نشر بتاريخ: 18/07/2017 ( آخر تحديث: 18/07/2017 الساعة: 16:53 )
الكاتب: هبة العزة
أخي الذي يمضي بعامه الخامس عشر خلف زنازين القهر والسجان، قد اقتربت ساعات الحرية، ولم اتخيل أن هذه آخر أيام تمضيها تودع حياتك في الأسر، ستكون أطول من تلك السنوات الطويلة التي قضيتها بين حائط لا يسمع سوى صدى صوت صرخات زملائك خلف قضبان القهر، فهذه الأيام بل الساعات لا تتخيل طيلة انتظارنا الساعة الثانية عشر منتصف الليل كي ينتقص من حساباتنا للأيام يوم شقاء يوم يودعنا عذاب الانتظار وعذاب الاشتياق وعذاب يغفله من لم يذق مرارة الغياب والعتاب.
حين بدأنا نشعر بأن انتظارك بات أقرب بكثير مما مضى من نصف عمري على غيابك، حينها بدأنا نفكر بكل التفاصيل التي تخصك، وأصبحنا نفكر كيف سيكون استقبالك لائقاَ، وكيف سيقدر لك الجميع تضحيتك من أجل وطن مسلوب ومجهول، نود أن نخطط كيف سنلقاك براية النصر على حافة بوابة على رأسها أحمر الذل وأخضر السلام والحرية، سنتوقف جميعاً نترقبها لحظات ستكون أطول من كل السنين التي قضيتها مأسور، وكأن كل شريط أسرك سيعيد لذاكرة مجدها ونحن ننتظرك.
أخي في الآونة الأخيرة، شاركناك كلماتٍ قد غردت سماء المخيم تهليلاً بلقائك، وقد رُفعت الأعلام عالياً تعانق السماء شامخةً كاستقامتك، وبيضنا حارتك كي تبيض حياتك يوم الحرية، وليعم السلام عليك وعلى أحبائك المتشوقون لرؤيتك، بت أخطط كيف سأزفك بالورد من لحظة ما ستدوس قدمك أرض المخيم، حين سيهتف الرجال باعتزازهم بك.
كلما جلسنا نفكر سوياً نختلف، اتعلم لماذا؟ ولا اعلم إن كان اختلافنا هو معاناة كل أسير يخرج من الأسر!! وهو الراية!! اختلفنا على تقبل أفكارك التي تتبناها داخل الأسر، اختلفنا على فصيلك التي تنتمي إليه! لا اعلم إن كان من حقنا أن نكون الرافضين لانتمائك الوطني! واعلم أن كل هذه التفاصيل باتت قنبلة موقوتة بيننا! اعلم أن انشغالك بهذه اللحظات لا تتجاوز أكثر من التفكير باللحظة التي ستنظر إلى يديك ولا تجد قيد، وحين ستمشي أول خطوة حراَ وتلتفت خلفك كي تتأكد بأنك حر! هذا ما يثير انشغالك، اعلم أن كل هذه التفاصيل القنبلة الموقوتة قد غابت عنك ولا يجد في عقلك متسع بالانشغال بها، لأن تعطل بك الزمن بقرابة الخامسة عشر عاماً ولم تدرك خلافاتنا، ولا اعلم إن كان يجب أن ننشغل لهذه الدرجة بكل هذه التفاصيل، لكن اعلم أننا في زمن بتنا نخاف عليك من وطن تغيرت ملامح خارطته، ومن وطن مأسور ومسلوب ومجهول جاري البحث عنه، عن وطن بات يتكلمون عليه بالكتب، حكاية جميلة وأرض خضراء وبحر واسع جميل وشاطيء وشجر شامخ، ولكن لا اعلم إن كانت مجرد حكاية أم هناك حقيقة لهذا الوطن الجميل، اعذرني يا أخي لا استطع أن اقل لك لما اختلفنا، فحين ستخرج ستجد ما يصدمك، فالزمن الذي تركتنا به توقف منذ 15 عام لديك، ونحن المأسورين الذي ندعي أننا نمتلك الحرية قد مر علينا 15 عام لا أعلم كيف، لكن نتذكر تفاصيله، وعشنا تفاصيله بمدة 15 عام، وغداً حين ستعود لن استطع أن أقول لك تفاصيل 15 عام بيوم واحد ، كيف سأعوض لك ما فات، فخلافنا ليس خوفاً عليك أكثر من خوفنا على أنفسنا، فلم تعد الحرية تحترم إلى حد القول، ولم تعد الحرية نمتلكها إلى حد الجرأة، كل شيء بات مهموساً إلى درجة بت لا اسمع همساتي، فأصواتنا لم تعد لنا، فكلها رحلت كما رحل والدك دون أن تودعه، فاعذرني إن لم استطع أن ألبي كل رغباتك، فالحياة لم تعد لي وحدي، فحياتي باتت بيد الغرباء سرقوا بها كرامتي ومجدي وصوتي وحتى حريتك قنبلة موقوتة لغيري.
السنين رحلت والأيام زائلة واللحظات ستأتي والفرج قريب، كل ما اختلفنا عليه لم يكن يعنيني منه غير اللحظة التي ساحتضنك بها، لحظة حين سأصرخ وأنا ارتجف لملامستك، حين ستنهمر عيوني بالدموع وتتسابق مغردة بالفرحة عند رؤيتك، متشوق لدقات قلبي كيف ستكون أسرع من خطواتي التي سأشعر أنها بطيئة إلى درجة الثبات حين سأركض إليك، هذه التفاصيل تهمني اكثر من كل خلافاتنا السياسية.
ولكي أشعر بكل تلك اللحظات التي رسمتها بمخيلتي، وجدت أن الوحدة الوطنية خير خيار سيجمعنا حين لقاك، فتلك الفصائل لم تكن يوماَ هوية وطنية نفتخر بها، بل كان فكراً ووسيلة غايته بالنهاية يجتمع على تحرير فلسطين مهما كانت شدة اختلافاته، فالعلم الفلسطيني هو خيارنا لنكون متوحدين بداخلنا، ولكن سعدت كثيراً بأبناء المخيم فهم لم يتركوك وحيداً، فهم لم يكترثوا بانتمائك السياسي، ووضعوه جانباَ، وقالوا هذا هو ابن فلسطين ابن المخيم ابن المقاومة التي تعطر على أرض معركة المخيم ولم يتردد بأن يلبي نداء فلسطين، نداء الوطن الذي توحدت رايته بعلم الشموخ والحرية ، واجتمعت كل فصائله وقررت أن يصبح يوم حريتك هو عرساً وطنياً تتوحد فيه جميع الرايات، بعودتك! سيتحقق التئام وجعاً لم يقوى أي أحد حراً على التئامه في غيابك، وانت ما زلت بالأسر أشرقت قلوب فصائلنا مودة ومحبة رغبةً بالتسابق على رفع راية تجمعنا بالهدف الوحيد الذي من أجله أسرنا واستشهدنا وقهرنا وبتنا مشتتين هنا وبالخارج من أجله، وهو من أجل فلسطين الحرية، لم يعد الخوف يسيطر عليّ، علمت يا أخي كم تمتلك من محبة لم اتخيلها من قبل، علمت أن غيابك في 15 عام كان الحاضر بقلوب الجميع، ولم يفارقنا، وأن المخيمات المشتتة والمقهورة على قراها المهجرة والمرهونة في يد الاحتلال لن تشتت قلوبنا ولن تأسرنا في يد عدونا ولا يد أحد أراد أن يفرق شعبنا، فحريتك لم تعد قنبلة موقوتة اترقبها من أجلك بل باتت قنبلة موقوتة سيترقبها الجميع والمحتل كي يعلم أن من المخيم ستخرج وحدتنا الوطنية وأن الشعب حين يريد أن يتوحد سيكون قنبلة موقوتة بوجه كل من يرفض الحرية.