنها أيضا أصبحت ذريعة بيد جنود الاحتلال لقتل شبابنا وصبايانا على حواجزه المنتشرة في طول البلاد وعرضها وفي مدينة القدس. واليوم بات من الضروري فهم أن هكذا عمليات، بعد عمليات الطعن والدهس في مدن وعواصم أوروبية من قبل تنظيم الدولة "داعش"، لم تعد تلقى تفهما من قبل الأصدقاء وشعوب العالم الاخرين مما يضعف حجة وسيلة النضال وأسلوب العمليات هذه، ويذهب التضامن مع نضالنا العادل في مواجهة الاحتلال خاصة أن لدى حكومة الاحتلال قدرة واسعة على تجيير هذه الاعمال ووسمها بالإرهاب الذي يضرب تلك المدن.
هذا الأمر يدعو الى فهم الاحداث والتحولات التي تجري في العالم وعدم تكرار الخطأ الذي وقع به الفلسطينيون بعد أحداث أيلول / سبتمبر 2001، المتمثلة بالعملية الإرهابية في برجي نيويورك، بعدم إعادة النظر في الوسائل النضالية لمواجهة الاحتلال ما فتح الباب أمام الحكومة الاسرائيلية لوسم النضال الفلسطيني بالإرهاب وتشبيهها بعمليات تنظيم القاعدة. واليوم أيضا الحاجة باتت ضرورية لمراجعة هذا الأسلوب من العمليات بعد عمليات "داعش" في السنة الأخيرة في دول أوروبية وغيرها. وفي هذه اللحظة نحن أحوج إلى فطنة القيادة في فهم هذه التحولات ومصارحة الشعب "الجماهير" بالطرق الأنسب عملا وليس قولا فقط.
وفي ظني أن القيادة ليست فقط من يتحكم بالشعب وطريقة عيشه بقرارات من عليّ "فوقية"، بل هي من يتلمس حاجات الناس، ويصنع من الامكانيات البسيطة أدوات قوة، وتتمتع بالبصر والبصيرة، وهي مَنْ يبادر ويتخذ القرار في الوقت المناسب للحفاظ على حياة المواطنين وضمان عدم انحراف المسيرة أو حرفها، وهي تستخلص العبر من التجارب السابقة قبل غيرها فهي أصلا المبتدأ والخبر، وهي بكل تأكيد طليعية في المقدمة لا في المـؤخرة.
وفي ظني أيضا أن المقاومة الشعبية تتضمن طيفا واسعا من الوسائل والاشكال لمواجهة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، وهي في الوقت نفسه يمكن ابداعها وتعلمها وتجربتها وفقا لمتطلبات كل مرحلة بل لكل منطقة أو قرية. لكن استخدام أي شكل من اشكال المقاومة يخضع، أو يجب ان يخضع، لتلبية ثلاثة معايير أساسية تتمثل بتقليل التكلفة على الفلسطينيين أولا، وثانيا القدرة على الحاق الخسائر بالاحتلال، وتعظيم التأييد الدولي وزيادة المتضامنين معه ثالثا. هذه المعايير الثلاثة هي متزامنة وليست على حساب بعضها البعض. وهو ما افتقدناه في هذه العملية فقد كان الثمن باهظا على الفلسطينيين بارتقاء ثلاثة شبان يافعين مقابل سقوط جندي/ مجندة واحدة من جيش الاحتلال فيما لم تحظَ أو تعظم التضامن مع نضال شعبنا. هذه الشروط ومعادلة الربح والخسارة في الفعل النضالي تحتاج دوما الى نظر دقيق وإدراك عميق ودونهما الغرق والخسارة أو الحسرة والندم.