الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رحيل السعدي والخطيب: ضربتان موجعتان على الرأس

نشر بتاريخ: 01/07/2017 ( آخر تحديث: 01/07/2017 الساعة: 15:37 )

الكاتب: د.اسعد عبد الرحمن

الأحزان تختلف بمقادير. فهنالك من يبتليه الله بالحزن بقدر بسيط، وهناك من يكون حزنه أكبر من الجبال. لكن من المؤكد أنه من الصعب على أي منا تحمل فقد صديقين عزيزين في يوم واحد، غازي السعدي وزهير الخطيب، فهذا شعور طاغ بالفاجعة. فمن ذا الذي يملك القدرة على نعي صديقين وفيين من أبناء الدرب الواحد... رحلا في يوم واحد وحقا، ليس هناك قسوة أشد وألما أبرح على النفس حين يتعرض الخدان بصفعتين عنيفتين، ومرة واحدة، بفعل نبأ وفاة صديقين عريقين.
ولد غازي السعدي (أبو إيهاب) في مدينة عكا الفلسطينية عام 1937 واعتقل من قبل القوات الإسرائيلية بتهمة مقاومة الاحتلال وحكم عليه بالسجن 12 سنة، قبل أن يبعد إلى الأردن، حيث أسس دارا للترجمة والتأليف والنشر. ولقد تمت محاربته إسرائيليا بقسوة منذ بداية إبعاده، لأنه كان رائدا من رواد نشر/ فضح فكر الصهيونية، معريا وكاشفا قياداتها ومؤسساتها. غير أن غازي انتصر حين استشعر الجميع هدوءه وعلميته فأدركوا قيمة مبادراته وقيمة ما فعله، فكانت دار الجليل، التي أثبتت منذ تأسيسها عام 1978 أنها إحدى أكثر المؤسسات قدرة على التعامل مع الأحداث السياسية المتصلة بالصراع العربي - الإسرائيلي، فتمكنت، إلى جانب رصد المتغيرات التي سادت الدول العربية وإسرائيل، من رسم صور تحليلية، لما يجري، فأضحت إحدى أفضل دور النشر في التعامل مع القضايا الإسرائيلية والفلسطينية، استنادا إلى القاعدة الأهم الذي أثبت التاريخ صحتها: إعرف عدوك. كما أثبت الدار نجاعة العمل الفلسطيني المستقل الساعي إلى تزويد المهتمين بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي عموماً، والقضية الفلسطينية خصوصاً. ويقدر للغالي (غازي) أنه كان يعد تقارير تقدير الموقف التي لطالما ساعدت المسؤولين في كل من الأردن وفلسطين على فهم دقيق للمواقف الإسرائيلية في عديد القضايا. فما أحوجنا اليوم إلى إعلام عصري يتعامل مع هذه القضية، ليس على الصعيد الداخلي، بل والخارجي أيضا، الأمر الذي يتطلب صيغا معلوماتية مميزة تقود إلى تعرية السياسات الإسرائيلية في الشارع العربي.
ومنذ عرفني أول الرصاص ... أول الحجارة ، ( أبو جهاد - خليل الوزير) على الحبيب (غازي) من خلال رسالة وصلتني منه حين كنت أستاذا بجامعة الكويت شارحا لي عن (غازي السعدي) وعن الدار التي أسسها ويرغب في تحديثها وتطويرها طالبا مني مؤازرة جهوده ودعمها منذئذ، أصبح (أبو إيهاب) صديقا عزيزا حرص كل منا على علاقتنا البحثية من جهة، وعلى صلاتنا الاجتماعية العائلية من جهة ثانية، فتكررت الزيارات لبيته العامر (بكرم خاص من الأخت أم إيهاب) ناهيكم عن زياراتي المتكررة للمركز... وزياراته المعتادة لي في مؤسسة شومان . وما كنت أعتقد (وهو المحاور/ الباحث/ الأستاذ) الذي لطالما لبى دعواتي المتكررة له للقاءات الفكرية الخاصة التي كنت، ولا أزل أقيمها، تحت عنوان (حوار دسم... على... عشاء غير دسم) ما كنت أعتقد أنه سيفارقنا بهذه السرعة... بل بدون مقدمات! وهذا الرجل/ الرجل، الوديع الهادئ، الرصين أبدا، المبتسم دوما، لطالما سحرني بصفاته هذه فكان أشبه ما يكون بأكاديمية بحثية قوامها رجل واحد يسير على قدمين!!!
أما زهير الخطيب المحامي الذي قضى حياته عاملا في القضية الفلسطينية كقضية جامعة ضد الصهيونية العالمية، فقد رحل بعد حياة حافلة في النضال والدفاع عن حقوق أبناء الشعب الفلسطيني، ساعيا على درب تحقيق الأهداف الوطنية العليا للشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وفي بداية حياته، كان (زهير) متحمسا لتحقيق الوحدة العربية (من موقعه في حزب البعث العربي الاشتراكي). هذا الزهير هرب من الأزهر، متمرداً على والده الذي أراد له أن يكون شيخاً أزهريا مثله، حيث ذهب لدراسة القانون وللعمل السياسي. وبالفعل كان لزهير شأن في المحافل البرلمانية والسياسية، أينما مثل فلسطين وطلبتها ونوابها وابناء مخيماتها.
كعضو بارز في حزب البعث، شارك (زهير) في حمل لواء المشروع النهضوي العربي، وآمن يومئذ بأن المقاومة هي اللغة الوحيدة التي يعرفها العدو. وفي ريعان شبابه، حمل مسؤولية قيادة العمل الطلابي الفلسطيني حين لعب دوره في تأسيس (الاتحاد العام لطلبة فلسطين) وأسهم كذلك في تأسيس (اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين) حيث أصبح لاحقا أمينه العام وومثلاً له في اتحاد الحقوقيين العرب، ومستشارا للراحل ياسر عرفات، وعضواً في المجلسين الوطني والمركزي الفلسطينيين في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. ومنذ عرفته في بداية ستينيات القرن الماضي، كان زهير أشبه ما يكون بمظاهرة اجتماعية قوامها رجل واحد يسير على قدمين!
غازي السعدي وزهير الخطيب صديقان محفوران في الذاكرة، سكنا القلب منذ زمن، وجهان لعملة واحدة هي فلسطين، اجتهدا وناضلا كل من موقعه، ملتزمين بالعروبة وبالأمة العربية تماما مثل التزامهما بمؤسسات منظمة التحرير ورسالتها وسياساتها وفعلها وحضورها وقضيتها، فنجحا سياسيا ومهنيا بتميز. لهما الرحمة، ولنا - مع عائلتيهما - الصبر والسلوان.