نشر بتاريخ: 16/07/2017 ( آخر تحديث: 16/07/2017 الساعة: 18:29 )
الكاتب: تحسين يقين
- ماذا يعني تضمين مؤسسات التعليم العالي في فلسطين النوع الاجتماعي في أقسام وكليات الإعلام؟
- ماذا نعني بالنوع الاجتماعي!؟
التربية الإعلامية؟ تربية ومعارف، او التربية على المعارف والسلوك لطلبة الإعلام في التعليم العالي، بحيث يكون أكثر فعالية وتركيز في التغطية الإعلامية الحساسة للموضوع ذي الصلة. ويمكن أن نبذر بذوره في التعليم العام.
في كل مرة نتوجه فيها إلى الرأي العام فيما يخص النوع الاجتماعي-الجندر، نجد أنفسنا معنيين بالتعريف، وهذا بحد ذاته يعيدنا للتفكير من جديد في أفضل الطرق للتوضيح والتوعية، وبالتالي في إعادة توطين المفهوم العالمي عربيا وفلسطينيا، خصوصا أننا شاركنا العالم في بلورة هذه المفاهيم، حيث أن استقراء التراث الحضاري العربي من جانب، واستقراء التاريخ الاجتماعي الفلسطيني الحديث، يدلنا أننا كنا ضمن نظم فيها الحد المعقول من العدالة، إضافة إلى أن الاتجاهات العامة الرسمية والشعبية في مرحلة التحرر لم تشكل إعاقة أمام المشروع التنويري اجتماعيا، أي في مجال العلاقة بين الرجل-والمرأة، وإن لم يستمر ذلك بالتسارع نفس للأسف الشديد، نتيجة ظروف ذاتية وموضوعية أعادتنا إلى الوراء، حيث على مدار نصف قرن والمجتمع العربي يرجع إلى الوراء تحت تأثير الصدمات السياسية والعسكرية، من باب وهم الخلاص، حتى وصلنا اليوم عربيا بشكل عام إلى مرحلة امتزجت فيها المأساة بالسخرية.
ماذا نعني أصلا بالنوع الاجتماعي غير العدالة، وغير شراكة كلا الرجل والمرأة في تنشئة الأطفال والعمل المنزلي، بحيث يكونا كلاهما في حالة من الأريحية اثناء العمل خارج المنزل، حيث سيجد كلاهما وقتا وفضاء للعمل العام، ثقافيا وسياسيا. أي أن المشاركة في البيت، ستسّهل العمل خارجه، وستمنح الاثنين معا مجالا للعب أدوار اجتماعية وسياسية تطوعية وثقافية، بحيث يتكامل الانتماء للأسرة والانتماء للمجتمع-الوطن. والإنسان-كمواطن هو نتاج تكوين معين في سياقات معينة لا تدوم على حال، وهي متغيرة حتى في المكان الواحد والزمان الواحد. فلم يخلق الإنسان، رجلا كان أو امرأة محددا بعمل محدد، إلا ما حدد المجتمع لهما.
ذلك هو ببساطة مفهوم النوع الاجتماعي وأدواره، التي تثير لغطا وجدلا لا مبرر له، مما يحد من الاستجابة للحاجات الاستراتيجية للنوع الاجتماعي، ويجعلنا مكتفين بالحاجات العملية.
نعود إلى ما بدأنا به؛ لماذا؟ لماذا الاعلام والنوع الاجتماعي؟
مقصد الإعلام الملتزم هو المجتمع، العدالة والمساواة، التحرر والنماء، والرفاهية. وكل هدف له ما نقيسه، وله مؤشرات تحقق، وما ظل بحاجة لتحقق، وهكذا. والنوع الاجتماعي كأداة وهدف، هو أحد مداخل ومنطلقات النظرة تجاه المجتمع والمساءلة عليها، في التقارير والتحقيقات الصحافية.
لذلك، أزعم أن تضمين معاهدنا وجامعاتنا للنوع الاجتماعي في كليات الإعلام والصحافة، سيكسب الطلبة، كإعلاميين/ات متدربين، منظورا مهما، في رؤية المجتمع، وما يسود فيه من علاقات قوة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، بحيث يجد الإعلامي/ة نفسه ملتزما تجاه الفئات الأقل حظا من الحصول على حقوقها القانونية والإنسانية.
منظور النوع الاجتماعي سيكون مهما واستراتيجيا في عمليات التغيير، خصوصا أننا في فلسطين أصلا ما زلنا نمرّ في مراحل تحول على مختلف الصعد، أثرت عميقا في الأفراد والجماعات، بل وفي نفوسنا ودواخلنا، وفي تفاصيل عيشنا معا. وحتى نخلص من التناقضات والتتوترات، ونتجنب النزاعات، ستكون التربية الإعلامية على العدالة والمساواة وسيلة قوية تهدف للحماية والعلاج والوقاية، خصوصا ان فئة الاعلاميين/ات هي الأكثر حضورا واتصالا مع الشعب.
هو إذن مدخل من مداخل ليس الارتقاء بفكر ومهارات طلبة الإعلام في فلسطين، بل وبفكر ومهارت زملائهم وزملاتهم العاملين/ات في المؤؤسات الإعلامية؛ كونه يبقى كتابا فكريا يشكل أحد أهم مصادر التكوين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للإعلاميين، من خلال منظور مفهوم وأدوار وحاجات وطموحات النوع الاجتماعي.
وهو، أي المساق-الكتاب-المرجع، ثمرة جهد فلسطيني فكري وإعلامي، جمع المتخصصين/ات في الموضوع، أي الإعلام والنوع الاجتماعي معا، أشرف عليه ونسقه مركز الاعلام في جامعة بيرزيت، بدعم من وكالة التنمية السويدية ومؤسسة هنريخ بول الألمانية، قدمت له الزميلة ناهد أبو طعيمة، مبينة فيه المنطلقات والبناء على القضايا ذات الصلة في الإعلام في عمله وعلاقاته ومواضيعه واتجاهاته من جهة، ورصد وفهم نقدي للعلاقات السائدة داخل المؤسسات الإعلامية نفسها كون الاعلاميون/ات هو مفاتيح الاتصال والتغيير، فلا بد من العدالة وتضمين أمين للنوع الاجتماعي في المؤسسات أولا. فكان لا بد وفقا لها من التخلص من الصور النمطية السائدة، باتجاهات مستقبلية نرضى عليها.
ابتدأ المساق بفصل تأسيس القراء-الطلبة فكريا في مجال الفكر النسوي والنوع الاجتماعي والواقع الإعلامي فلسطينيا وعربيا، حتى يدرك الطلبة على أية أرض يقفون، ويقفن، كون التاريخ الفكري هنا ضرورة لفهم ما جرى ويجري وما ينبغي أن يكون، تلاه فصل تعميم النوع الاجتماعي عبر رصد النساء في الإعلام، وإشكاليات الرقابة، والعنف المبني على النوع الاجتماعي، حيث ستكون الفرصة هنا مهيأة للتعرف الواعي على فجوات النوع الاجتماعي الخاصة بالإعلام. أما الفصل الأخير فكان تفصيلا للتربية الإعلامية كمخرج من إعادة إنتاج التمييز؛ من خلال مباحث نقدية بدءا بوصف العماء الجندري في التغطيات الصحافية، ونقد الصور النمطية، ونقد واقع الإعلانات، وعرض للحقوق، تأسيسا لتغطية حساسة، وكتابة صديقة لقضايا النوع الاجتماعي، وربطها أخيرا بمنظومة حقوقية.
لقد تم بناء فصول ومباحث المساق داخل الفصول نفسها إبداعيا، تساهم في أسلوب التعلم والتعليم بشكل متدرج ومنطقي، يضع الطلبة كمخرجات في موقع المتأثرين/ات من أجل تضمين المفاهيم في تدريباتهم/ن اليومية، مما يؤسس لجيل اعلامي حساس فعلا للنوع الاجتماعي بشكل بنيوي لا موسمي.
جميل أن تبادر جامعة تنويرية، ممثلة بمركز إعلامي حيوي نشط وعصري لهكذا مبادرة، والأجمل هو هذا التعاون الفكري-المهني، لتتابع جامعاتنا دورها في الارتقاء بالطلبة والمجتمع؛ فلا يمكن تحقيق اختراق سياسي وفكري بمعزل عن الاختراق الاجتماعي.
مثّل النوع الاجتماعي انطلاقة هامة للفكر الإنساني كونه يتجاوز المفهوم التقليدي للتعامل في قضايا النساء إلى مجالات رحبة من العدالة والمساواة، تستهدف تجسير الفجوات، عبر تلبية استحقاقات الرقم الإحصائي وصولا لتتحقيق مؤشرات دالة ذات فرق.
من هنا، سيكون تناول الخريجين لظاهرة مقلقة كالعنف مثلا تناولا عميقا، لا سطحيا، وسنؤسس لشراكة إعلامية واعية مع المجتمع المدني والمتخصصين/ات في قضايا الجندر والمرأة.
هو مدخل من مداخل الارتقاء بفكر ومهارات طلبة الإعلام في فلسطين، والعالم العربي أيضا؛ عبر الاتصال بالإدارة المختصة في جامعة الدول العربية، لكي يصار إلى تعميم مثل هذا المساق، من خلال مراعاة الخصوصيات القطرية من أرقام وتاريخ خاص اجتماعي وسياسي.
[email protected] تم استلهام العنوان من نظرية دي سوسير عالم اللغويات الشهير، الذي أشار إلى أن من منطلقات البحث في اللغة، هو اللغة بذاتها كونها أداة التواصل؛ لذلك فإن الاهتمام بتضمين النوع الاجتماعي في بنية المؤسسات الإعلامية يمأسس ويقوي تضمين هذا المفهوم في الرسالة الإعلامية، من ذلك تقرير مركز الإعلام في جامعة بيرزيت حول حساسية المركز نفسه للنوع الاجتماعي.