نشر بتاريخ: 06/08/2017 ( آخر تحديث: 06/08/2017 الساعة: 10:03 )
الكاتب: جهاد حرب
اثبت المقدسيون بأنهم قادرون على صد حكومة اليمين الإسرائيلية، وأنهم سدنة المسجد الأقصى وحراسه. وهم كذلك يبدعون اسلوبا للنضال السلمي في مواجهة إجراءات الاحتلال؛ فبصلاتهم وبهدوء اعصابهم جسدوا عنفوان الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، والانتصار في هذه المعركة.
بكل تأكيد الشعب الفلسطيني فخور بالمقدسيين "ولولا النحو" لرفعت المجرور هنا. فالمقدسيون أذهلوا الفلسطينيين قبل الإسرائيليين بهبتهم ووحدتهم دون وجود قيادية سياسية فاعلة، منذ استشهاد أبن القدس فيصل الحسيني، ترعى وتنظم وتقود العمل الميداني وتحدد المهمات وتشرف عليها. لكن السؤال الجوهري لم يُسأل في خضم المعركة والمواجهة؛ لماذا هب جميع المقدسيين على قلب رجل واحد معتصمين على أبواب المسجد الأقصى في هذه اللحظة؟ فإجراءات الاحتلال مستمرة منذ خمسين عاما وانتهاكاته للمسجد الأقصى تتمثل يوميا بحرمان المصلين من الدخول بأشكال مختلفة من ابعاد عن المسجد أو تحديد الأعمار أو فرض قيود على دخول المدينة عبر حواجز الاحتلال المنتشرة على طول جدار الفصل العنصري لمنع الفلسطينيين في الضفة الغربية وحرمان الفلسطينيين في قطاع غزة من الدخول إليها. ناهيك عن اقتحامات المستوطنين وتهديداتهم ببناء الهيكل وغيرها من الإجراءات.
في ظني ان المقدسيين في عقلهم الجمعي استشعروا الخطر الوجودي لهم في المدينة المقدسة، وهذا الأمر بدا واضحا منذ لحظة حرق الفتى محمد أبو خضير، قبل عامين، بأن الاستهداف اليوم بات على أنفسهم وابنائهم ولم يعد الخطر مقتصرا على رزقهم أو منازلهم أو عقوبات أو غرامات أو مضايقات بأشكالها المختلفة هنا أو هناك. فالمعركة اليوم معركة وجود تفجرت بوضع الحكومة الإسرائيلية البوابات الالكترونية والكاميرات وغيرها من إجراءات على ابوام المسجد الأقصى، ولأنهم يدركون إذا ما مرت هذه الإجراءات بصمت أو دون احتجاج فعلي، كما شاهدناه، يستسهل الاحتلال قلع المقدسيين من مدينهم.
فمعركة المسجد الأقصى وأبوابه هي مجرد عنوان الحرب المستعرة والمحتدمة في المدينة بين السكان الأصليين "الفلسطينيين" وبين الاغراب المدعومين من حكومة الاحتلال وادواتها كالبلدية ومؤسسات التهويد بأشكالها وانواعها. وفي ظني أن الحكومة الاسرائيلية انهزمت في معركة الصدمة بالسيطرة على المسجد الأقصى لكن المعركة أو المعارك الأخرى قد بدأت؛ في جزء منها لمحاولة نتنياهو الحافظ على عرشه في رئاسة الحكومة ومنافسته لأمراء اليمين في حكومته ومواجهة التحقيقات الشرطة لأفعاله. هذا يعني أن القدس اليوم تحتاج أكثر من ذي قبل للعناية والدعم في المواجهة المستمرة.
برزت خلال الأسبوع الفارط حالة من التمجيد لانتصار القدس والمقدسيين، وهو يستحق، لكن باتجاه سحبها على الضفة والقطاع لمواجهة حالة الانقسام والخروج من مربعه. اعتقد أن الامر مختلف؛ فكل ظاهرة اجتماعية وتمثلاتها هي بنت مكانها ولحظتها وتخضع لعوامل ذاتية وموضوعية متعددة متباينة لا تتفق بالضرورة مع نفس التمثل في مكان وزمان آخران وإن كانا قريبين. لكن الانفجار أو الغضبة الشعبية أو الاحتجاج الواسع يأتي عند تولد العقل الجمعي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا لن يأتي الا عندما يتضرر المواطنون شخصيا من الانقسام حينها تأتي اللحظة التاريخية المناسبة للتحول، وإلا المراهنة تبقى أحلام في خلد المنظرين لما هو غير واقعي. هذا لا يعني بالضرورة الانتظار بقدر ما يعني العمل للوصول الى لحظة الحقيقة "الانفجار".