الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مظاهر الانحراف الفكري

نشر بتاريخ: 05/07/2017 ( آخر تحديث: 05/07/2017 الساعة: 10:06 )

الكاتب: د. حنا عيسى

(للتطرف الفكري وجهين، أحدهما مكشوف والآخر مقنَّع، فكما يوجد التطرف الفكري المكشوف والذي يمكن تشخيصه دون تعقيد، كذلك هناك التطرف الفكري المقنَّع الذي تضيع معه البوصلة)
برز التطرف الفكري في وقت مبكر من تاريخ المجتمع البشري، حتى قبل أن تتعقّد التركيبة الإجتماعية سواء في منظومتها الفكرية أو في وسائلها الحياتية، لأن في أسباب التطرف الفكري ما ليس رهناً بالتركيبة الإجتماعية المعقدة، و إنما يتجسد في البيئة الساذجة على وجه التحديد . ولطالما وُجد التطرف الفكري لا كحالة في الفرد و المجتمع، و إنما كظاهرة إجتماعية تتسع وتضيق حسب عوامل نشوئها، و حجم تفاعل هذه العوامل و تأثيرها . و لم يقتصر ذلك على صعيد معيَّن من أصعدة الحياة، و إنما يكاد يشمل أو يشمل بالفعل جميع الأصعدة، لأن التطرف الفكري يتحقق أينما تحقق سببه وعلى أي صعيد .
والتطرف الفكري هو الميل لافكار معينة واعتناقها والايمان بها رغم انها تخالف ما اتفق عليه من قوانين وما اشتهر من اعراف كأسس العدل والحرية والمساواة.
*مظاهر الانحراف الفكري:
1- القدرة على التضليل و الخداع: ان الزعماء و بعض الرموز الفكرية المنحرفة تضلل وتخدع صغار السن و الجهلاء من العامة و تغرر بهم باستعمال اللغة الانفعالية في التأثير عليهم و تغييرهم و يحرصون ان يربونهم و يعلمونهم من صغرهم على خلق الاقتناع في نفوسهم بأن ما يقوله هذا الشيخ أو هذا الزعيم من المسلمات وغير قابل للنقاش.
2- تشويه الحقائق: الفكر المنحرف يتسم دائماً بقدرته على قلب المفاهيم وتشويه الحقائق وطمسها، وتقديم أدلة وبراهين غير كافية أو مناقضة للواقع، واستعمال الكلمات بمعان مُبهمة غير محددة أو بمعان متقلبة ومختلفة
3- تبرير الغايات: يتحقق التصور الشرعي من التكليف بامتثال أوامر الشارع واجتناب نواهيه، و لكنهم في خلاف ذلك فتراهم يقدمون النصح لقادتهم أو أتباعهم باستخدام أي وسيلة متاحة في الصراع على السلطة و يبررون لهم سفك الدماء على انه جهاد في سبيل الله أو يكفرون الناس ليستحلوا دمائهم وأعراضهم.
4- التبسيط المختل: المنحرف فانه يعالج الأمور والأشياء بنظرة غير متوازنة، فينظر إلى توافه الأمور نظرة جدية وصرامة ويرى عظائم الأحداث بسطحية وتسفيه.
5- الميل إلى الخلاف والصراع: اقتضت حكمة الله تعالى أن تختلف آراء الناس وأفكارهم في أمور الحياة، وسبب ذلك أنهم خلقوا أساسا مختلفين في الأمزجة والميول والرغبات، وهذه حقيقة لايدركها إلا أصحاب العقول السليمة. إن الفكر السـوي يُسلم بتعدد الأبعاد والرؤى ويعمل على التواصل مع الآخرين والانفتاح على العالم، والإفادة من خبراته وأفكاره دون صراع أو تسفيه، في الوقت الذي ينزع فيه الفكر المنحرف إلى الخلاف والصدام مع الآخرين عند ظهور طيف أي خلاف.
6- التناقض الفكري – السلوكي: هذا انهم السنتهم و فكرهم الذي ينشرونه يقول شيئاً وافعالهم تقول شيئاً آخر مختلف و مناقض تماماً .
إن للتطرف الفكري وجهين، أحدهما مكشوف والآخر مقنَّع، فكما يوجد التطرف الفكري المكشوف و الذي يمكن تشخيصه دون تعقيد، كذلك هناك التطرف الفكري المقنَّع الذي تضيع معه البوصلة، لا سيما إذا اتخذ صيغة علمية، و ظهر بوجه حضاري، فيترك تأثيرا كبيرا و خطيرا في الشعوب والمجتمعات، و ربما يصل إضلاله حد تصور أنه النهج الصحيح، و ما عداه هو الشذوذ و الخطأ.
*أسباب التطرف الفكري:
إن ظاهرة الغلو والتطرف الديني ليست وليدة الظروف الراهنة بل هي موجودة منذ القدم، كما أنها ليست مختصة بدين معين فكل الأديان عرفت طوائف تخرج عن الإجماع وتتهم المجتمع بالكفر والزندقة ومن ثم تخرج عليه وتنصب له العداء.
- الأسباب الذاتية:
- الجهل: وهو مصدر كل الأخطاء، لأن الجاهل لايحكم عقله بل يندفع وراء عاطفته.
- وجود بعض البدع والخرافات والعادات والتقاليد الخاطئة.
- بروز مظاهر الانحلال والتفسخ في المجتمع بسبب التغيرات التي طرأت على البنية الاخلاقية، وهو ما ينتج عنه تطرفا معاكسا بالغلو والتشدد وبالتالي الضياع في متاهات التطرّف الفكري.
- الظن وانتشار الإشاعة: عندما تنتشر الإشاعة في المجتمع، تصبح الساحة مسرحاً لتبادل الاتهامات والظن السيء بالناس، مما يُوسع الفجوة بين أبناء المجتمع الواحد، ويفتح الباب على مصراعيه أمام الأفكار التكفيرية وإلغاء الآخر.
- الفساد الإداري وغياب العدالة: إذ تساهم تجاوزات بعض المسئولين وعدم العدل بين الناس، او التنقص من حقوقهم والتمييز بينهم يدون مبرر كل ذلك يُنمي مظاهر السخط والتذمر ويؤدي إلى فقدان الثقة في السلطة ثم العمل في الاتجاه المضاد لتغيير هذا الواقع.
- غياب الدولة عن مراقبة الأفكار الوافدة وتضييق الخناق عليها ومتابعة أصحابها.
- غياب مرجعية علمية تقوم بالتوعية الدينية.
- الحالة الاجتماعية التي يعيشها معظم الشباب من بطالة وعدم اكتراث الدولة لحالهم، وغياب سياسات ناجعة لاحتواء الشباب وتوفير الفضاءات المناسبة لاحتضانه وجعله يلعب دوراً إيجابياً داخل المجتمع.