نشر بتاريخ: 03/08/2017 ( آخر تحديث: 03/08/2017 الساعة: 16:10 )
الكاتب: أحمد طه الغندور
لعل النصر الذي حققه المقدسيون في إعادة فتح أبواب المسجد الأقصى المبارك أمام جموع المؤمنين وكسر إرادة المحتل؛ قد شجع الحكومة الفلسطينية على اتخاذ خطوة أخرى للأمام بعد أن أعلنت عن تجميد كافة الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي انتصاراً للأقصى قبلة المسلمين الأولى وجوهرة فلسطين الأغلى، فقد صرح وزير الشؤون الخارجية والمغتربين الدكتور رياض المالكي لإذاعة صوت فلسطين الرسمية صباح الأمس، أن الفلسطينيين يسعون إلى إحالة ملف الاستيطان إلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، والتي قررت بدورها أنها ستقطع إجازتها لاستلام طلب الإحالة بخصوص الاستيطان من الجانب الفلسطيني خلال الأيام القادمة، وأضاف الوزير المالكي: إن الجانب الفلسطيني بانتظار تحديد موعد من مكتب المدعية العامة للذهاب إلى لاهاي، وتقديم طلب الإحالة، كما جاء في الخبر.
يجوز لنا هنا أن نسأل ما هي الأهمية لمحاكمة الاحتلال عن جريمة الاستيطان؛ وهناك العديد من الجرائم التي ارتكبها الاحتلال ولازال مستمراً بها ضد السكان المدنيين العزل من الفلسطينيين؟
بدايةً؛ لعلنا نذكر أن فلسطين قد أصبحت عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية رسميًا في 1 أبريل 2015، حيث أنه في ذلك التاريخ سعت فلسطين لتفعيل آليتين من آليات الإقرار باختصاص المحكمة، فقد أودعت إعلانًا جديدًا بموجب المادة 12(3) من ميثاق روما بأثر رجعي يعود إلى تاريخ 13 حزيران/يونيو 2014، ليتزامن مع لجنة تقصي الحقائق في حرب غزة عام 2014، وأودعت أيضًا وثائق الانضمام إلى نظام روما الأساسي لدى الأمين العام للأمم المتحدة، و يعتبر هذا التاريخ بداية الإطار للاختصاص الزماني لمحاسبة الاحتلال عن كافة جرائمه التي ارتكبها في فلسطين.
أما بشأن الاختصاص النوعي لجريمة الاستيطان كإحدى جرائم الحرب فقد نصت المادة 8 (2) (ب) "8" على ما يلي:" قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها"، فهذه جريمة متكاملة الأركان بدأت منذ القدم ولازالت مستمرة؛ جرت وتجري ضمن عدوان مسلح، ويدرك الاحتلال الظروف الواقعية لهذا النزاع الدولي الذي تسبب فيه.
فمنذ نشأة الاحتلال في العام 1948 ككيان استعماري احلالي قام بجرائمه النكراء التي يند لها جبين الإنسانية بهدف تشريد الفلسطينيين أي السكان الأصليين وإحلال اليهود مكانهم؛ وكذلك عمل من خلال الاستيطان غير المشروع على الاستيلاء وسرقة الموارد الطبيعية وأمعن في ذلك حتى بات الفلسطينيون يعيشون في كيانات منفصلة عن بعضها البعض تفتقر إلى العديد من المقومات الطبيعية والسياسية كي يستطيعوا العيش بكرامة في دولتهم المستقلة.
كذلك إذا أخذنا في الاعتبار أن محدودية الموارد المتاحة لمكتب المدعي العام وحساسيته السياسية تدفعه على الأرجح إلى ملاحقة أسلم القضايا من الناحيتين القانونية والعملية. فما تنطوي عليه جريمة الاستيطان الإسرائيلي من مصادرة غير مشروعة ومكثفة للأراضي على نطاق واسع، ونقل المدنيين في دولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة بطرق مباشرة وغير مباشرة، هذا يجعل قضية الاستيطان من القضايا الأسلم والأكثر أمانًا من الناحية الاستراتيجية في سياق الوضع الإسرائيلي الفلسطيني للبدء بها ضمن هذا الاختصاص القضائي.
ومن الجلي أن بناء المستوطنات قد انخرط فيه الكثير من أجهزة كيان الاحتلال، وأعضاء مؤسساته العسكرية والمدنية على حد سواء. كما تلعب الشركات الخاصة والأفراد أيضًا دورًا حاسمًا، فالشركات المسجلة لدى الإدارة المدنية الإسرائيلية، تسهِّل إجراء معاملات عقارية احتيالية للاستيلاء على الأراضي بصورة غير مشروعة وفقاً للعديد من المواثيق الدولية.
فمثل هذا الجرم المفضوح يسهل على مدعي عام المحكمة الجنائية أن يختار قضاياه بيسر ونجاعة ودون تردد.
ومن جانب أخر يمكن القول إنه من خلال إجراء التحقيقات في قضايا الاستيطان قد يستطيع المدعي العام الوصول إلى إثبات قيام الاحتلال بارتكاب جرائم أخرى يحرمها ميثاق روما كجريمة الفصل العنصري، لما قد يرصده من سياسات احتلالية ممنهجة وسائدة أدت إلى مخالفات متعددة للقانون الدولي الإنساني وترتكب في حق الفلسطينيين ليل نهار متخذة أشكالاً عدة لجرائم الحرب والتي يمكن ملاحقتها دون جهد إضافي.
لقد آن الأوان كي تتظافر الجهود من أجل تقديم هذا الملف الهام للمحكمة الدولية؛ فالمبادرة الحكومية بحاجة إلى جهد مؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وكل من يستطيع أن يقدم جهداً مخلصاً في هذا الإطار لعلنا ننجح في لجم الاحتلال وقطعان المستوطنين؛ ونكون قد ارتقينا إلى مستوى الجرأة والشجاعة التي سادت المجتمع المقدسي التي تصدى بها للاحتلال في واحدة من أفظع جرائمه ألا وهي العدوان على العقيدة وحرية العبادة وصان بها القدس والمقدسات من النهب والزيف والتزوير.
من هنا نجمل القول بأن تقديم ملف الاستيطان إلى المحكمة الدولية خطوة تستحق الاحترام والدعم لقيادة لن تفرط في حقوق شعبها مهما كان الثمن.