الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أصحـــاب القـــرار والمُطْلَــــق المًنطــــوق

نشر بتاريخ: 06/07/2017 ( آخر تحديث: 06/07/2017 الساعة: 12:49 )

الكاتب: فراس ياغي

يقف البعض منا مشدوهاً مما يجري حوله فلسطينيا، بل يحاول جُهدَه أن يستوعب المفهوم والمَنطوق منها والذي يستعصي إستيعابه، خاصة أن مستقبل الوطن الفلسطيني المنشود تحقيقه وفق الحد الأدنى المتفق عليه أصبح يتأرجح بين التصفيه الكليه في ظِل الصراعات الداخليه الفلسطينيه-الفلسطينيه، وبين صياغة ما دونِ دونِ ذاك الحد بحيث يتمحور الحديث حول كيان فلسطيني ما في بقعة تَحكمها حدودها الجغرافيه وتَتَحكّم في سياستها وتُخضعها وفقاً لتلك الجغرافيا.
الغريب أن مُجمل القيادة الفلسطينيه تعي الظروف الصعبه والمصيريه التي تمرُّ بها قضيتنا الوطنيه وتحركها للأسف لا يكاد يصل لأدنى مستوى في مواجهة تلك الظروف أو بالحد الأدنى تحصين القلعه الفلسطينيه التي تمزقت وإنقسمت منذ العام 2007 وحتى هذه اللحظه، وعلى الرغم من أن الحل السحري واضح وبحاجة فقط لإرادة سياسيه من القيادة الفلسطينيه إلا أن التصريحات المسموعه والمنطوقه تَدفعنا للوقوف مُندهشين ومُستغربين منها...أعلم أنهم يَعلمون وواعين لطبيعة الحل القادر على المواجهة بحدودها الدنيا، وأعلم أنهم يَعلمون أن كلمة السحر ترتبط بشكل لا يقبل الشك بعبارة "الوحدة الوطنيه"، بإعادة اللحمه للوطن المنشود بين غزة والضفه ليس كجغرافيا وفق "إتفاق أوسلو" المشؤوم، وإنما كحالة وطنية فلسطينيه أولا وأخيراً، وإرادة واحده وسياسه واحده وهدف واحد مرتبط بمفهوم الكيان الواحد لجناحي الوطن المرتبط بالجغرافيا العربيه من خلال التنسيق المشترك للهموم الواحده الأمنيه والأقتصاديه وغيرها.
إنّ أي صراع داخلي مهما كان شكله ولونه وطبيعته غَير مُبَرّر بالمطلق في ظل الواقع الجديد الذي يُحضّر للقضيه الوطنيه، فالضفه وغزة تُشكلان معاً الحد الأدنى من الجغرافيا للوطن المنشود، وبحر غزة ليس فقط سيكون فيه ميناء الدولة الفلسطينيه وبوابته للعالم الخارجي بل أيضا به من الثروات الطبيعيه من غاز وثروة سمكيه وغيرها ما يُشكّل الضمانه الإقتصاديه للدولة الفلسطينيه المستقبليه، في حين أساس الضفه الغربيه هي القدس بمكانتها الدينيه الإسلاميه-المسيحيه وهي اساس السياحه الدينيه التي ستدعم الإقتصاد، إن غزة مع الضفه وقُدسها ستحول الدولة الفلسطينيه لدولة مانحه إذا ما أُحسن إستغلالها إقتصاديا ولن نحتاج للتسول والعون من أحد، لذلك لا كيانيه فلسطينيه قادره أن تُشكل حاضنه حقيقيه للشعب الفلسطيني بدون الوحدة الكامله بين جناحي الوطن.
يقال أن رجال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أضاعوا روح رسالته وعالميتها لأنهم أصبحوا طوائف وأحزاب لا تعترف ببعضها وكلٌ منها يهاجم الآخر بدل أن يبحث عن نقاط الإلتقاء الكثيره، لقد إعتقد الكل أنه مُطلق التفكير ولديه مُطلق الحقيقه وأن الحاكميه الإلهيه له وحده، وفي الواقع الفلسطيني يتجلى ذلك بشكل واضح في السياسه والممارسه، فأصبح المُطلق اساس التفكير، وأصبحت الحقيقه حكراً على أصحاب القرار، ولم يَعدْ هناك مُتسع لدى أصحاب المُطلق لسماع أي فكرة تُخالف إعتقادهم أو أحلامهم، الغريب أن أصحاب من أسميناهم بـ "الفكر الظلامي" بدأوا يُفكرون بالآخر، بل غَيّروا سياستهم وأصدروا وثيقة تُقرّبنا وطنيا وسياسيا، بل أكثر من ذلك بدأوا بالبحث عن بدائل وحلول قد تكون خطيره على القضيه الفلسطينيه ولكنها الضرورة التي تفرض نفسها للخروج من مآزق كان لهم الدور الأساسي في خلقها وإستفحالها، في حين من دعا للوطنية الفلسطينيه وفَجّر الثورة الفلسطينيه المعاصره، وجاء بإتفاق "غزة-أريحا" أولاً، لا يسمع ولا يرى وبقي على مواقف أقل ما يُقال عنها أنها إرتجاليه وسريعه في ردّات فعلها وستُبعد الجغرافيا لصالح ما يُحاك ضد الوطن المتبقي المنشود كنتيجه لذلك.
الدول العربيه وعلى رأسها جمهورية مصر العربيه والمملكة الأردنيه الهاشميه ومعهما الجامعة العربيه حددت موقفها بالرابع من حزيران كحدود للدولة الفلسطينيه المستقبليه وعاصمتها القدس، بإعتباره أساس للسلام الشامل والعادل في المنطقه وهذا ما تم إبلاغ إدارة "ترامب" رسميا به، وهذا الموقف هو ما تنشُده القيادة الفلسطينيه وطالبت به، ولتحقيق ذلك مشوار طويل يبدأ أولا بإنهاء الإنقسام ومن خلال تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في القاهره والشاطيء ووثيقة الأسرى وبرعاية مصريه وأردنيه بالأساس، أما الهروب من خلال الهجوم على المحاولات لإحداث إنفراج معيشي وإنساني ما لسكان قطاع غزة وتحميله أكبر مما هو عليه فهو يأتي في سياسة المناكفات التي ستؤدي حتما لواقع خطير تترصد له السياسات المعاديه وعلى رأسها الأوهام التي تُحاول إدارة "ترامب" زرعها في عقل القيادة الفلسطينيه، وأكثر ما يمكن قوله عنها هو ما قاله أحد مهندسي إتفاق "أوسلو" "أوري سافير" الذي قال: " أن سياسة إدارة ترامب سوف تُجرب حظها في موضوع السلام الشرق أوسطي وعينها على تشكيل حلف عربي-إسرائيلي ضد داعش وإيران وتطبيع العلاقات العربية الإسرائيليه قبل أي سلام متوقع" وأضاف "إن إدارة ترامب سوف تصطدم بنتنياهو الذي يفضل شركائه في أحزاب اليمين على أي شريك فلسطيني".
الحقيقه أن إدارة "ترامب" تبحث بالأساس عن جلب المال لأمريكيا من الدول العربيه والتشبث بالحكم والبقاء في البيت الأبيض خاصة وأن هناك محاولات جديه تهدف لعزل "ترامب" عن الرئاسه وطرده من "البيت الأبيض"، وكل تحركاته بما يتعلق بمفهوم "صفقة القرن" أو "الصفقة التاريخيه" غير موجوده إلا في من يُصدّق الأوهام، فمن يريد السلام العادل والشامل لا يشترط وقف رواتب أسر الشهداء والأسرى ووقف ما يُسمى التحريض، لأن التوصل للسلام سيؤدي إلى وقف كل أشكال العداء ويُعيد الوضع الإنساني لطبيعته فيتم الإفراج عن جميع الأسرى ووقف التحريض الذي أساسه بقاء الإحتلال.
يقولون أن لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة، وعلى الأرض نفعل ما يؤدي إلى نفي مفهوم الدولة ككل، ليست الأحلام أوهام، ولكن سياسة أصحاب القرار تعتمد الوهم كحقيقه وحولّت الحقيقه لحلمٍ واهم وتمسكت بما سيحول الحق بعضاً من الوقت لوهم بعد أن كان حقيقه، لا مجال أمام القيادة الفلسطينيه ولا خَيار سوى العودة للواقعيه السياسيه وتنفيذ ما تم الإتفاق عليه وتجديد الشرعيات من خلال إجراء الإنتخابات العامه لكافة المؤسسات في منظمة التحرير وفي السلطه الوطنية، فالوطن للجميع وليس حكراً على أحد، ولا يستطيع أيٍ كان أن يدعي حرصه على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابله للتصرف ويبتعد في قراراته عن الشعب، والحقيقه الوطنيه لا تدخل مفهوم الإحتكار الحزبي أو الفردي، إنها حقيقة شعب يُريد أن يتحرر من الإحتلال ويرفض الفئويه المقيته ومفهوم التخوين اللفظي غير المُستند لقانون أو محاكمه عادله.
أيها المُغَيّبون الصامتون: البوصلة الوطنيه تائهة، وما يحكم القرارات المُتسرعه ردات فعل نابعه من تخوفات أكثر منها واقع، ومن يُريد وطناً واحداً عليه أن يرى بعيونكم أنتم وأن يفعل ما أنتم صامتون عليه وعنه، ولا سبيل لذلك سوى بالشراكه والإتفاق والإبتعاد عن الفرديه المقيته ومُطلق الفكرة والقرار، فالوطن الفلسطيني أكبر من الأبواتِ والقياداتِ وأحزابها.