السبت: 30/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

عقد المجلس الوطني الفلسطيني:تحديات وفرص

نشر بتاريخ: 19/08/2017 ( آخر تحديث: 19/08/2017 الساعة: 12:28 )

الكاتب: د. نايف جراد

تثير الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني جدلا في الساحة الفلسطينية، حول دواعي انعقاده وكيفيته ومكانه ونصابه والهدف من عقده ومخرجاته. ويدلي الكثيرون بدلوهم في هذا الشأن بعلم وبغير علم، وفي ما كتب ويكتب ثمة أفكار وآراء مهمة وقيمة بلا شك، ولكن ثمة أخطاء ولغط تدل على جهل بتاريخ المجلس الوطني الفلسطيني وتكوينه وعدد أعضائه وتوزعهم وغيرها من المسائل.
وإذ تستهدف هذه المقالة تقديم اجتهاد حول التحديات التي تواجه عقد المجلس الوطني والبحث في الفرص الممكنة لمواجهة تلك التحديات، فإن الكاتب يود بداية أن يوضح بعض المعطيات والإحصائيات التي لا بد من توضيحها حتى يستقيم الحديث عن المجلس الوطني بشكل علمي وموضوعي.
المجلس الوطني الفلسطيني: تاريخ ومعطيات
• تأسس أول مجلس وطني فلسطيني على يد الحاج أمين الحسيني عام 1948، وهو الذي أعلن استقلال دولة فلسطين بتاريخ 1/12/1948، وانبثقت عنه حكومة عموم فلسطين التي ترأسها أحمد حلمي عبد الباقي الذي مثل فلسطين في جامعة الدول العربية، وظل يمثلها إلى أن توفي في حزيران عام 1963، فقام مجلس الجامعة العربية باختيار أحمد الشقيري في 19/9عام 1963 خلفا لعبد الباقي، وكلفه لاحقا بالعمل من أجل " اعادة تنظيم الشعب الفلسطيني وإبراز كيانه الوطني، شعبا موحدا وليس مجرد لاجئين".
• المجلس الوطني الفلسطيني الحالي يعتبر نفسه امتدادا للمجلس الوطني السابق، وتأسس هذا المجلس في أواخر أيار عام 1964 ممثلا بمؤتمر شعبي واسع ضم 422عضوا من الشخصيات الفلسطينية التي تمثل تقريبا كافة تجمعات الشعب الفلسطيني وقواه السياسية آنذاك ( يذكر موقع المجلس الوطني الفلسطيني الرسمي الجديد رقمين مختلفين للعدد، أحدهما في كشف الدورات وهو 422، والثاني في نشأة المجلس وهو 433(https://www.palestinepnc.org)، ويذكر الحمد وأخرون(1997)، ص 331، أن العدد هو 114عضوا، وينقل مقرر "فلسطين والقضية الفلسطينية الصادر عن جامعة القدس المفتوحة عام 2014 نفس الرقم اعتمادا على هذا المصدر في ص394) ، وقد تمثلت في المجلس التنظيمات السياسية الفلسطينية العاملة آنذاك، ومنها حركة "فتح" التي تمثلت بشكل رمزي. فيما عارض الحاج أمين الحسيني انعقاد المؤتمر، و رفض حزب التحرير الفكرة رفضا تاما.
• المجلس الوطني الفلسطيني الأول انعقد في القدس( وليس في القاهرة كما ذكر أحد برامج تلفزيون فلسطين مؤخرا) في الفترة ما بين 28/أيار- 2/حزيران/1964، وهو الذي أعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية وقرر إنشاء الصندوق القومي الفلسطيني، وأقر النظام الأساسي للمنظمة واللائحة الداخلية للمجلس و" الميثاق القومي الفلسطيني"، وقرر تشكيل وحدات عسكرية من أبناء فلسطين، عرفت لاحقا باسم جيش فلسطين، وتقرر تسميتها في دورة المجلس الوطني عام 1968 ب" جيش التحرير الفلسطيني".
• عقد المجلس الوطني الفلسطيني منذ تأسيسه وحتى اليوم "21" دورة، منها دورة غير عادية عام 1988. كما عقد دورتين استثنائيتين عامي 1970 و 1972( ويذكر الكشف الجديد للدورات على موقع المجلس الوطني أن دورة استثنائية واحدة قد عقدت، بينما يذكر موقع مركز المعلومات الوطني أنها دورتين) كما عقد المجلس الوطني اجتماعا خاصا لاستكمال عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة بتاريخ 27/8/2009 في رام الله( وللأسف يعتبره كشف صادر عن مركز المعلومات الوطني – وفا بأنه دورة ويعطيها رقم 22!!!).
• لم يقم المجلس الوطني الفلسطيني بإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني في دورته الحادية والعشرين المنعقدة في نيسان عام 1996 في غزة، كما يرد على لسان الكثيرين، بل قرر نصا:" يتم تصحيح الميثاق الوطني الفلسطيني على نحو تلغى معه كافة الفقرات التي تتعارض مع الرسائل المتبادلة( الاعتراف المتبادل) بين( م.ت.ف) ودولة اسرائيل وتكليف المجلس الوطني الفلسطيني اللجنة القانونية بإعادة صياغة الميثاق الوطني على أن يقدم الصيغة الجديدة في الدورة القادمة للمجلس". وحتى هذه اللحظة لم تجتمع اللجنة القانونية لتقدم الصيغة الجديدة.
• أما الاجتماع الذي يقال عنه أنه اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 14/12/1998، والذي حضره الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، وقيل أن الحاضرين فيه صوتوا برفع الأيدي لإلغاء الميثاق الوطني، فهو لم يكن اجتماعا للمجلس الوطني، بل اجتماعا شعبيا واسعا، ليس له صفة السلطة العليا التشريعية والتقريرية التي للمجلس الوطني.
• تعتبر المادة "4" من النظام الأساسي للمنظمة أن الفلسطينيين جميعا أعضاء طبيعيين في المنظمة.
• إن الأصل في عضوية المجلس الوطني الفلسطيني هو الإنتخاب بناء على المادة(5) من النظام الأساسي للمنظمة، والذي يحكمه " نظام انتخاب أعضاء المجلس الوطني" الذي قررت به الدورة الأولى للمجلس وصدر في السابع عشر من تموز/يوليو 1965. ولأن ظروف الانتخاب لم تتهيأ بسبب الشتات وغياب الموافقة العربية، جاء نص المادة "6" ليؤكد بقاء المجلس مستمرا بعضويته إلى حين توفر ظروف إجراء الانتخابات، وهو الأمر الذي توفر سابقا لانتخابات جزء من حصة الداخل عام 1996، ولاحقا عام 2006 والمتمثلة حاليا بأعضاء التشريعي. وقد جرت سابقا محاولات لاجراء انتخابات لأعضاء المجلس الوطني في بعض تجمعات الخارج، ولكنها لم تتعدى كونها اجتماعات موسعة.
• اختلف عدد اعضاء المجلس الوطني تاريخيا. فبينما كان العدد 422 في المؤتمر التأسيسي انخفض الى 100 عام 1968، ثم ارتفع الى 187 عام 1974، وعاد وانخفض إلى 141 في الدورة 13 عام 1977، ومن ثم أخذ بالازدياد إلى ان وصل عام 1991 الى 483. وفي الدورة الأخيرة عام 1996 وصل إلى 730. ولعبت ظروف الساحة الفلسطينية وتطور منظمة التحرير ومؤساتها وقواعدها الشعبية ومستجدات الأوضاع التنظيمية لفصائل العمل الوطني دورا في اختلاف العدد. وقد نصت المادة "32" من النظام الأساسي للمنظمة على أنه: "يحق للمجلس الوطني، وتعود له وحده صلاحية ضم أعضاء جدد اليه من حين لآخر، حسبما يرى ذلك ملائما، وبحسب ما تمليه متطلبات معركة التحرير ومقتضيات تعميق الوحدة الوطنية، في ضوء أحكام الميثاق الوطني، وذلك وفق نظام تقدمه اللجنة التنفيذية في الدورة المقبلة".
• يذكر موقع المجلس الوطني الحديث أن عدد أعضاء المجلس الوطني اليوم هو691 عضوا، موزعين كالآتي: الضفة 374، غزة 130، الأردن 60، باقي الدول العربية 83 وباقي دول العالم 44. ويوجد 93 شاغرا في العضوية منها 17 شاغرا للفصائل والمنظمات الشعبية و76 شاغرا من المستقلين، كما يوجد 13 عضوا معتقلا في سجون الاحتلال.
• يذكر تقرير صادر عن وكالة الأنباء الفلسطينية " وفا" بتاريخ 17/8/2017، أن "عدد أعضاء المجلس الوطني الأحياء 693 عضوا"، بينما يذكر كشف دورات المجلس الوطني على موقع المجلس الوطني، أنه وفي آخر دورة للمجلس( الحادية والعشرين التي انعقدت في غزة في نيسان 1996) بلغ عدد الأعضاء730. فلو احتسب عدد الشواغر بسبب الوفاة من الفصائل والتنظيمات الشعبية وهو 17 شاغرا، وعدد 76 شاغرا من المستقلين، لأصبح العدد 784 عضوا( ويذكر موقع ويكيبيديا أن العدد هو 765 عضوا، وذات الرقم يذكره رئيس تحرير"معا" في مقالة نشرت له مؤخرا ويورد فيها نفس أرقام حصص المشاركين في المجلس كما أوردها موقع ويكيبيديا)، وهو يزيد بكثير عن عضوية آخر دورة للمجلس. ومن الملفت للنظر أن موقع المجلس الوطني الفلسطيني يورد أن عدد أعضاء المجلس الوطني هو 691 عضوا، دون أن يذكر أنهم الأحياء فقط. ويحسب الموقع نصاب المجلس من عدد 691، والذي ينص النظام الأساسي للمنظمة واللائحة الداخلية للمجلس أنه يتكون من ثلثي أعضاء المجلس، أي 460 عضوا، ولم يحتسب النصاب من عدد 730 والمفترض أن يبلغ 486 عضوا !!!
إن هذا الاختلاف بالأرقام والأعداد، يمكن توضيحه من خلال معرفة ما تم بالدورة الحادية والعشرين عام 1996. فعدد أعضاء المجلس الوطني في الدورة العشرين المنعقدة في الجزائر عام 1991 كان قد بلغ 483 عضوا. لكن عضوية المجلس كانت تتضمن أيضا حصة للداخل الفلسطيني، لم تكن تحتسب من النصاب ولم تكن مسماة بسبب الخوف من الاجراءات الاسرائيلية بحقهم، وهي حصة حددها المجلس الوطني في دورته الخامسة عشرة المنعقدة في دمشق عام 1981 بعدد 180 عضوا. وقد أضيفت هذه الحصة لنصاب المجلس في دورته الاخيرة إلى جانب أعضاء المجلس التشريعي الذين اعتبروا حسب قانون الانتخابات رقم 9 لعام 1995 أعضاء طبيعيين في المجلس وكان عددهم 88 عضوا. أي أن العدد من المفترض أن يصل الى 751 عضوا، لكن عددا من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني من دوائر الخارج انتقل للداخل وشارك في انتخابات التشريعي ومنهم من تولى مواقع في الداخل دخلت في حساب حصة الداخل، ولذا احتسب العدد 730. أما الرقم 765 فمرده إلى أن الرئيس الراحل ياسر عرفات وبالتشاور مع رئاسة المجلس الوطني قد حرص على إدخال أكبر عدد من كادرات منظمة التحرير الفلسطينية إلى الداخل مستغلا فرصة انعقاد المجلس الوطني، فأدخل عددا منهم كأعضاء عاملين في المجلس، وآخرين وبعدد كبير كأعضاء مراقبين. وبعد أن انفض المجلس تمت عملية تدقيق الكشوفات واستقر الأمر على عدد 730.
وبعد العام 2006، وإذ أصبح أعضاء المجلس التشريعي 132 عضوا، فمن الطبيعي أن يزداد عدد أعضاء المجلس الوطني، حيث من المفترض أن يصل إلى 774 عضوا وهو يقل عن الرقم المجموع سابقا ب"10" أعضاء. ويبقى السؤال أي عدد هو الصحيح؟؟؟
• أما موضوع النصاب، ومن أي عدد يحتسب، فهو أمر بحاجة لتفسير دستوري، هل يحتسب من العدد الكلي للمجلس أم من عدد الأحياء فقط؟ ولنا في تجارب برلمانات عربية شقيقة وأخرى أجنبية أمثلة ومنها اللبناني الذي اجتهد فقهاؤه على أن المبدأ المعتمد هو "أن أكثرية الثلثين التي "تؤلف المجلس هي أكثرية الأعضاء الأحياء ولا يحسب الأعضاء "المتوفون"( http://www.14march.org/archive-details.php?nid=MTQ3MDI5). ولا أدري ان كانت أعراف المجلس الوطني تؤكد ذلك أم لا؟
• وأما بشأن كبر سن أعضاء المجلس الوطني عموما وسن أعضاء مكتب الرئاسة واللجنة التنفيذية بخاصة، فهو ليس بسر، ولعله يشكل سببا وداعي لتجديد عضوية المجلس، لكن الأمر الذي بحاجة لتوضيح، هو أن عضوية المجلس تتكون من ممثلي للفصائل والمنظمات والاتحادات الشعبية وجيش التحرير الفلسطيني والجاليات والتجمعات والمستقلين. ومن المعروف تاريخيا أن هذه العضوية تجددت. وهي عضوية في معظمها منتخبة في أطرها ومؤسساتها باستثناء المستقلين الذين جرت العادة على التوافق بشأنهم بين رئاسة المجلس واللجنة التنفيذية للمنظمة والأمناء العامين للفصائل. وفيما يخص اللجنة التنفيذية تحديدا، والتي وصل عمر احد أعضائها إلى ما فوق سن التسعين، باتت في الآونة الأخيرة تجتمع بصيغة " القيادة الفلسطينية" وهي أوسع من اللجنة التنفيذية، ويستعاض عن الأعضاء المرضى وكبار السن في اجتماعاتها بحضور ممثلين آخرين تحددهم فصائلهم، كما هو الحال مع ممثلي جبهة التحرير الفلسطينية والجبهة الشعبية وحركة " فدا"، وقد أضيف إليها ممثل عن " المبادرة الفلسطينية" بشخص أمينها العام الدكتور مصطفى البرغوثي.
وإجمالا، ثمة حاجة لتجديد العضوية، والامتثال لسنة الحياة وتدافع الأجيال، كما ثمة حاجة ماسة لتوضيح أفضل و أدق من الجهات الرسمية لعضوية المجلس الوطني، على أن يعلن ذلك للعموم وبالاسم الصريح، لأن من حق الشعب الفلسطيني أن يعرف ممثليه في أعلى سلطة تشريعية فلسطينية.
استحقاق عقد المجلس الوطني
في ضوء الأخطار المحدقة بالشعب الفلسطيني، التي تطال مستقبل المشروع الوطني ووحدة كيانه الوطني وتمثيله والشرعية الوطنية والمصير، بات عقد المجلس الوطني الفلسطيني استحقاقا وطنيا ملحا. وينبع هذا الاستحقاق من المحددات الآتية:
1. إنسداد آفاق العملية السياسية ووصولها الى مأزق خطير، نتيجة السياسة الاسرائيلية التي تدمر خيار الدولتين، من خلال تكثيف الاستيطان وتهويد وعزل القدس وفرض سيادتها على الأقصى الشريف وحصار وعزل غزة وفرض الوقائع الاحتلالية على الأرض التي تكرس نظام الفصل العنصري، ونتيجة أيضا لانحياز الادارة الأمريكية لاسرائيل وعدم القدرة على إحداث انفراج في هذه العملية نتيجة غياب ارادتها في ممارسة الضغط اللازم على الحكومة الاسرائيلية لتنفيذ التزاماتها التي توفر ظروفا ملائمة لاستئناف المفاوضات.
2. تمادي حركة حماس في تكريس سيطرتها على قطاع غزة وتشكيلها لحكومتها الخاصة ( اللجنة الادارية) وعقد تفاهمات بين قيادتها ودحلان لإدارة القطاع، الأمر الذي يكرس الانقسام ويمهد لانفصال غزة كليا ويوفر أرضية مناسبة لنفاذ المشاريع البديلة للدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67، ويجعل اسرائيل تستفرد بالقدس والضفة الغربية، في ظل الوضع الداخلي الصعب والوضع العربي المتردي. وهو الأمر الذي يتفاقم عبر دعوة كتائب القسام لاحداث فراغ اداري وأمني في غزة قد يمهد لفوضى وحروب مدمرة.
3. ضرورة تجديد شرعية المؤسسات والهيئات المركزية الفلسطينية واستنهاض دورها، وخطورة بقاء حالة الترهل والتآكل التي تعتريها، والتي تترك فراغا تستثمره القوى الأخرى للمساس بالشرعية الوطنية ووحدة التمثيل الوطني، وحتى لا يبقى هذا التجديد رهينة بيد حماس ومفاعيل الانقسام والمستفيدين منه، وبالتالي ضرورة وضع حد للقدرة التعطيلية لحماس وأصحاب الأجندات الخاصة في انجاز المصالحة الوطنية وتجديد الشرعيات. وقد بات من الواضح أن حماس تعتبر نفسها بديلا لمنظمة التحرير، وهي حتى هذه اللحظة، ورغم تغيير ميثاقها بوثيقة سياسية جديدة، لا تعترف بالمنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وقد سعت وتسعى لتشكيل أطر تمثيلية لها كـ "مؤتمر فلسطينيي الخارج" وأطر واتحادات ونقابات شعبية ومهنية، لتشكك بالتمثيل وتطالب به لنفسها حين تحين الظروف المناسبة، طارحة اليوم شروطا تعجيزية لعقد المجلس ومطالب بتمثيلها بنسبة عالية تمكنها من قيادة المنظمة ببرنامجا الخاص.
4. أهمية وضرورة استثمار عناصر القوة الفلسطينية الكامنة والمتوفرة لدى كافة مكونات شعبنا في الداخل والخارج وعلى الصعيدين الرسمي والشعبي، والتي تشكل عامل ضغط لصالح القيادة الفلسطينية في مواجهة الحكومة الاسرائيلية ومن يدعمها، وتشكل سياجا حاميا للشرعية واستقلالية الارادة الوطنية وللاستراتيجية السياسية الوطنية، التي تستطيع الصمود في مواجهة السياسة الهجومية الاسرائيلية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتوفير آليات الالزام الدولية لإحقاق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
5. أهمية وضع حد للغط الدائر حول خلافة الرئيس عباس، عبر اتخاذ قرارات دستورية من أعلى سلطة للشعب الفلسطيني، والمتمثلة في المجلس الوطني الفلسطيني.
لماذا المجلس الوطني؟
إن الظروف الراهنة والمخاطر والتهديدات المحدقة بشعبنا والمشروع الوطني تضعنا على مفترق طرق، وتطرح أسئلة كثيرة حول البرنامج الوطني والاستراتيجية الوطنية والوحدة الوطنية وأشكال الكفاح والوسائل الملائمة للمرحلة القادمة القادرة على تحقيق الأهداف والغايات، وهي مسائل جوهرية ومصيرية، لا تستطيع أي مؤسسة أو هيئة فلسطينية أخرى منفردة، غير المجلس الوطني الفلسطيني، أن تأخذ على عاتقها القيام بهذه المهمة منفردة في ظل الانقسام والخلاف وتآكل الشرعيات. فمنظمة التحرير الفلسطينية، ورغم كل الملاحظات المثارة حولها من ترهل وشيخوخة وشلل وغياب وتغييب ، ورغم محاولات البعض المساس بصفتها التمثيلية، إلا أنها لا زالت تحظى باعتراف وطني واقليمي ودولي بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وتنضوي في صفوفها وقيادتها معظم فصائل وقوى العمل الوطني باستثناء حماس والجهاد الاسلامي. و تمثل المنظمة، ورغم تنكر حماس لها، المرجعية الوطنية العليا، السياسية والقانونية، للسلطة الوطنية الفلسطينية، التي تقرر بالمسائل المصيرية والإستراتيجية للشعب الفلسطيني. وبالنسبة للمنظمة فان المجلس الوطني الفلسطيني وحسب نص المادة 7-أ من النظام الأساسي للمنظمة: "...هو السلطة العليا لمنظمة التحرير، وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها".
ويمثل المجلس الوطني كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، بما فيه أعضاء المجلس التشريعي حسب قانون انتخابات المجلس التشريعي رقم 9 لعام 2005، ومنهم 70 عضوا من حماس وآخرين من انتماءات حزبية اسلامية متنوعة كالجهاد الاسلامي/ بيت المقدس وجبهة الخلاص الاسلامي والمسار الاسلامي وآخرين مستقلين. وقد سبق وأن تشكلت لجنة تحضيرية للبحث في سبل عقد المجلس، اجتمعت 5 مرات كان آخرها في مطلع هذا العام (2017) في بيروت، وبمشاركة كل الفصائل والقوى بما فيها حماس والجهاد الاسلامي والقيادة العامة والصاعقة. وأكدت اللجنة التحضيرية في ذلك الاجتماع على ضرورة عقد مجلس وطني يضم كل الفصائل على أساس إنهاء الانقسام وتنفيذ اتفاقات المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تمارس صلاحياتها في جميع أراضي السلطة الوطنية بما فيها القدس وفقا للنظام الأساسي للسلطة. كما دعت إلى المزيد من الحوارات للتوافق الوطني على عقد المجلس. وإذا كانت الظروف في الثلث الأخير من العام الماضي قد أملت ضرورة دعوة المجلس الوطني للانعقاد، وجرت محاولة لعقد دورة طارئة له بمن حضر و" اختلطت على أصحاب النهي الأمور" كما يقول رئيس المجلس السيد سليم الزعنون، والتي جوبهت بموقف رافض وحسم الأمر بالتأجيل والعمل من أجل عقد دورة عادية للمجلس تحضرها جميع القوى والفصائل، حيث وجهت الدعوة لحماس للمشاركة في اللجنة التحضيرية، وبعد رفض ومماطلة، شاركت في الاجتماع الأخير، فإن ظروف اليوم هي أكثر الحاحا لعقد مجلس جديد أو دورة عادية للمجلس. وفي هذا السياق جاءت توصية اللجنة المركزية لحركة"فتح" ومن ثم موافقة اللجنة التنفيذية. وبالتالي لم يعد أمام القيادة الفلسطينية سوى الاعداد الجيد لتذليل العقبات وتهيئة الظرف المناسب والمكان المناسب لعقد المجلس بأسرع وقت ممكن.
العقبات أمام انعقاد المجلس
لا شك أن ثمة عقبات كثيرة أمام انعقاد مجلس وطني فلسطيني جديد بمشاركة كل القوى والفصائل، ويأتي في مقدمة هذه العقبات رفض حركة حماس، التي اشترطت سابقا ولا زالت تشترط نسبة من عضوية المجلس تعادل نسبة نجاحها في انتخابات التشريعي عام 2006، والتي تعادل 57.6%. وكانت قد اشترطت قبيل عقد الدورة الحادية والعشرين للمجلس عام 1996 أن تحصل على نسبة 45% من عضوية المجلس آنذاك. وبالطبع فإن هذا شرط مرفوض من قبل حركة فتح أكبر قوة في المجلس الوطني والممسكة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كما أن فصائل فلسطينية غير فتح ترفضه أيضا. وبديلا لذلك، تطرح حركة فتح والرئيس الفلسطيني محمود عباس وبقية الفصائل مبدأ آخر لاحتساب التمثيل ألا وهو إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في الداخل وحيثما يمكن في الخارج. وتقبل حماس من حيث المبدأ هذا الطرح، لكنها عمليا ترفض قبول الذهاب للانتخابات، مفضلة بقاءها في السلطة تحكم غزة وتسيطر عليها على أن تغامر وتجازف باحتمال خسارتها.
أما العقبة الثانية فهي مكان الانعقاد. فإذا عقد في رام الله، كما يريد البعض، فإن بعضا آخر، يرفض أن يحضره في رام الله، كما يقول، تحت حراب الاحتلال، ويتخوف البعض من اقدام الحكومة الاسرائيلية على منع دخول أعضاء المجلس من الخارج إلى الضفة الغربية، والبعض الآخر يرى أن عقده في رام الله سيجعله أداة طيعة بيد الرئيس محمود عباس. وعليه قد يكون مكان الانعقاد سببا لبعض الفصائل لعدم الحضور.
ويتخوف البعض من المتحمسين لعقد المجلس من فقدان النصاب القانوني لانعقاده أي الثلثين، ولذا يفضلون عقد دورة طارئة بمن حضر، لكن عقد دورة طارئة يرفضه الكثيرون، وقد سبق رفضه كما ذكر آنفا، ولذا فإن الضرورة تقتضي العمل سريعا من أجل عقد مجلس وطني جديد، وإذا ما استمر رفض حماس، يعقد مجلس بدورة عادية، وليس من الصعب توفير نصابها بقليل من الجهود. و لا بأس من التفكير بمكان آخر لعقد المجلس واعقد أكثر من حلقة في ذات الآن واستخدام تقنية الفيديو كونفرنس.
إن العقبة الأكبر في انعقاد المجلس هي التوافق على برنامج المرحلة القادمة والقرارات المصيرية السياسية والتنظيمية التي يفترض أن يتصدى المجلس لصياغتها. ولا شك بأن هذه العقبة لا يمكن تخطيها إلا بحوار وإعداد مسبق من قبل اللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس وممثلي الفصائل المنضوية في إطار المنظمة. ويذكر السيد سليم الزعنون رئيس المجلس، أنه قد تم سابقا تشكيل لجنة فرعية لإعداد مشروع البرنامج السياسي، وعليه يمكن تفعيل هذه اللجنة.
أما الضغوطات الخارجية على القيادة الفلسطينية وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأقطاب الاقليميين، فهي بلا شك تشكل عقبة أمام الانعقاد وطبيعة ومخرجات المجلس المراد عقده. ولكن وفي مطلق الأحوال فإن التعامل معها يأتي في سياق دواعي وأسباب العقد ذاتها، وخاصة لجهة مواجهة تلك الضغوط وتأكيد استقلالية الارادة الفلسطينية والقرار الفلسطيني المستقل.
وثمة عقبات أخرى تلقي بظلالها على عقد المجلس تتمثل بطغيان الخلافات الشخصية بشأن المناصب والتمثيل في المؤسسات والهيئات التي سينتخبها المجلس، أي هيئة مكتب رئاسته واللجنة التنفيذية. وهذا أمر يعود حسمه أساسا لحركة " فتح " كونها القوة الأكبر في المجلس والمنظمة، وبالتالي يمكن التغلب عليه باتخاذ قرارات حاسمة تتوخى اختيار أشخاص مناسبين ومقبولين على نطاق حركي ووطني وشعبي واسع يستطيعون القيام بالمهام الموكلة إليهم في قيادة دفة العمل التشريعي والتنفيذي بجدارة في الفترة القادمة.
الفرص المتاحة
رغم المخاطر والتهديدات المحدقة، ثمة فرص يمكن استثمارها وتوفيرها من خلال عقد المجلس الوطني:
1. عقد المجلس يشكل فرصة للضغط باتجاه إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة والوحدة الوطنية؛
2. تجديد عضوية المجلس الوطني وإنصاف الشتات والمرأة والشباب، وتجديد عضوية ورئاسة مكتب رئاسة المجلس واللجنة التنفيذية، أي تجديد جزء أساسي من الشرعيات الوطنية، وهو الأمر الممكن من خلال تعديل النظام الأساسي للمنظمة واللائحة الداخلية للمجلس ونظام انتخاباته، واتخاذ قرارات أو توجهات بشأن دستور دولة فلسطين باتجاه ترسيخ علاقات عضوية وتكاملية بين رئاسة المنظمة والسلطة والدولة على أساس الفصل الوظيفي وشخوص الرئاسات؛
3. تفعيل مؤسسات وهيئات ودوائر المنظمة وخاصة دوائر شؤون اللاجئين والمغتربين والدائرة السياسية والعلاقات العربية بالتنسيق مع وزارة الخارجية وسفارات دولة فلسطين، والمنظمات الشعبية، وإعادة الاعتبار للعمل الشعبي في مواقع اللجوء مع الحرص على وحدة التمثيل الوطني في إطار منظمة التحرير ورفض كل أشكال البدائل.
4. اتخاذ قرارات سياسية لمواجهة السياسة الاسرائيلية والبناء على ما تحقق في هبة الأقصى ألأخيرة والمقاومة الشعبية، وتأييد قرارات السيد الرئيس بوقف الاتصالات والتنسيق الأمني واشتراطات العودة لاستئنافها.
5. التأكيد على إعادة الاعتبار لمهمة التحرر الوطني للمنظمة، وتكامل أشكال النضال المشروعة، واعتماد المقاومة الشعبية السلمية وحركة المقاطعة والتحرك السياسي والدبلوماسي والقانوني على الصعيد الدولي، و الكفاح في مواجهة العنصرية والفصل العنصري داخل دولة الاحتلال ومن أجل المساواة والحقوق الانسانية والكرامة الوطنية، والتأكيد على وحدة المصير الوطني لكافة أبناء الشعب الفلسطيني أينما تواجدوا.
6. اتخاذ قرارات وتوجهات سياسية تناسب وتدعم القرارات المتخذة بشأن المفاوضات والعلاقة مع دولة الاحتلال و استراتيجية الحماية الدولية والمعركة القانونية: العلاقات مع اسرائيل والتنسيق الأمني؛ الالتزامات التي تفرضها الاتفاقات السابقة والاعتراف باسرائيل وشرعيتها الدولية؛ العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة والدفع باتجاه عقد اجتماع للجمعية العامة تحت بند" متحدون من أجل السلام"Unity for Peace"؛ التوجه لمحكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية.
7. اتخاذ قرار أو توجه بشأن دستور دولة فلسطين من أجل دعم الحصول على العضوية الكاملة وتعزيز الشخصية القانونية للدولة وتوضيح العلاقة العضوية والتكاملية بين الدولة والمنظمة، والفصل الوظيفي والشخصي، ومواجهة من يشكك بالتمثيل الوطني و مظلة الشرعية الفلسطينية ومطالبة الجميع بتأكيد وطنيته من خلال القطع التام مع الانتماءات التنظيمية الأممية وعدم اللعب على المحاور الاقليمية. ويمكن اتخاذ قرار على هذا الصعيد بشأن كيفية اعتماد الدستور من خلال توسيع عضوية لجنة الدستور الحالية لتضم كل الاطياف لتصبح بمثابة جمعية أو هيئة تأسيسية تعرض مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي. فإذا تعذر ذلك معززا بقرار من المحكمة الدستورية، يحال الأمر للمجلس الوطني كبرلمان مؤقت لدولة فلسطين للمصادقة عليه وإن تعذر عقده فيصادق عليه المجلس المركزي. أو الذهاب في أسوأ الحالات إلى إصدار إعلان دستوري.
وهكذا، فإنه يتضح أن عقد المجلس الوطني الفلسطيني بات ضرورة واستحقاقا وطنيا ملحا، يتحمل الجميع في الساحة الفلسطينية مسؤولية العمل من أجل انجاحه، وشعبنا ورغم المخاطر والتهديدات المحدقة لا يعدم الامكانيات اللازمة للخروج من المأزق والتصدي بجدارة لاسحقاقات المرحلة القادمة.