نشر بتاريخ: 02/07/2017 ( آخر تحديث: 02/07/2017 الساعة: 17:10 )
الكاتب: محمد خضر قرش
الدعاء غير المصحوب بالعمل كالتواكل.. كلاهما يعكسان قنوطا ويأسا واستسلاما
كثرت في الآونة الأخيرة إرسال الأدعية بأنواعها عبر شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة والتي تنتشر في شهر رمضان الكريم من كل عام على وجه الخصوص كما في بقية الشهور دون ان يصاحبها، العمل والفعل لمواجهة الفقر والفساد والنصب والاحتيال والنفاق تعكس حالة من اليأس والاستسلام والقنوط. فحينما نقول بأن الله هو الرزاق دون أن نشمر عن سواعدنا ونعمل ونبحث عن الرزق الحلال فلن يرزقنا الله واذا اكتفينا بترديد أن النصر من عند الله فلن يتحقق بدون الإعداد والتهيؤ لخوض الحرب.
لم أرَ شعوبا في العالم بائسة مثلنا نكثر من إرسال الأدعية عبر شبكات التواصل الإعلامي ونطلب من مستلميها ان لا تتوقف عندهم وان يقوموا بنشرها ليكسبوا اجر توزيعها.
فكتابة الأدعية لوحدها تماثل التواكل تماما. وكما أن هناك فروقات كبيرة بين التوكل والتواكل هناك أيضا فروقات واضحة بين الدعاء المصحوب بالإعداد والعمل والفعل والتجهيز والإرادة والتصميم على تحقيق محتواه ومضمونه وبين الاكتفاء بالدعاء النظري البائس العاجز الذي يعكس استسلاما وقنوطا وضعفا وتخليا عن أداء الواجب. فالتوكل يشتمل على العمل والإعداد والفعل والاخذ بعناصر القوة والنجاح والتخطيط الجيد تيمنا بقول رسول البشرية "اعقل وتوكل". وقد امرنا الله بالعمل "وقل اعملوا" ولم يقل لنا اكتفوا بالدعاء فحسب حتى ارزقكم وانصركم على اعدائكم كما قال لنا في كتابة العزيز “كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون". ولعل ما فعله الخليفة العادل عمر بن الخطاب مع ذلك الرجل الذي كان دائم المكوث والصلاة والدعاء في المسجد فنهره وقال له قولته المشهورة " قم إلى عملك فانت تعلم بان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ".
المسلمون وعمودهم الفقري العرب يعانون منذ عقود ليست بالقصيرة من ضعف وهوان وتشتت أثر على ممارستهم للفروض وجعلهم يكتفون بإرسال الأدعية، بأن ينصر الله المسلمين على أعدائهم وذلك من باب رفع العتب. ففي كل صلاة يقف خطيب الجمعة وبقول بأعلى صوته " اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأعلي بفضلك كلمة الحق والدين وهيأ من يوحد المسلمين ويحذو حذو صلاح الدين.. الخ" فمنذ أن كان عمري سبع سنوات وانا استمع لهذه الأدعية ويردد المصلين خلفه آمين، ولكن الله سبحانه وتعالى لم ينصرنا ولم يرسل لنا من يوحد شملنا ولم يرسل لنا حكاما كصلاح الدين بل أرسل لنا حكاما عملوا وما زالوا على تشتيت شملنا وتعميق فرقتنا وزرع الضغائن فيما بيننا. ليس لأن الله غير قادر بل لأننا لم نأخذ بالأسباب ولم نُعد له عدته تطبيقا لقوله تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل. " فخطباء المساجد في رمضان وغير رمضان بُح صوتهم وهم يصرخون اللهم انصر الإسلام والمسلمين منذ مئات السنين دون أن يستجب الله لهم ولا للمسلمين، بل ازداد وضعنا سوأ وانهزمنا في كل معاركنا. فنحن ببساطة لا نستحق النصر ولسنا اهلا له. ولو كانت الأمور بالأدعية وحدها لانهزمت إسرائيل وانخسفت منذ عقود. فنحن في الأيام العادية وعقب كل صلاة ندعو عليها بكل أنواع الأدعية دون أن تتأثر أو يصيبها أي مكروه. لأننا نكتفي بالدعاء وحده دون أن يصاحبه عملا وفعلا وإرادة، لذا لا يقبلها الله وبالتالي لا يستجيب لها. وعليه فعلى الذين يكثرون من ارسال الأدعية فحسب ويطلبون نشرها وتوزيعها على أوسع نطاق ممكن عليهم أن يكتفوا ويعزفوا ويتوقفوا عن مواصلة ارسال الأدعية لأنها لا تفيد ولا تحقق المبتغى ويضيعون وقتهم على الفاضي، لكونهم لا يتبعون القول بالعمل والفعل فهم ممقوتون تطبيقا لقول الهم تعالى "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون". فمن استبدل التوكل بالتواكل واكتفى بإرسال الأدعية فقط دون أن يرافقها فعل وعمل هم أنفسهم من حولوا الصلاة من كونها ركنا وفرضا وعبادة إلى مجرد تقليد وعادة ليس إلا. ولسنا بحاجة إلى إيراد أمثلة على ذلك لكن من المفيد ذكر بعضها على شكل رؤوس أقلام. فالصلاة وفقا لكتاب الله عز وجل "تنهى عن الفحشاء والمنكر" ورغم أن المسلمين يذهبون لأداء الصلاة بشكل يومي في المساجد وخاصة في أيام الجُمع وخلال شهر رمضان الكريم وبقية المناسبات الدينية ويرفعوا اياديهم ويبتهلون إلى الله أن يهديهم سواء السبيل إلا أن الفحشاء والمنكر والفساد والإفساد والكذب والغش والتواكل والنفاق واكل أموال الناس بالباطل وبطش القوي الغني بالضعيف الفقير وانتشار الآفات الاجتماعية المختلفة وقتل المسلم لأخيه المسلم يتضاعف ويتسع ويزداد مما أثر على حياتنا وعلاقتنا واخلاقنا وسلوكياتنا مع ابناء الوطن الواحد. فلو كان الذين يؤدون الصلاة مؤمنون ومقتنعون بها فعلا وأنها فرضا وعبادة في صميم الدين الحنيف وليس تقليدا وعادة لما شاهدنا كل هذه الامراض والمصائب بين صفوفنا. ولو كانت الصلاة تؤدى كعبادة أيضا لما شاهدنا عقب كل صلاة وخاصة في شهر رمضان وأيام الجمع والمناسبات تدافع وتزاحم المصلين على الأبواب وكأنهم كانوا في سجن يودون الخروج منه أو التخلص من العبء الثقيل الذي كان ملقى على كواهلهم، فيخرجون بفوضى عارمة لا تليق بهم كمصلين، في البحث عن الأحذية الملقاة فوق بعضها حتى قبل ان يصلي البعض السنة البعدية ودون ان يعطوا لأنفسهم دقائق معدودات للتأمل والتفكر في معنى الصلاة وأهدفها ودورها في تربية المسلم وتثقيفه وتصحيح اعوجاجه ونهيه عن الفحشاء والمنكر، فالعجلة هنا من الشيطان والتي تتعارض دائما مع الخشوع والصبر وقبلهما الإيمان. لقد تمكن أعداء الإسلام والعروبة من إفراغ الصلاة من مضمونها العبادي والايماني باعتبارها من الفروض الخمسة وتحويلها إلى عادة بلا خشوع. فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" فالاكتفاء بالدعاء وحده يعني الاستسلام ودعاء الوالدين لأبنائهما ليست أكثر من حالة نفسية يقومون بها جريا على العادة، فلا يترتب عليها نتائج، سواء في تصرفات وسلوكيات الأبناء أو في التوفيق والرزق ونصر المسلمين على اعدائهم. فالأدعية المستجابة من الله لها شروطها المصحوبة بالإعداد والعمل والابتعاد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن تكون صادرة عن مؤمن حقيقي يتق الله حتى يجعل له مخرجا. وهناك عادات وسلوكيات وتصرفات لا تمت للإسلام والصلاة بصلة وهي، أن عددا غير قليل من الخطباء والائمة في المساجد وخاصة في شهر رمضان الفضيل وليلة القدر يرفعون اياديهم إلى السماء ويبتهلون إلى الله أن ينصر الإسلام والمسلمين وأن يفرج عنهم الكرب وان يبعد عنهم الفواحش وان يعفوا عنهم.. الخ وفي الكثير من الحالات يجهش الامام بالبكاء ويردد المصلون أمين وبعضهم ينافسه في البكاء، لا تلبث هذه الدراما أن تنتهي بمجرد الخروج من المسجد. فما يتم ليس من الإيمان والصلاة بشيء لكونه يعكس حالة البؤس والعجز والإفلاس والضعف وتخدير ضعاف النفوس والمتواكلين بأنهم على قاب قوسين أو أدنى من صلاح حالهم وحياتهم وظروفهم. لقد أضعنا بسلوكياتنا وتصرفاتنا الخاطئة غير المسنودة والمؤكدة في السلف الصالح، بوصلة الإيمان ومعنى الصلاة الحقيقة والتي كانت دائما عند السلف الصالح تنهى عن الفحشاء والمنكر وتحقق النصر على أعداء العرب والمسلمين، بعكس ما هو قائم حاليا. والله وليً التوفيق.