نشر بتاريخ: 17/08/2017 ( آخر تحديث: 17/08/2017 الساعة: 17:27 )
الكاتب: د. وليد القططي
كتب المفكر الإسلامي الثائر علي شريعتي في كتابه (العودة إلى الذات) أن الإمبراطور الروسي بطرس الأكبر كان يدرس في هولندا قبل توليه العرش، وكان يرى عمران هولندا ورقيها ويحزن على خراب روسيا وانحطاطها، وكان يفكر ما العمل؟ وفجأة اكتشف أن السبب الرئيسي في تقدم هولندا وعظمتها أن الرجال الهولنديين يحلقون لحاهم بالموس كل صباح، وعلى العكس من ذلك فإن السبب الرئيسي في تخلف روسيا وتأخرها هو أن الرجال الروس لا يحلقون لحاهم ويتركونها كثة طويلة مدلاة حتى السرة... وعندما عاد إلى وطنه وتوّلى العرش إمبراطوراً على روسيا أصدر أوامره بأن تجتث هذه اللحى باعتبارها سبب التخلّف والانحطاط في روسيا؛ ولكن الرجال أصحاب اللحى في روسيا لم يتقبلوا ذلك وقاوموه بشدة فاندلعت نيران (ثورة اللحى) فقد فيها الشعب الروسي عدة أميال من اللحى، وفي مقابلها لم يحصل على شيء قط، ربما كانت النتيجة الواقعية والأثر العيني لهذه الثورة على اللحى من نصيب الشركات الهولندية التي كانت تصنع شفرات الحلاقة.
هذه القصة يرويها فيلسوف الثورة الإيرانية علي شريعتي لاتخاذها مثلاً على الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات والشعوب والأمم التي تخطئ في فهم السبب الحقيقي لمشكلاتها، والتي تُفسر أزماتها بطريقة غير منطقية، والتي تقرأ واقعها السيئ بمنهجية غير علمية... ومن ثم تقوم بأعمال وتصرفات وإجراءات بناءً على هذا الفهم الخاطئ والتفسير غير المنطقي والقراءة غير العلمية؛ فتفشل في حل مشكلاتها وتجاوز أزماتها والتخلّص من واقعها السيئ... فتقوم كل مرة بأعمال عشوائية وتصرفات متخبطة دون أن تُراكم التجارب والخبرات السابقة لتصحيح مسارها وتصويب اتجاهها والاقتراب من تحقيق أهدافها، وكأنها مُصابة بمرض (عُصاب المصير) الذي يُصيب الأفراد والجماعات والشعوب فتُكرر أخطائها الفادحة وتُعيد تجاربها الفاشلة وتعاود إنتاج مآزقها المستعصية، دون أن تستخلص العبر والدروس منها فتظل تدور في حلقةٍ مفرغة يضيع فيها الجهد والوقت والمال دون جدوى أو فائدة.
وقصة بطرس الأكبر مع اللحى تتكرر بصور وأشكال متعددة عند بعض الأمم والشعوب والجماعات، ونحن لسنا بدعاً من الشعوب، بل نحن أقرب من غيرنا – مع الأسف – لهذه القصة، وإلاّ كيف نُفسر استمرار مأزقنا الداخلي العميق منذ أكثر من عقدٍ من الزمان، والحديث هنا لا يتعلق بالاحتلال رغم كونه أساس كل أزماتنا ومصدر كل آلامنا وسبب كل مآزقنا، ولكن الحديث يتعلق بفشلنا في إدارة علاقاتنا الداخلية والتوّصل إلى صيغة معقولة للمشاركة السياسية وتحقيق وحدتنا الوطنية. وآخر فصول هذه القصة المأساوية هو الدعوة لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله، والدعوة لإيجاد فراغ سياسي وأمني في غزة.
الدعوة لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله سبتمبر القادم، دعوة متكررة كلما شعرت السلطة في رام الله أنها في مأزق وتحتاج إلى شرعية جديدة وتفويض جديد للمُضي قُدماً في سياستها اعتقاداً من قادة السلطة والمنظمة أن هذا سيخرجهم من مأزق تآكل الشرعية وتراجع الشعبية وفشل مشروع أوسلو في تحقيق الحد الأدنى من المشروع الوطني الفلسطيني... والدعوة لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بدون توافق وطني وتحت حراب الاحتلال في رام الله، وبدون حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وبشكل يناقض اتفاق القاهرة عام 2011 وإعلان القاهرة عام 2005، ويخالف مبدأ المحافظة على منظمة التحرير الفلسطينية إطاراً جبهوياً عريضاً وائتلافاً وطنياً شاملاً وإطاراً جامعاً ومرجعية عليا للفلسطينيين في الوطن والخارج... لن يُساهم في الخروج من المأزق الفلسطيني بشقيه الحياتي والوطني، ولن يكون أكثر من صورة أخرى من ثورة اللحى العبثية.
والدعوة لإيجاد فراغ سياسي وأمني في غزة التي جاءت في (مبادرة القسام) كما جاءت في وكالات الإعلام المختلفة ليست بعيدة عن هذه المنهجية في معالجة الأزمات، فهي مبادرة غير عملية ويُصعب تطبيقها ومن المشكوك فيه أن تحل أزمات غزة أو تساهم في الخروج من المأزق الفلسطيني، وكان الممكن أن يكون لها جدوى لو جاءت في إطار رؤية وطنية شاملة للخروج من مسار أوسلو برمته، وتجد حلولاً لإشكالية الجمع بين السلطة والمقاومة، وتُعيد توجيه بوصلة الصراع نحو العدو المركزي المُغتصب لفلسطين، وتؤكد على أننا في مرحلة تحرّر وطني هدفها تحرير الأرض والإنسان قبل إقامة الكيان الوطني... والمبادرة أقرب إلى الرسالة التي خرجت من قاع بئر المأزق العميق في غزة، ومضمون الرسالة موّجه لكل الأطراف: (إسرائيل) والسلطة والإقليم والمجتمع الدولي... وربما الرسالة الأهم للمطالبين بحل اللجنة الإدارية العليا بأن البديل هو الحكم العسكري وليس أي شيء آخر.