الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مبادرة الرئيس.. هل تُفشل اتفاق دحلان مع حماس؟

نشر بتاريخ: 05/08/2017 ( آخر تحديث: 05/08/2017 الساعة: 16:48 )

الكاتب: عز عبد العزيز أبو شنب

ان التفاهمات التي تم إبرامها بين حركة حماس مع النائب محمد دحلان برعاية مصرية، أصبحت تهيمن على كافة تفاصيل المشهد الفلسطيني، وتقذف بمجرى الأحداث الفلسطينية الداخلية إلى منحى أكثر إثارة وخطورة خلال المرحلة القادمة.
شكلت صفقة حركة حماس مع دحلان مفاجأة مدوية تركت صداها على الساحة الفلسطينية بشكل عام، وفي الأوساط الحزبية والفصائلية بشكل خاص، ليس لكونها جاءت بغتة دون مقدمات، وإنما لما شكلته من انتقال قسري ومفاجئ في طبيعة علاقة حماس وموقفها وسلوكها تجاه دحلان بعد أن كان الخصم الأول لحماس والإرث الدامي الذي كان ابان الانقسام الفلسطيني البغيض.
بدأت التسريبات للتفاهمات بين الطرفين حيث تم تحديد أهم ملامحها، فبدت أشبه ما تكون برزمة متكاملة أو خريطة طريق واضحة المعالم للإبحار بالأوضاع الداخلية لقطاع غزة، في ظل العواصف العاتية والتحديات المتعاظمة التي تتناوشه من كل اتجاه حيث تشمل هذه الصفقة انفراج كبير على غزة وتصحيح مسار العلاقات ما بين مصر وحماس بعد أن كانوا خصم لبعضهم البعض.
الصفقة التي تم إنجازها بين حماس ودحلان تشتمل على أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية حسب المؤشرات والتسريبات القائمة، وتندرج تحت إطار خطة سريعة لتلافي آثار الحصار المفروض على القطاع المفروض عليه منذ ما يقارب العقد من الزمن، وحل أزماته المستعصية التي أرهقت كاهل أهله طيلة تلك الفترة.
ورغم حرص الطرفين على إبقاء بنود الصفقة قيد الكتمان فإن البعض تحدث بشكل تفصيلي عن توريد السولار الصناعي الخاص بتشغيل محطة الكهرباء، وفتح معبر رفح بشكل شبه دائم بعد عيد الأضحي المبارك، وتفعيل ملف المصالحة المجتمعية حيث تم تخصيص مبلغ يتجاوز 50مليون دولار لذلك وتدشين منطقة تجارية حرة في الجانب المصري من الحدود المصرية/الفلسطينية وفتح مكاتب لدحلان في قطاع غزة تحت مسمي التيار الاصلاحي لحركة فتح.
أما الجانب الأخطر من التسريبات الذي يحجم الطرفين عن الخوض فيه؛ فيتعلق بدور دحلان السياسي وآليات التعاون السياسي والأمني بينه وبين حماس خلال المرحلة المقبلة.
إذ تحدثت تسريبات -لم يتم تأكيدها- عن تشكيل كيان أو لجنة لإدارة غزة بالتوافق، بحيث تتم دعوة كل الفصائل والشخصيات للمشاركة فيها، وإسناد مهمة إدارة العلاقات الخارجية والشأن الدبلوماسي وإدارة المعابر لدحلان، فيما يتم إسناد الدور الأمني لحماس، دون الإتيان على ذكر سلاح المقاومة والخوض فيه.
ان دحلان يعتبر الرابح الأكبر من وراء الصفقة المبرمة مع حركة حماس، وأن هذه الصفقة توصف بأنها "ضربة معلم" أو مكسب إستراتيجي لدحلان بكل معاني الكلمة وتحجيم لدور القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
على مدار السنوات الماضية، عاش دحلان عزلة حقيقية وحالة بُعد قسرية عن مشهد صناعة القرار الفلسطيني، إثر فصله من حركة فتح وملاحقته قضائيا واضطراره للفرار من الضفة الغربية إلى دولة الإمارات واسترجع عمله منذ فترة قصيرة وعاد للمشهد السياسي والإعلامي من خارج الحدود الفلسطينية.
يحاول دحلان منذ فترة اقتحام المشهد السياسي الفلسطيني بين الفينة والأخرى، استنادا إلى علاقاته الوثيقة مع بعض الدول الغربية والعربية وخاصة الإمارات والسعودية ومصر فإن دحلان بقي على هامش الحدث الفلسطيني، وعجز عن التأثير في مجريات صنع القرار أو تغيير الوقائع السياسية والميدانية، في ظل سيطرة الرئيس محمود عباس وحركة فتح على مقاليد زمام السلطة في الضفة الغربية، وإحكام حماس قبضتها الحكم في قطاع غزة.
ان تحجيم دحلان في الضفة بعد أن قامت السلطة من إجراءات تضييقية طالت أنصاره والقيادات والكوادر التابعة له، وعدم السماح لهم بمزاولة الفعل والحراك السياسي والتنظيمي الذي يرى فيه أبو مازن وفتح خطرا على أمن واستقرار كيان السلطة، وتهديدا مباشرا لنفوذ فتح في مناطق الضفةالذي يحاول جاهدا السيطرة عليها.
كان يراقب دحلان تطورات المشهد الفلسطيني الداخلي المتأزم بين حماس وفتح من منفاه البعيد، ولم يجد ظرفا أكثر مثالية للتدخل المباشر من الظروف العصيبة الراهنة التي يمر بها قطاع غزة، الذي طفحت فيه المعاناة واستحكمت في جوانبه الأزمات، في ظل الإجراءات العقابية التي اتخذها مؤخرا الرئيس محمود عباس بحق حماس وأهالي القطاع وموظفي السلطة بغزة من خصومات وقرارات تقاعد لعدد كبير من الموظفين التابعين له.
بدأ يتكلل المشهد السياسي الفلسطيني بعودة قوية لدحلان إلى قلب العمل السياسي المتركز في غزة. وغني عن القول أن تمركز دحلان في غزة سيمنح تياره داخل فتح قوة كبيرة لإعادة بناء ذاته تنظيميا وجماهيريا، والتحول مجددا إلى قوة هامة ومؤثرة في مواجهة أبو مازن والتنظيم الأساسي لحركة فتح حيث قام بالانشقاق عن الحركة وعمل تحت نطاق التيار الاصلاحي لحركة فتح وشكل لكل محافظة مسؤول وكما شكل قواطع ومناطق موازية لفتح الأم. 
أما حماس فتعوّل كثيرا على صفقتها مع دحلان للخروج من ضيق الحصار، الذي أورثها أحمالا ومسؤوليات ثقيلة لم تستطع الوفاء بها طيلة العقد الفائت، في ظل فقدانها شرعية التعاطي والعمل الإقليمي والدولي، باستثناء التعاطي القطري والتركي المعروف.
امتلكت حماس قدرة معينة في الماضي على المناورة والالتفاف حول الأزمات بفعل الدعم الإيراني والقطري والتركي، إلا أنها اليوم تبدو مجردة من أوراق القوة والمناورة في ظل الإجراءات القاسية التي اتخذها أبو مازن ومحاصرة قطر من دول الخليج العربي، وكذلك أزمتها المالية الناجمة عن إغلاق الأنفاق والحدود مع مصر طيلة السنوات الماضية، والاتفاق التركي/الإسرائيلي الذي حيّد الدور التركي جانبا .
ولأنها لا تستطيع الصمود طويلا بدون مخرج حقيقي يتولى رفع الحصار المضروب عليها أو تخفيفه على أقل تقدير، فقد وجدت حماس في الاستعداد المصري للتفاعل معها عبر بوابة دحلان ملاذها الأمثل لتفكيك أزماتها المستعصية، بعيدا عن مطالب واشتراطات الرئيس محمود عباس وفتح التي ترى فيها سلبا للكثير من مظاهر حكمها ونفوذها في غزة.
ما تخشاه حماس من مطالب واشتراطات أبو مازن ليس واردا ضمن صفقتها مع دحلان، إذ تضمن لها الصفقة استمرار هيمنتها على الجهاز الحكومي والإداري في غزة، وعدم المساس بسيطرتها الأمنية والعسكرية عليها، دون أن يضيرها تولي دحلان مسؤولية العلاقات الخارجية والدبلوماسية التي تفتقدها عمليا منذ عقد من الزمن.
فوق ذلك، فإن حماس ترى أن الصفقة تمنحها اليد العليا فيما يخص مرحلة ما بعد عودة دحلان، وما يرتبط بها من تشكيلات إدارية جديدة عبر إخضاعها لمبدأ التوافق معها، وهو ما يزيل عنها الكثير من القلق والهواجس المرتبطة بالمرحلة المقبلة من وجهة نظرها.
ان حركة فتح ممثلة بقائدها الرئيس محمود عباس قد فوجئوا بصفقة دحلان وحماس كما فوجئ بها مختلف الفلسطينيين، إذ أن أبو مازن وفتح كانوا يسيرون ضمن خطة متدرجة لإخضاع حماس لشروط المصالحة، وحملها على تسليم مقاليد الحكم بغزة لحكومة التوافق الوطني، ويرون الدوائر تُضيّق خناقها شيئا فشيئا على حماس انتظارا للحظة النهاية، إلى أن جاء ما لم يكن في التوقّع والحسبان.
لعل الموقف المصري الرسمي الراعي لصفقة دحلان وحماس، وسماحه بدخول السولار الصناعي لإعادة تشغيل محطة الكهرباء الرئيسية في غزة، هو أكثر ما أثار غضب الرئيس محمود عباس الذي تشير أنباء شبه مؤكدة باتخاذه هجمة مرتدة تستهدف إحباط الصفقة وتفريغها من مضمونها حيث سيقوم خلال أيام وفد فتحاوي رفيع المستوي بالتوجه الى القاهرة للقاء القيادة المصرية من أجل سحب البساط من تحت دحلان والاتفاق مع حماس والتوافق معها علي بنود مصالحة جديدة تتوافق مع الطرفين.
موقف الرئيس محمود عباس وحركة فتح ومبادرته الجديدة لفشل صفقة دحلان وحماس يبدو طبيعيا من أجل افشال المشروع الدحلاني لاستعادة غزة حيث كان يحاول دحلان الدخول لبوابة غزة بأسرع مما يتوقعه الكثيرون.
جاءت مبادرة الرئيس محمود عباس لما رآه من تآكل شرعيته التمثيلية الناجمة من خروج غزة عن دائرة سيطرته المباشرة، والاتهامات الأميركية والدولية له بعدم اكتمال تمثيله السياسي والجغرافي للفلسطينيين اللازم لإنجاز مقتضيات التسوية مع إسرائيل.
في حال فشلت المبادرة ما بين الرئيس محمود عباس وحركة حماس والتي تركز في أول بنودها الأساسية على حل اللجنة الادارية بغزة، فانه سيكثف من إجراءاته المتخذة ضد غزة، وسيحاول جاهدا فرض مزيد من التأثير على القطاعات الرئيسية والخدمات الحيوية، بهدف تأليب أهالي قطاع غزة للخروج إلى الشوارع والصدام الميداني مع حماس.
وليس واضحا ما الذي ستؤول إليه الأمور في ظل إصرار الرئيس محمود عباس وفتح على خطتهم الجديدة المفروضة على حماس وأهالي غزة، وإن كانت الأوضاع داخل غزة مفتوحة على مختلف السيناريوهات مستقبلا.