الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الكونفدرالية: دولتين في وطن واحد خيار الجمهور العادل والممكن

نشر بتاريخ: 04/08/2017 ( آخر تحديث: 04/08/2017 الساعة: 11:50 )

الكاتب: عوني المشني

في الاستطلاع الأخير الذي أجرياه بشكل مشترك كل من جامعة تل ابيت والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والاقتصادية هناك اكثر من حقيقة جديدة ومتميزة ، اما لماذا جديدة فذلك لان لدينا فكرة نمطية مفادها ان الجمهور في كلا الشعبين لا يمتلك الحس السياسي ليصل الى عمق الوضع القائم ، وان النخب السياسية هي التي تمتلك الرؤى السياسية والأفكار الإبداعية ، اما لماذا متميزة فلأنها استطاعت ان تتجاوز تعقيدات الواقع المركب وتصل الى الاستنتاجات المفترض الوصول اليها وتضع حلولا ابداعية وموضوعية لفك شيفرة تلك التعقيدات والوصول الى نتائج مثمرة وفعالة . والاستطلاع اثبت ذلك تماما ، فالجمهور وعبر هذا الاستطلاع كان اكثر عمقا من نخبه السياسية واكثر برغماتية كونه يسعى الى حياة حرة كريمة بلا معاناة وعذابات . وبدون مقدمات دعونا نتوقف عند بعض تلك الحقائق .
ورغم التأييد الكبير لحل الدولتين ( ٥٣٪‏ من الفلسطينيين و ٥٢٪‏ من الاسرائيليين ) الان ان هناك اتجاها كبيرا يعتقد ان هذا الحل بات غير عملي وغير واقعي حيث قال ٥٢٪‏ من الاسرائليين اليهود ، ٤٤٪‏من الفلسطينيين ، من المستطلعة آراءهم ان حل الدولتين لم يعد ممكنا ، اما عن السبب فان الأغلبية ممن استطلع رأيهم ومن كلا الشعبين قالوا بان الاستيطان هو السبب في ذلك ، هذا يعني ببساطة ان مقولة ان الاستيطان هو العقبة الحقيقية امام السلام يفهمها جمهور الشعبين على حد سواء ، الاستيطان يجعل التقدم يحل الدولتين أمرا " غير عملي " وربما تجاوزه الزمن .
وفِي ظل هذا الوضع المتفجر فان عامل الثقة هو العامل الاخر - اضافة الى الاستيطان - والذي يعيق التقدم في الحل السياسي - هو العقبة الحقيقية امام حل الدولتين بل انه العقبة الحقيقية امام الحل السياسي لهذا فان الحاجة ماسة ليس الى حل سياسي من اي نوع بل الى حل سياسي يعزز الثقة . فالأغلبية الساحقة من الشعبين كل منهما لا يثق بالشعب الاخر ( ٨٧٪‏ من الفلسطينيين لا يثقون بالإسرائيليين ، ٧٧٪‏ من الاسرائيليين لا يثقون بالفلسطينيين ) . ويكفي هذين العاملين لإحباط اي تسوية سياسية !!!!
لتعزيز الثقة فان الاسرائيليين يعتقدون بان الحفاظ على أغلبية يهودية هو على رأس القيم المفترض ان تتحقق في اي سلام كونه الهدف الاهم لديهم في قائمة اهدافهم يليه الحفاظ على ديمقراطية النظام السياسي ، بينما الفلسطينيين يَرَوْن بان الانسحاب الاسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ هو الهدف الاهم يليه تحقيق حق العودة للاجئين ، لهذا فان سلاما يقوم على : الحفاظ على اسرائيل باغلبية يهودية وديمقراطية في ذات الوقت يدشن دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ويحقق حق العودة للاجئين ويتجاوز عقبة الاستيطان ، يشكل طموحا لكلا الشعبين ويعزز الثقة لديهما ، حلا هكذا يحتاج الى فكر منفتح وخروج عن النمطية التقليدية لكسر الدائرة المقفلة .
ما يعيق حل يحقق هذه الأهداف الأربعة مجتمعة هو التعارض الصارخ بينها ، إقامة دولة فلسطينية يتعارض مع الاستيطان بالتأكيد والذي لا يشكل هدفا ذو اولوية لأغلبية الجمهور الاسرائيلي حسب الاستطلاع ، ولكنه واقع موضوعي . عودة اللاجئين الفلسطينين تصطدم برغبة الاسرائليين في الحفاظ على أغلبية يهودية ، الحفاظ على نظام ديمقراطي في اسرائيل تتعارض مع استمرار الاحتلال وفرض تشريعات عنصرية . ان ازالة هذا التعارض بين أوليات الشعبين هو المدخل الحقيقي لإيجاد فرصة لتحقيق السلام وتحقيق أهداف الشعبين دون الشعور بفرض امر واقع من شعب على اخر .
ربما ان نسبة تصل الى الثلث تقريبا من الفلسطينين والربع من الاسرائيليين المستطلعة آراءهم ( 32 % من الفلسطينيين ، ٢٦ ٪‏ من الاسرائيليين اليهود ، 61% من فلسطيني اسرائيل ) قد وجدت حلا لهذا التعارض ، فقد ايدت هذه النسبة حلا يقوم على إيجاد كونفدرالية بين الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية ، ولعل هذه الفكرة " كونفدرالية " قد جاءت وبشكل متطور عبر رؤية دولتين في وطن واحد والتي انبثقت عبر نقاش طويل ومستفيض بين مجموعة من الفلسطينيين والاسرائيليين ، حيث كانت تشكل فهمًا إبداعيا يستطيع ان يجد معادلة تنهي التعارض بين أهداف الشعبين وتحقق طموحهما وترسي قواعد سلام دائم وثابت وعادل نسبيا .
ان رؤية دولتين في وطن واحد التي تشكل نموذجا متطورا يأخذ في الاعتبار خصوصية الواقع ويؤسس لكونفدرالية فلسطينية إسرائيلية غير الفلسفة التي يقوم عليها الحل السياسي ، فبدلا من الاستناد الى ميزان القوى كأساس للتفاوض تم الاستناد الى مجموعة عوامل أخذت مجتمعة : العدالة النسبية اولا على اعتبار استحالة تحقيق العدالة المطلقة ، تحقيق ربح إضافي لكلا الشعبين دون ان يخرج اي شعب مهزوما من الصراع ، بل على العكس يشبع كل شعب شعوره بالنصر والربح في ذات الوقت ، كذلك فان هذه الرؤيا تدمج بشكل خلاق بين فكرتي الدولة الواحدة ودولتين لشعبين دون مخاوف من المستقبل ودون تحفظات .
انها مفترق الطرق الذي سيؤدي في النهاية الى سلام حقيقي ومستقر ويجعل التطور ممكنا اما باتجاه ترسيخ مفهوم الدولتين او التطور الى فكرة الدولة الواحدة وفق اختيار الشعبين الحر . دولتين في وطن واحد هي كونفدرالية تكون فيها دولة فلسطينية كاملة السيادة على الارض الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ بدون نقصان او زيادة وبدون تبادل أراضي وبتواصل كامل .
دولتين في وطن واحد هي كونفدرالية تجعل من حق السكن والتنقل بكامل الحقوق المدنية لمواطني كلتاالدولتين كل في الدولة الاخرى بشرط الاحتفاظ بجنسية دولته وممارسة الحقوق السياسية فيها الاسرائيلي الذي يسكن الدولة الفلسطينية يحافظ على جنسيته الاسرائيلية ويمارس حقوقه السياسية في اسرائيل والفلسطيني الذي يود الانتقال للسكن في في اسرائيل يحتفظ بالجنسية الفلسطينية ويمارس حقوقه السياسية في دولته فلسطين هذا الوضع ينطبق على كل اللاجئين الفلسطينيين أينما وجدو ويودون حمل الجنسية الفلسطينية والذين يملكون الحق في استعادة ارضهم وأملاكهم دون خلق مظالم اخرى جديدة .
دولتين في وطن واحد هي كونفدرالية تجعل من القدس الموحدة بشرق وغرب المدينة عاصمة موحدة تحت سيادة دولية بكلا شطري المدينة وفيها مجلس بلدي متساوي الأعضاء بين الفلسطينيين والاسرائيليين ومتساويين في الحقوق والصلاحية ويتساوى احياء المدينة في الخدمات والرفاهية .
دولتين في وطن واحد هي كونفدرالية يحتفظ كل مواطني اسرائيل يهود وفلسطينيين بكامل الحقوق المدنية والسياسية وبمساواة وبرفع التمييز بينهم ومساواتهم في الحقوق والواجبات .
كونفدرالية تتشارك فيها الدولتان الديمقراطيتان بلجان تطوير وأمن وحقوق انسان وبمساواة ولجنة عليا لحل اي نزاعات شخصية او عامة
دولتين في وطن واحد هي كونفدرالية يصبح فيها الأمن احتياج مشترك ومسئولية مشتركة عبر تنسيق فاعل وواضح
هذه الرؤيا هي رؤية دولتين في وطن واحد ، هي كونفدرالية تعزز ما هو مشترك وتفصل فيما يشكل خصوصية وتنهي أسباب استمرار او تجدد الصراع ، وتضع معادلة ابداعية لتجنب التعارض في مصالح الشعبين بهذه الرؤيا لا تعارض حقيقي بيت متطلبات الشعبين ، كل شعب يحتفظ بخصوصيته ويمارس حقه في تقرير المصير عبر دولته السيادية الغير منقوصة ، وتنهي القلق المصيري لدى الشعبين .
ان الشعبين يحتاجان الى ثقة تسمح لهما بالوصول الى الحل السياسي ، والثقة هنا تأتي في رؤية دولتين في وطن واحد عبر إجراءات لا تسمح بالمغامرة وتزيل التخوفات المستقبلية .
ان الاستطلاع يعكس تنامي وعي شعبي لاهمية إيجاد حل سياسي متوازن وواقعي . هذا ليس مجرد رؤية فقط وإنما بداية تحول تلك الرؤيا الى برنامج سياسي قادر على اختراق الجمود القائم ، واهمية هذا تنبع من كونه يمثل توجها شعبيا سيفرض نفسه على مستوى النخب السياسية ، انها مسألة وقت ، والثقة هنا ليست امنيات ، انها نابعة من كوّن هذه الرؤية هي الإمكانية الأفضل لحل سياسي وهنا يبرز وعي الجمهور لاهمية وضرورة هذه الرؤية .