نشر بتاريخ: 08/08/2017 ( آخر تحديث: 08/08/2017 الساعة: 18:08 )
الكاتب: د.ايهاب عمرو
السرقة الأدبية في الأبحاث العلمية..بين حكم القانون ونظرة المجتمع
يثور على السطح بين الفينة والأخرى تساؤلات بخصوص السرقة الأدبية في الأبحاث العلمية، خصوصاً رسائل الماجستير والدكتوراه، ومدى الحاجة إلى تفعيل الإجراءات القانونية ذات العلاقة؟. ولا بد من الإشارة إبتداء إلى أن الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي: حقوق شخصية، وحقوق عينية، وحقوق معنوية تشمل الحقوق الناشئة عن الملكية الأدبية والفنية والصناعية.
ويختلف الحال بالنسبة لدول الشرق عنه في دول الغرب، حيث أطاحت بعض تلك السرقات الأدبية بمستقبل سياسيين بارزين في دول غربية عدة أذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، إستقالة وزير الدفاع الألماني " كارل-تيودور تسو غوتنبرغ" على خلفية لجوئه إلى السرقة الأدبية في أجزاء من رسالة الدكتوراه الخاصة به في العام 2011، وهو الذي كان عضواً في حزب الإتحاد المسيحي الحاكم الذي تتزعمه المستشارة الألمانية القوية أنجيلا ميركل. كذلك، إستقالة وزيرة التعليم والبحث العلمي الألمانية أنيتا شافان في العام 2013 على خلفية إتهامات وجهت لها حول إقتباسات غير موثقة من رسائل وأبحاث مؤلفين آخرين. وفي المجر، قدم الرئيس المجري بول شميت إستقالته من منصبه في العام 2012 بسبب تورطه في فضيحة سرقة أدبية في رسالة الدكتوراه الخاصة به. وفي الولايات المتحدة الأميركية، أجبر نائب الرئيس الأميركي الأسبق جو بايدن على التخلي عن ترشحه عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الأميركية عام 1988 عندما طفت إلى السطح معلومات حول قيامه بالسرقة الأدبية ما إضطره إلى الاعتراف في نهاية المطاف بسرقته الأدبية، التي جاءت على شكل بحث قانوني كتبه خلال السنة الأولى من دراسته الجامعية، والقائمة تبعاً لذلك تطول ما يثبت حجم الرقابة على تلك الأبحاث العلمية من قبل وسائل الإعلام ذات التأثير الواسع داخل تلك الدول.
وفي الشرق، فإن الواقع يثبت أن السرقة الأدبية تنتشر داخل الحياة الأكاديمية. وقد لاحظت أثناء قيامي بالتدريس الجامعي خلال السنوات الأخيرة حجم الكارثة التي حلت بأجيالنا الشابة نتيجة عدم إيمانهم بالبحث العلمي كأداة لتطوير الملكات الفكرية والبحثية الذاتية من جهة، وكوسيلة لإيجاد حلول جذرية لمشكلات مجتمعية من جهة أخرى. وتوصلت أثناء قيامي بتدريس مساق أساليب البحث العلمي في إحدى الجامعات الفلسطينية إلى إستنتاج قاطع مفاده أن معظم الطلاب والطالبات يقومون بالحصول على المعلومات ذات العلاقة من الشكبة العنكبوتية "الإنترنت" دون توثيق للمصادر والمراجع ما يثبت السرقة العلمية بشكل واضح. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على غياب ثقافة البحث العلمي داخل المجتمع الفلسطيني بالخصوص، وداخل المجتمعات العربية بالعموم.
ويقوم الطلبة أيضاً بالإعتماد على بعض مراكز الخدمات الطلابية لمساعدتهم في إعداد تلك الأبحاث، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى الإعتماد على تلك المراكز في إعداد رسائل الماجستير كما سمعت من بعض العاملين والعاملات في تلك المراكز. ناهيك عن قيام بعض تلك المراكز بتصوير مؤلفات لأكاديميين وبيعها للطلبة بأسعار زهيدة دون وازع داخلي أو رادع خارجي على الرغم من أن بعض تلك المؤلفات يتمتع بالحماية القانونية نتيجة إيداعها لدى الجهات المختصة كما سنوضح لاحقاً.
وبالقياس، سمعت أثناء إقامتي في اليونان عن قضية تقدم بها أحد الأكاديميين اليونانيين ضد مركز خدمات طلابية نتيجة قيام المركز المذكور بتصوير نسخة واحدة فقط من مؤلفه بناء على طلب من أحد الطلبة، وقد تم تعويض الأستاذ المذكور بمبلغ ثمانية آلاف يورو من قبل المحكمة المختصة نتيجة الضرر المعنوي الذي لحق به.
ومعلوم بالضرورة أن هذا النوع من السرقات الأدبية تعد حال ثبوت الوقائع المرتبطة بها جرائم تحاسب عليها القوانين النافذة ذات العلاقة، أهمها القوانين المتعلقة بالملكية الفكرية. وفي فلسطين، فإن هناك بعض القوانين التي تناولت تلك المسألة أهمها قانون حق التأليف العثماني لعام 1328 هجري الموافق 1910 ميلادي الذي نص على توفير الحماية القانونية للمؤلفات حال نشرها بشرط إيداعها لدى الجهات المختصة "نظارة المعارف ومديرية المعارف".
كما نص القانون المذكور على عقوبات بحق المخالفين تتراوح بين الغرامة والحبس، مع تأكيده على أن تلك الحماية القانونية متوقفة على وجود شكوى شخصية كشرط لازم للملاحقة القضائية. إضافة إلى ذلك، صدر في الحقبة الإنتدابية قانون يتناول حقوق الطبع والتأليف في العام 1924 سُمح بموجبه بسريان قانون حقوق الطبع البريطاني لعام 1911 على فلسطين كإحدى الممتلكات (المستعمرات) البريطانية آنذاك تأسيساً على أحكام المادة 25 من قانون حقوق الطبع سالف الذكر.
وفي القانون المقارن، نجد أن قانون حماية حق المؤلف الأردني لعام 1992 الذي تم تعديل أحكامه في العام 2014، ينص على توفير الحماية القانونية لحقوق الملكية الأدبية كحقوق معنوية، ما يشمل إيقاع العقوبات المناسبة –سواء كانت حقوقية أو جزائية- بحق المخالفين، شريطة إيداع المؤلف لدى دائرة المكتبة الوطنية. ومؤدى ذلك أن المؤلفات التي لا يتم إيداعها لدى دائرة المكتبة الوطنية -كجهة مختصة قانوناً- وحصولها على الرقم الدولي الموحد للكتاب فإنه لا يمكن توفير الحماية القانونية لها عند وقوع الإعتداء.
وفي ضوء ما سبق، يمكننا أن نلاحظ بسهولة مدى الحاجة إلى إصدار قانون خاص يحمي المصنفات الأدبية والفنية في فلسطين بسبب قدم القوانين سارية المفعول ما يبرر الحاجة إلى إصدار قانون عصري يحمي حقوق المؤلفين من ناحية قانونية ويفرض عقوبات حقوقية وجزائية على المخالفين لأحكامه، ما يضمن إعادة الإعتبار للبحث العلمي في فلسطين كمرتكز لعملية البناء المجتمعي والتنمية المستدامة على الأصعدة كافة.
ولاحظت أثناء المقابلات التي كنا نجريها مع بعض الحاصلين على درجة الماجستير في القانون من بعض الجامعات المحلية حجم الضرر الذي ألحقه ويلحقه غياب البحث العلمي المرتكز على أفكار الباحث الأصلية على مستوى الخريجين والخريجات العلمي، ما أثر ويؤثر بشكل سلبي على مخرجات العملية الأكاديمية حال قيامهم بالتدريس في الجامعات.
ويحضرني مقابلتين أجريتا مع متقابلتين وجهت لهما أسئلة تتعلق بتخصصهما الدقيق ولم تستطيعا الإجابة عليهما، حيث كانت الأولى حاصلة على شهادة الماجستير في القانون المدني ولم تعرف الإجابة عن سؤال يتعلق بمجلة الأحكام العدلية كقانون مدني مطبق في فلسطين، في حين كانت المتقابلة الثانية حاصلة على شهادة الماجستير عن أطروحة في قانون العمل ولم تستطع الإجابة عن سؤال يتعلق بالتأمينات الإجتماعية على الرغم أن هذا النوع من التأمينات يعد من صميم الحقوق العمالية المنصوص عليها في قانون العمل الفلسطيني ساري المفعول لعام 2000. وقد يبدو ذلك غريباً، لكن الأكثر غرابة هو قيام بعض الأساتذة في العالم العربي، ومن ضمنه فلسطين، بتلك السرقة الأدبية من أبحاث زملاء لهم أو من أبحاث طلبة آخرين ما يظهر حجم الخلل الذي وصلت له العملية الأكاديمية من جهة، وحجم السقوط العلمي الذي وصل له البعض ممن يعملون في الحقل الأكاديمي من جهة أخرى. وقد سمعت، من جملة ما سمعت، عن قيام أحد الأساتذة بإقتباس معلومات من أبحاث طلبة لديه دون توثيقها، إضافة إلى قيامه بالإعتماد على مراجع بلغات أجنبية كالفرنسية على الرغم من عدم إلمامه بتلك اللغة.
خلاصة القول، لا بد من الإشارة إلى أن نظرة المجتمع في الشرق للسرقات الأدبية تختلف عنه في الغرب، حيث إن الشرق لا يولي إهتماماً بالكتاب بشكل عام ولا يمنحه أية قيمة تذكر ما يؤثر على نظرته لأية سرقة علمية ويعتبرها أمراً مألوفاً، في حين أن الغرب يولي إهتماماً منقطع النظير بالكتاب ويعتبره مصدراً هاماً للمعلومة ما يفسر تلك النظرة السلبية من قبل المجتمعات الغربية لكل من يقومون بالسرقة الأدبية، وإلا بماذا نفسر تلك الإستقالات المتوالية لسياسيين بارزين في الغرب نتيجة مجرد إتهامات وجهت لهم بهذا الخصوص؟.