نشر بتاريخ: 08/07/2017 ( آخر تحديث: 08/07/2017 الساعة: 20:18 )
الكاتب: عبد اللطيف مهنا
درج المحتلون في الكيان الغاصب لفلسطين المحتلة على تقسيم أنفسهم بين صهاينة علمانيين وصهاينة متدينين، أو "حريديم". هذا التقسيم رافق كيانهم منذ قيامه، والصراع بين طرفيه، إن جاز تسميته صراعاً، رافق وجوده وسيظل ما دام موجوداً، بيد أنه لا يتجاوز الخلافات حول وجوب تطبيقات بعض الشرائع التلمودية مجتمعياً من عدمه، كالتقيد بتحريم العمل يوم السبت، ومسألة الخدمة في الجيش، أو حصة المدارس الدينية في الموازنة العامة، إلى ما هنالك من مسائل لا تمس من قريب أو بعيد أسس واستهدافات الاستراتيجية الاستعمارية الاستيطانية التي على أساسها تم غزو فلسطين واغتصابها وتشريد أهلها،...لا تمس، على سبيل المثال، اجماعهم على الرفض المطلق لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارههم التي شردوا منها.
في الطرف الأول صهاينة "قوميون"، رغم أنهم جاءوا من أكثر من سبعين بلداً وأعراقهم وثقافاتهم بعدد هذه البلدان، والجميع في عدوانيتهم لا يختلفون عن كبير الحاخامين الشرقيين الراحل عوفاديا يوسف، الأب الروحي لحزب شاس الديني...صاحب الفتوى القائلة بأن العرب مجرَّد "صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعاً"، وإن "اليهودي عندما يقتل مسلماً فكأنما قتل ثعباناً أو دودة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاً من الثعبان والدودة خطر على البشر، لهذا فإن التخلُّص من المسلمين مثل التخلُّص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث"... وتخيلوا جدلاً لو أن مثل هذا الكلام قد صدر عن شيخ الأزهر، أو حتى مطلق إمام مسجد، بحقهم، ما الذي سوف تكون عليه ردود فعل هذا العالم المتصهين؟!
من أمثال الحاخام يمكن ذكر أسماء من الطرف الآخر كوزير الحرب افيغدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، ونفتالي بينت زعيم حزب "البيت اليهودي"، وصولاً لنتنياهو و"الليكود"، وحتى "المعتدلة" تسيبي ليفني، وكلهم إن هم لا يستخدمون لغته، فهم لا يختلفون معه على مضامينها.
ما ينطبق على العلماني والمتديِّن ينسحب على من يُصنَّف يساراً أو يميناً في المستوى السياسي. كل التقسيمات التي مر ذكرها لا تختلف في عدوانيتها التي هي سمة ملازمة لطبيعة كيانهم الاستعماري الاستيطاني القائم على نفي أصحاب الأرض والحلول محلهم. لذا لا من مشكلة ولا من همٍّ لديهم، لا سيَّما بعد وصول النظام العربي إلى راهنه المقيت، إلا ثلاث مسائل: الأولى، اغتنام فرص هذا الراهن، الذي سَهُل فيه اختراق النظم، لاختراق المجتمعات العربية والتطبيع معها، بما يعني شطب مركزية القضية الفلسطينية والذي يعني تصفيتها. والثانية، تجريم ثقافة المقاومة بتوصيفها ارهاباً، لأنها وحدها الصائنة لهذه القضية، والمؤسف المخجل أن في راهن الواقع العربي والدولي "فاجر" التواطوء ما يبدو أنه يسهِّل لهم مبتغاهم. والثالثة، الديموغرافيا الفلسطينية الجاثمة على صدورهم وليس سهلاً عليهم التخلُّص منها...في مقال سابق نقلنا عنهم أنها "اشد خطراً من القنبلة النووية الإيرانية"!
من آخر الأمثلة على الاختراقات التطبيعية ملتقى تم في جزيرة رودس اليونانية بين يهود تصهينوا من أصل ليبي وعرب ليبيين تصهينوا إثر تدمير الناتو لليبيا. الكاتبة والمحامية الهولندية من أصل ليبي وفاء البو عيسى المشاركة فيه، والتي نشرت على صفحتها على الفيس بوك وقائعه وسمَّت بعض من حضر، عددت من بين الليبيين عمر القويري وزير الثقافة في "الحكومة المؤقتة"، ومحمد التريكي، الذي وصفته ممثلاً ل"حكومة الإنقاذ"، ومن بين من ترأس الطرف المقابل أيّوب قرا عضو الليكود وأحد نوابه في الكنيست ووزير الاتصالات في حكومة نتنياهو وجنرال لم يرد اسمه، والأدهى أنها نقلت عن التريكي تحدثه عن وجوب "تعويض" يهود ليبيا الذين غادروا وطنهم الأصلي ليحلوا محل الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم!
بالنسبة لثقافة المقاومة، فلكونها النقيض لثقافة الهزيمة، وقضايا الأمة لا تتجزأ، والقضية الفلسطينية قضية قضاياها وتظل المركزية بالنسبة لها، فإن هذه المقاومة هي عربية أولاً وأخيراً، لكنما برأس حربة فلسطينية مهمتها لا تعدو ادامة الاشتباك مع عدو الأمة، التي هي وحدها من يحرر وليست مهمة الفلسطينيين ولا بمقدورهم القيام بها وحدهم...لذا فإن المقاومة، أو الحروب الشعبية متعددة الأوجه كبديل للنظامية، أو الرسمية التي باتت في حكم غير المنتظرة، هي وحدها ما يراه المحتلون الصهاينة مهدداً فعلاً لوجودهم الطارئ المصطنع، لاسيما وأنهم لم ينتصروا في أي حرب شنوها على المقاومة في العقدين الأخيرين، لا في لبنان ولا في غزة، الأمر الذي اعترف به وزير الحرب ليبرمان في مؤتمر هرتسيليا وتعرَّضنا له في مقالنا السابق.
وعليه، نجد ليبرمان ما سواه يؤكد مرتين خلال مدة تقل عن أسبوعين، أنهم ليسوا في وارد شن حرب على سورية وحزب الله شمالاً ولا ضد المقاومة الفلسطينية في غزة جنوباً، وكان اعلامهم قد أكثر من الحديث عن ما دعاه أسوأ السيناريوهات المتمثلة في مواجهة حربين تندلعان على هاتين الجبهتين في آن، وبات شغله الشاغل ترسانة حزب الله الصاروخية المتطورة وأنظمة طائراته بدون طيار، واستراتيجية الأنفاق في قطاع غزة التي جعلت من القطاع قطاعين، فوق الأرض وتحته...لذا يركزون الآن على جبهتي حرب لعلهما الأخطر، وهما: محاولة الإختراقات التطبيعية لجسد الأمة، واستهداف ثقافة المقاومة بتوصيفها ارهاباً.