نشر بتاريخ: 22/07/2017 ( آخر تحديث: 22/07/2017 الساعة: 13:24 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
أنا واحد من الذين تابعوا منذ منتصف السبعينيات الحركة المسرحية في بلادنا وما زلت متابعا ومهتما بكل ما ينتج سينمائيا وتلفزيونيا من دراما وأعمال تندرج في اطار "الكوميديا".
حيث أن اهتمامي بالمحلي الفلسطيني، لم يشغلني عن متابعة النتاجات الفنية العربية بخاصة المصرية و السورية و الأردنية و المغاربية و الخليجية، الأمر الذي يفتح أمامي افاق المقارنة و المقاربة، لتحديد اين نحن، من عالمنا العربي، دون أن أحشر نفسي في مربع الإقليمية الضيقة، على اعتبار أن ما ينتج في أي قطر عربي ، يفترض ان يكون تعبيراَ عن ثقافة عربية شمولية، من المفروض الا تسلم بالتقسيمات القسرية المفروضة.
في رمضان هذا العام، لفتني النهوض الدرامي اللبناني بموضوعاته الجديدة و تقنياته العالية، و كوادره الفنية، لا سيما على مستوى التمثيل و الإخراج، لا ستنتج ان الدراما اللبنانية مبشرة و قادمة بقوه.
أما فيما يخص الدراما السورية فقد اجتهدت للتسامي على المعاناة و عدم التسليم لمأساوية استهداف الوطن، باستثناء "باب الحارة" الذي يصيبه في كل عام التكرار و " المط" في مقتل، و مع ذلك يصر الذين انتشوا بنتاجاتهم الأولى، على بعث المسلسل من بين الأنقاض من نسخ جديدة يغلب عليها التصنع و الصنعة، بدل أن يوظفوا الطاقات العظيمة للمثلين السوريين في المتابعة الدرامية لكثير من المستجدات و التحديات التي تهدد حاضر و مستقبل دولة قال فيها التاريخ كلمته المنصفة منذ مئات بل الاف السنين .
أما "وطن على وتر" الذي أنتج هذا العام في الأردن، مازجاَ بين النكهتين الفلسطينية الأردنية و هما في الأساس نكهتان فيهما كثير من التشابه بفعل التاريخ و الجغرافيا و التكوين النفسي و الثقافي، فقد لاحظت تطويراَ في التجربة، بحيث أنني لا أبالغ اذا قلت ان "وطن على وتر" أرتفع كوميدياَ لينافس في الصف الأول على المستوى عربي، من حيث الموضوع، المعالجة، الأداء، تلقائية الممثلين، و السهل الممتنع في تجسيد المواقف و التعبير عنها، ببعد نقدي، يصيب الظاهرة، دون المساس بالأخرين أو التطاول عليهم.
النقد الاجتماعي من خلال الكوميديا في العصر الراهن، هو من أخطر أنواع النقد، ومن أشدها تأثيراَ.
استحقت، و فرحت بالفنان عماد فراجين الذي يكد و يتعب من اجل تطوير موهبته و تغذيتها و اثرائها بخبرات و تقنيات جديدة، ففي أعماق هذا الشاب الطموح تتفتق موهبة كبيرة، محروسة بذكائه و فطريته و تلقائية، فعندما يمثل لا يجد نفسه عن التمثيل ، بل يطلق العنان لموهبته لكي تتعرف متحررة من قرار التمثيل، الذي ينحط الموهبة و يفرطها و يغير بسجيتها.
تفوق " الفراجين" على نفسه اداءً و تقمصاً و اندماجاً في الشخصية، فأكد لنا اننا أمام ممثل كبير لا تقل موهبته عن رموز الصف الأول في التجربة الكوميدية العربية بشكل عام. وقد تنسحب جوانب كثيرة من توصيفي على الممثلة الفلسطينية "منال عوض" ، فهي فنانة موهوبة ، تتمتع بقدرات كبيرة ليجسد الاثنان "ثنائياً فنياً" رائعاً.
لا يهمني سؤال لماذا مثل الفراجين و فريقه بالأردن، و لم يقدما عملاً هذا العام في فلسطين، فأنا شخصياً أرى في التمثيل في الأردن كما هو في فلسطين، فالطبيعي أن يتنقل الممثل العربي في كل البلدان- وطنه، كما تحتضن مصر الفنانين السورين و المغاربة و الخليجين، اللذين من حقهم أن يلقوا الرعاية و من حق مصر عليهم في المقابل أن يسهموا في رفض تجربتها الفنية بطاقات جديدة، في تكامل عربي ينبغي أن يكون حاضراً باستمرار .
فضائية "رؤيا" وفرت كل مقومات نجاح تجربة وطن على وتر، و هذا يحسب لها، أما فريق العمل فقد كان جديراً بالاحتضان و الاحتفاء، مبرهنين أنهم لا يسعون الى النجاح العادي بل الى التفوق و قد تفوقوا.