السبت: 30/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفاشلون من المخيم الى الهايم: هيّا بنا نهرب!

نشر بتاريخ: 11/08/2017 ( آخر تحديث: 12/08/2017 الساعة: 09:04 )

الكاتب: زاهر أبو حمدة

إنها الساعة السادسة والنصف صباحاً، وعند المدخل الرئيسي لمخيم برج البراجنة، يتقدم سيل بشري باتجاه الطريق العام. عمال يمتهنون حرفاً عدة وغالبيتهم يحمل عـِدته وزاد يومه وكوب قهوة كرتونياً. عند السؤال عن هوية هؤلاء النشطين، كانت الاجابة أنهم سوريون أو فلسطينيون سوريون. هذا يعني أن فرص العمل متوفرة في لبنان للعمال بجنسياتهم المختلفة، إذاً لماذا لا يعمل فلسطينيو المخيمات في الورش المنتشرة وبيومية لا بأس بها تعيل عائلة بأكملها؟ فمن يريد أن يشتغل في ضواحي برلين، لماذا لا يعمل في ضواحي المخيمات؟
من المؤسف حقاً أن أبناء المخميات تطبعوا بمحيطهم، أي بطقوس الشعب اللبناني. ومن المعروف أن اللبناني لا يمتهن الاعمال الحرفية بقدر ما يحترف المهن الخدماتية وذات "البرستيج المرتفع". أصبح الفلسطيني في لبنان اتكالياً، كسولاً، خمولاً، ويريد المال أن يتسرب الى جيبه وهو متكىء على الاريكة. اتكل على التنظميات برواتبها الزهيدة او اعانات الجمعيات وكراتين التموين، حتى أن البعض تخيل نفسه من المُلاك فأجّر محله للسوري او الفلسطيني السوري، لينتظر بدل الإيجار في نهاية الشهر جالساً يُعد الزبائن الداخلين والخارجين إلى محلة المُستأجر. في المقابل، ترى الفلسطيني السوري تطبع بالشعب السوري، المعروف عنه أنه أكثر الشعوب العربية جهداً وعملاً (حسب منظمة العمل العربية) وهذه ميزة لا تجدها الا عند الشعب السوري العزيز. العمل ثقافة قبل أن يكون حاجة، فألمانيا المنشودة للمهاجرين الجدد لفظت الركام واعادت نهضتها عبر العمل، وتحديدا العمل التطوعي حيث تبرع الشعب الالماني بساعات عمل اضافية يومية لبناء وطنه بعد الحرب العالمية.
مما سبق يتضح أن العمل متوفر لمن يريد ولو بمردود منخفض. أما بالنسبة لاصحاب الشهادات والاختصاصات المتباكين، المتذمرين، اصحاب التبريرات الخرافية؛ فغالبيتهم لا يقبلوا راتباً بسيطاً وهم أساساً اختاروا اختصاصاً مستهلكاً لا يتناسب مع سوق العرض والطلب. فقبل أعوام بسيطة، كانت الموضة دراسة التمريض، وبعدها راجت دراسة ادارة الاعمال... وهذا يعود لضيق أفق بالنسبة للطلاب واساتذتهم واهلهم. وعند سؤال طلاب البكالوريا الثانية عن توجههم العلمي بعد النجاح، تكون اجاباتهم مبهمة ولا تراعي الرغبة الشخصية او الطموح الذاتي. من المثير للسخرية مثلاً أنه في احدى السنوات السابقة تقدم مئات الخريجين الى وظيفة "استاذ بيولوجي" في الانروا. مئات يتنافسون على فرصة واحدة غير متعددة وللاسف راتبها غير مرتفع. ومن المحزن أنه بعد التخرج يلعن الشاب الظروف وقوانين لبنان (وهذا مبرر) علماً أنه اختار اختصاصاً لا تنفع فيه المناورة وايجاد فرصة في مجال آخر. وكي لا نجلد ذاتنا كثيراً، لا بد من الاعتراف أن هناك فئة في شعبنا يجب ان تُعدم رمياً بالنقود المعدنية. هذه الفئة اكتنزت اموالاً على حساب الشعب ومنه ثم اصبحت برجوازية عبر املاكها ومؤسساتها، لكنها لا تُشّغل الفلسطيني بأعداد مرتفعة ورواتب معقولة مع أن الامكانية متوفرة والقانون يسمح بذلك. والفئة الاخرى الواجب محاسبتها، هي الفصائل الريعية التي لم تبنِ مصنعاً او مؤسسة منتجة فجعلت الشعب شحاذاً لخدماته.
من يرد الهروب الى اوروبا، عبر طرق غير شرعية يُشرع لنفسه الهرب مبرراً ذلك بأدلة واهية. هو مستعد لبيع ما يملك ليغامر في البحار وعبر الحدود ويُملِك رقبته وحياة ذويه لسمسار ليصل الى هايم مغلق. ومن ثم يعيش عالة على مجتمع لا يعرفه. وإن كنت تريد تعلم اللغة لماذا لم تكمل تعليمك في مدارس الانروا؟ وإذا كنت متعلماً لماذا جعلت أهلك وصندوق الرئيس محمود عباس، يدفعون تكاليف تعليمك؟ كان الأولى بك الرحيل فوراً بعد البكالوريا والتعلم والعمل حيث تريد؟ وان كنت ستنصاع الى القانون الاوروبي لماذا لا تلتزم بالقوانين في المخيم، حتى أنك لا تحافظ على نظافة الشارع وتتعامل مع مؤسسات شعبك على أنها ملك أبيك. تناقض غريب في الشخصيات الهاربة، يدفعهم الى المطالبة علناً بسفن تقلهم الى "المكان الحلم"؛ حتى في الهروب يحتاجون مساعدة، ما هذه الاتكالية المقيتة؟. اذا اردت السفر فاذهب وحدك ولا تنادي بالهروب الجماعي. ومن المستغرب أن الهاربين السابقين يشجعون على هروب الاخرين وليس من باب نشر الفائدة إنما لإشباع عقد النقص.
يمكن استثناء بعض الاشخاص ذوي الطموح الكبير، من تهمة "الفشل المستمر". فهم فعلاً لا يجدون فرصتهم الا في مكان يناسبهم. لكن من يعمل حداداً في لبنان لن يعمل رائد فضاء في السويد. ومن لا يفتش على وظيفة في بلد يتحدث لغته لن يجد وظيفة في مكان يتنقل فيه كما الاطرش في الزفة. الفاشل يبقى فاشلاً والناجح يستمر بنجاحه ولو عاش في جزر القمر. لم يعد اللجوء في أوروبا كما كان، هناك طفرة باللاجئين واليد العاملة حتى ان اوروبين يهجرون الان بلادهم الى كندا ونيوزيلندا، وهذا ما يحصل في ايرلندا مثلاً. فهيا اذهب الى المجهول مطأطئ الرأس غامض البصر والبصيرة.
يا من ينادي بالهجرة المناوبة (الهجرة التي ينتقل فيها إنسان من مكان إقامته إلى مكان عمله)، أليس الأوجب ان ترفع الصوت بوجه الدولة اللبنانية والفصائل المترهلة ومن يتحكم باقتصاد وامن المخيمات؟ فالمشكلة بك وبي وبه وبها. فكما نحن يولى علينا. وبدل المطالبة بالهروب الى أوروبا، لماذا لا تطالب بالعودة الى فلسطين وهذا حق يكفله القانون الدولي بعكس الهجرة الى مكان لا تربطك به أي صلة؟ وهنا يُطرح السؤال الأهم: العودة حق فردي، وكذلك الهجرة؛ وإن تم تخييرك أيها الحالم بالعودة الى فلسطين أو الهجرة الى كندا؟ ماذا ستختار؟ العقل الباطني عندك يفكر بالغرب وليس بوطنك، ولا تقل انك ستحصل على جنسية غربية ومن ثم تزور فلسطين. فما نفع زيارتك السياحية؟ انت لم تفعل شيئاً لقضيتك وانت في المخيم، فماذا ستفعل لها في الهايم؟
ان اخطر ما في الهجرة الجماعية، هو فقدان احساس الجماعة الضاغط. وان تفريغ اللاوعي الجمعي الفلسطيني من محتواه الوطني سيجعل خيارات الفرد تتغلب على الجماعة. ومن المستهجن، أننا الشعب الوحيد الذي يؤمن بنظرية المؤامرة ويعرف انه يتعرض لمؤامرة وينساق لها ولا يقاومها.