نشر بتاريخ: 24/07/2017 ( آخر تحديث: 25/07/2017 الساعة: 11:33 )
الكاتب: احمد سكر
ينظم عمل الهيئات المحلية في فلسطين إطار قانوني تداخلت في تشكيله عوامل عدة نشأت عن موروث قانوني كان نتاج مختلف الحقب التي مرت بها فلسطين، إضافة إلى العوامل التي عملت على إعادة صياغة هذا الإطار القانوني بعد توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993، وما تمخض عنها من خلق اختصاصات وظيفية للسلطة الوطنية تجاه المواطن الفلسطيني حيث نصت المادة (85) من القانون الأساسي المعدل لعام 2003 على "تنظيم البلاد بقانون في وحدات إدارية محلية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، ويكون لكل وحدة منها مجلس منتخب انتخاباً مباشراً، ويعد قانون الهيئات المحلية الفلسطينية الصادر عام 1997 الإطار القانوني الناظم لعمل الهيئات المحلية في فلسطين، حيث يعمل هذا القانون على تنظيم علاقة الهيئات المحلية بوزارة الحكم المحلي، وعلاقة الهيئات المحلية مع بعضها البعض.
تتوزع الهيئات المحلية الفلسطينية على (416) هيئة محلية وتنقسم الى مجالس بلدية ومجالس قروية بحيث يوجد في فلسطين (141) بلدية و(275) مجلس قروي وبالأرقام وبحسب تعداد السكان الفلسطينيين وإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فان البلديات تقدم الخدمة لنحو أثنين مليون وثمانمائة ألف نسمة وتقدم المجالس القروية الخدمة لنحو مليون وأربعمائة ألف نسمة وما تبقى نحو ستمائة وخمسون الف نسمة تقدم الخدمة لها من خلال لجان المخيمات.
تتم متابعة عمل الهيئات المحلية الفلسطينية عبر هيكلية لا مركزية مرتبطة بوزارة الحكم المحلي والتي تعتبر من اهم وزارات السلطة الوطنية الفلسطينية والتي تأسست من اجل تطوير نظم الحكم المحلي وتحقيق التنمية المستدامة ووضع السياسات الهادفة الى ترسيخ مفهوم الحكم المحلي واللامركزية وبناء قدرات مؤسسات الحكم المحلي لتتلاءم مع الأهداف المتمثلة في إعداد الخطط التنموية ورفع مستوى الخدمات في كافة الهيئات المحلية وتطوير أدائها وتوفير كافة السبل والإمكانيات لزيادة الموارد الذاتية من اجل تنفيذ المشاريع والقيام بواجبها وعملها بأكمل وجه، وتعمل وزارة الحكم المحلي من خلال الهيئات المحلية وتقدم تدخلات مباشرة في العديد من القطاعات المهمة سواء كانت على الجانب الخدماتي او التنموي وتلامس كل احتياجات المواطن في مجالات التعليم والصحة والبيئة والزراعة والاقتصاد وجوانب التنمية المحلية المتعددة عدا عن الدور الاجتماعي الذي تؤديه الهيئات المحلية واهتمامات اخرى لها علاقة بأمن المواطن وتعزيز السلم الاهلي والدفاع عن الاراضي أمام مخططات التهويد الاسرائيلية والانتهاكات بحق المواطنين الفلسطينيين والتي تتم بشكل يومي.
وبالنظر الى حجم اهتمامات وزارة الحكم المحلي والمسؤولية الملقاة عليها والمهمات المطلوبة من الهيئات المحلية والمجالس القروية تحديداً فان ذلك يحتاج الى اعادة النظر لواقع المجالس القروية بشكل خاص امام متطلبات العمل والمتابعة والتي لا تقل شأناً عن البلديات التي تتوفر فيها طواقم العمل الادارية والفنية لمتابعة اعمال البلدية وحل القضايا والمشاكل المختلفة التي تواجه العمل، وكذلك فان فرص التمويل متاحة بشكل اكبر للبلديات عن المجالس القروية بالإضافة أن البلديات تتوفر لديها مصادر دخل متنوعة من خلال فرص جباية الرسوم والضرائب وغيرها من الموارد، ناهيك عن وجود صندوق خاص لتطوير وإقراض البلديات ولا يخدم هذا الصندوق المجالس القروية إلا من خلال بعض البرامج الصغيرة والمحدودة جداً.
ان طبيعة المهام الموكلة للمجالس القروية لا تختلف شيئاً عن البلديات بل هي ذات المهام التي تتطلب توفر طواقم العمل من موظفين اداريين وفنيين وتتطلب وجود تفرغ لرئيس المجلس القروي مثل رئيس البلدية، كما ان القانون الذي يحكم عمل البلديات هو ذاته يحكم عمل المجالس القروية، وان كانت هذه المجالس والبلديات قد حملت منذ نشأتها صفة التطوع وهي واقع يتجسد في كل هيئة محلية تقدم خدماتها للمواطنين ولكن توفير البيئة والمناخ والاحتياجات اللازمة لعملها هو ضرورة تستحق ان يتم اعادة النظر فيها لتجسيد واقع مؤسسي مهني يلبي حاجة العمل والمهام الموكلة لهذه الهيئات، كما ان هذه الهيئات وتحديداً المجالس القروية بحاجة الى تعزيز هيبتها من خلال اقتراح جملة من اللوائح والقوانين والإجراءات التي تساعدها في اداء عملها ومهامها وتفرض سلطتها بشكل فعلي على أرض الواقع وهناك الكثير من الامثلة التي ساهمت في التقليل من هيبة هذه المجالس نتيجة عدم تطبيق القوانين او حتى نتيجة لعدم وجود قوانين تساعد المجالس في أداء عملها.
وبالرجوع الى الارقام فان نحو مليون وأربعمائة ألف نسمة تقدم لهم الخدمات من خلال (275) مجلس قروي ويتشابه الواقع في جميع المجالس القروية من حيث ضعف البناء المؤسسي وعدم توفر طواقم العمل وعدم تفرغ رئيس الهيئة ونقص الموارد المالية ونقص المشاريع التطويرية برغم كل ما تبذله وزارة الحكم المحلي في سبيل تلبية الاحتياجات المختلفة لهذه المجالس وتقدم الدعم والمساندة لها عبر موازنتها وعبر الشراكة مع العديد من الممولين لتنفيذ المشاريع المختلفة، وتطوير بعض البرامج والمشاريع لصالح بناء قدرات المجالس القروية وتقديم الدعم والمساندة لتطوير الخطط التنموية الاستراتيجية ولكن في ذات الوقت لا يمكن الاعتماد على هذه البرامج والمشاريع في خلق الاستدامة لان غالبية الخطط التنموية التي تم اعدادها للمجالس القروية اصطدمت بالعقبة المالية والإدارية التي لم تتحقق في كثير من المجالس.
ولقد سعت وزارة الحكم المحلي لتجاوز هذه المشكلة واتجهت لسياسة دمج الهيئات المحلية بحيث يتم دمج مجموعة من المجالس القروية في بلدية مشتركة وقد اختلف في هذه السياسة ما بين مرحب ومعارض وصـلت لحـد الاعتصام والاحتجاجات والمظاهرات ويعود ذلك للعديد من العقبات التنظيمية والقانونية والاجتماعية والسياسية حيث انه لا يوجد في قانون الهيئات المحلية أي نص يتعلق بدمج الهيئات المحلية وما تم هو وضع نظـام لاحق من مجلس الوزراء لتنظيم بعض الجوانب، لكن هذا النظام فيـه كثيـر مـن الثغـرات والنواقص، وبقي تنظيم العملية القانونية مبنياً على تفسيرات من وزارة الحكم المحلي وقرارات تكون مبنية على ردود أفعال في كثير من الأحوال.
كما انه لا يمكن تجاهل عقبة الاحتلال الاسرائيلي من خلال سيطرته على الارض حيث يمثل ذلك تحديا كبيراً نتيجة لسياسات الاحتلال المتمثلة بمصادرة الاراضي وبناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري وسيطرته بشكل مباشر على ما يزيد من 63.9% من مناطق الضفة الغربية والتي تصنف كمواقع (ج) بحسب اتفاقية اوسلو، كل هذه الامور فرضت وقائع جديدة على الارض وأدت المستوطنات الى عزل القرى والبلدات الفلسطينية عن بعضها البعض وبالتالي يصعب التخطيط والتنظيم المشترك ويقطع امكانية التواصل ما بين القرى والتجمعات الفلسطينية بالإضافة انه لا يوجد سيادة على الأرض تتيح استخدام الاراضي بدون موافقة الاحتلال الاسرائيلي.
بالإضافة الى ذلك لا يمكن تجاهل وجود عقبات لها علاقة بالجغرافيا والتاريخ والثقافة وتنظيم العملية الانتخابية ناهيك عن وجود عقبة ادارية حيث ان الواقـع علـى الارض يحتاج الى تنسيق كبير بين مختلف القطاعات، وهذا ما يتعارض مع واقع الحال.
وهنا لا بد من الاشارة الى أن ما يميز الهيئات المحلية كونها الأكثر تماسا والتصاقا بالمواطن بحكم الخدمات الملموسة والمباشرة التي تقدمها في الحياة اليومية، ويؤثر مستوى هذه الخدمات بطبيعة الحال كما يتأثر بالمواطنين باعتبارهم المتلقين لهذه الخدمات، ولا يمكن تجاهل دور المواطن في ذات الوقت من خلال تقديمه لواجباته ودفع المطلوب منه للهيئة المحلية للمساهمة في تغطية المصاريف المختلفة مقابل خدمات المياه او الكهرباء أو النفايات او غيرها من الخدمات التي تقدمها الهيئات المحلية.
إن قطاع الحكم المحلي الفلسطيني يعتبر ثاني اكبر قطاع بعد القطاع الحكومي, وقد تطور هذا القطاع وتوسعت مسؤولياته وهذا ما يستدعي الحاجة لتطوير نوعي في نمط الإدارة, وحجم الموازنات المخصصة, ودمقرطة إدارة قطاع الحكم المحلي وتوسيع الصلاحيات في هيئاته، وضرورة إسناد مهام تنموية للهيئات المحلية وإيجاد لوائح قانونية وتشريعات تخدم تعزيز سلطات الهيئات المحلية وتحفظ هيبتها حيث ان الكثير من اللوائح القانونية الموجودة تشكل عقبة امام قيام الهيئات المحلية وتحديداً المجالس القروية بدورها بشكل كامل .
وأمام هذا الواقع فان المطلوب من وجهة نظري ان يتم ايلاء اهتمام واضح تجاه المجالس القروية بشكل خاص لتتمكن من تحقيق تكامل مؤسسي ولتتوفر لديها كوادر العمل المختلفة لتقوم بأداء مهامها على اكمل وجه وبذلك فهي تحتاج الى تعزيز الاستدامة المالية من خلال توفير مخصصات مالية منتظمة من قبل الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية لتتمكن هذه المجالس من توظيف كوادر ادارية وفنية تساعدها في اداء مهامها وتوفير احتياجات ومتطلبات العمل المختلفة، كذلك لا بد من ان يكون هناك اليات مجدية لتحسين مستويات جباية رسوم الخدمات التي تقدمها هذه المجالس وذلك بتوفير بيئة قانونية وتنفيذية ملزمة مما يساهم في خلق حالة من الاستدامة.
وإذا ما تم تحقيق ذلك فانه مطلوب ان يتم اعداد خطط تنموية استراتيجية للمجالس القروية وان تكون هذه الخطط الاساس للموازنات المقترحة لها بحيث تتضمن المشاريع وبرامج العمل وفق دراسات علمية تلبي الاحتياجات الواقعية، كذلك ان يكون هناك نظام معتمد خاص بهيكليات الهيئات المحلية يصنف كل هيئة بحسب احتياجات عملها، وان يتم اعتماد نظام لموظفي الهيئات المحلية يتضمن اسساً ولوائح وإجراءات واضحة وفق ما ورد في قانون الخدمة المدنية الفلسطيني، وكذلك بناء قدرات موظفي الهيئات المحلية وتعزيز معرفتهم بالقوانين واللوائح التي تتعلق بالحكم المحلي.
رئيس مجلس قروي وادي فوكين