نشر بتاريخ: 14/08/2017 ( آخر تحديث: 14/08/2017 الساعة: 09:57 )
الكاتب: د.أحمد الشقاقي
تكاد تفاصيل السياسة التى يشهدها قطاع غزة تعصف بالمشهد برمته، وما بين مبادرة للمصالحة هنا وموقف سياسي واقتراح هناك، يصاب الفلسطيني بحالة فوضى تذهب به في ساعة إلى أحلام بالانفراجات، وأخرى تعيده إلى الواقع ويرسم نفسه بمحددات الأزمات وواقع التقاعد الذي يضرب كافة التفاصيل وحتى أذهان الساسة أصحاب القرار.
غيرت نتائج الانتخابات التشريعية في 2006 الواقع السياسي الفلسطيني، وبعد مشاركة حماس وفوزها بالأغلبية البرلمانية صعدت الى السطح خلافات طرفي الانقسام، ما ترتب عليها في النهاية واقع الخلاف السياسي الفلسطيني. ومنذ اللحظة الأولى أدرك الكثيرون أن حماس تذهب نحو الادارة السياسية بشكل منفرد في توريط من قبل منافسها السياسي بتفاصيل المسئولية في خضم موقف حماس الرافض للتعاطي مع الاشتراطات الدولية، وذهبت الكثير من الأصوات لتطالب حماس بالعودة الى مربع المقاومة بعيداً عن مربع الحكم. غير أن حماس خلال هذه المرحلة تمكنت من توفير بيئة حاضنة للمقاومة، ورعت تطورها، وحافظت على سلاحها، وهو ما يسجل لها في رصيدها. لكن تكلفة الحكم جاءت على حساب المواطن الذي أثقله العدوان والحصار.
أما التوصية التى خرجت بها كتائب القسام لحركة حماس بإحداث فراغ سياسي وأمني وان حملت في شكل الاعلان عنها وتفاصيلها غموضاً، إلا أنها تتوافق مع عنوان مهم وهو التخلي عن التزامات السلطة، وبالتالي فإن تمكن الارادة السياسية لدى حماس من الخروج بشكل كامل من الهيئات السياسية التى تشكلت على اثر اتفاقات التسوية يعتبر انجازاً وطنياً يجب التحفيز باتجاهه حتى يضمن الفريق المقاوم أن يتحرك بمرونة أكبر وبتأثير أعلى.
من المهم القول إن دعوة القسام جاءت مفتوحة وغير مسقوفة بزمن محدد، وبالتالي فهي عرضة لأن تصبح تهديداً وورقة للمناورة، وهو ما يفقدها جوهرها المقاوم الذي يزعج الاحتلال ويجعل مسألة المواجهة المباشرة في قمة سلم الخيارات الفلسطينية .
الموقف القسامي يعني أن أروقة العسكر داخل حماس تعي خطورة المشهد، وقادرة على ضبط بوصلتها بشكل أكبر من المنظومة السياسية، كونها تنطلق في عملها من التزام وطني مخطط يعي ضرورة أن تواصل المقاومة جهوزيتها للتصدى للاحتلال، وبالتالي فإن ارتفاع وتيرة الازمات سيعمل على استنزاف القدرات نحو الخدمات العامة، وهو ما تحاول المقاومة تجاوزه وتركيز أدائها في ملف العمل المقاوم وتطوير الامكانات العسكرية لقوى المقاومة وتشكيلاتها العسكرية.
المشهد الذي رسمته الدعوة للفراغ السياسي والأمني، صاحبه نشاط للجنة التكافل الوطني والتى خرجت من غزة وبجعبتها مشاريع تعمل على التخفيف من معاناة الناس وتضم توجهات حزبية مختلفة، هذه اللجنة التى بدأت نشاطها بمناقصة لصالح وزارة الصحة بغزة يؤكد أنها في أقل التقديرات ذاهبة نحو لعب دور شبيه بلجنة الإعمار القطرية.
ويمكن القول إن مسألة إدارة غزة مهمة صعبة ومعقدة ولا يمكن أن تقوم لجنة تكافل بهذا الدور، لكن المحاذير أن يكون الفاعل السياسي يصنع واقعاً بحكم الأزمات، تلعب فيه هذه اللجنة دوراً محورياً في التخفيف من معاناة الناس وبالتالي تصبح صاحبة التأثير، بعد أن عجزت الأروقة الحكومية الرسمية أو البديلة أن تقوم بها.
جملة من المشاهد المتراكمة تصنع المرحلة المقبلة: الاول دعوة القسام، والثاني نشاط لجنة التكافل، والثالث موقف السلطة في رام الله تجاه الموظفين وسياسة التقاعد التى ستطال كافة الموظفين وفق ما يتم تسريبه، والرابع الإعلانات المتكررة عن انفراجة بآلية عمل معبر رفح البري. هذه المشاهد مجتمعة تجعل من الساحة مقبلة على تغيير دراماتيكي في المواقع والمواقف.
من المهم القول إن تكلفة السلطة في غزة أرهقت المواطن ووضعت برنامج المقاومة أمام تحدٍ صعب يتمثل في كيفية تعزيز صمود الناس، وحماس التى تدير القطاع تواجه مشكلة في هذا المسار، وأبو مازن أخذ قراره بتحميل حماس الفاتورة بشكل كامل. هذه العوامل مجتمعة تدفع الساحة للبحث عن اي مخرج انساني للأزمة المتفاقمة في القطاع وبالتالي فإن خيار العودة للقطاع من البوابة الانسانية سيسمح لدحلان وفريقه بأن يصبحوا جزءاً من هذا المنظومة الجديدة الآخذة في التشكل.
لجنة التكافل خلال الفترة الماضية مارست دوراً انسانياً بالقطاع، وقدمت العديد من المشاريع التي استفاد منها أهالي غزة، فهل هذه التجربة التي حظيت بتأييد واسع من أطياف العمل السياسي ستكون مدخلاً لتتحمل الإدارة المدنية للقطاع وفق ما طرح اقتراح القسام؟