السبت: 30/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

السلفيون في غزة...خطر حقيقي أم مصطنع

نشر بتاريخ: 21/08/2017 ( آخر تحديث: 21/08/2017 الساعة: 15:52 )

الكاتب: عماد توفيق عفانة

تعتبر جريمة التفجير الانتحاري لأحد العناصر المنتسبين للسلفية الجهادية ضد مجموعة من المرابطين على الحدود مع مصر، الأولى من نوعها في قطاع غزة، وقد أثارت الكثير من المخاوف والقلق، حول خطورة التطور في الانحراف الفكري لدى هذه المجموعات المتطرفة ومدى تأثيرها على حالة الاستقرار والأمن العام في غزة، لجهة تكرار مشاهد العبث بدماء الأبرياء كما يحدث في الساحات المجاورة.
ومن حيث أنه بات معلوم مدى تحكم دوائر المخابرات في هذه المجموعات وتحريكها باسم التعصب للدين تارة وللوطن تارة أخرى، لتصبح مجموعات عابرة للحدود ذات ارتباط لا مركزي ليسهل التحكم بها وتحركيها لتنفيذ أجندات مخابراتية لتدمير المجتمعات والدول.
فقد بات معلوم دورها في المخطط الأمريكي لتدمير العراق ومقدراته وتسليمه لإيران، تماما كما حدث مع الثورة السورية وكيف تم تدميرها من الداخل، مما يطرح تساؤلا خطيرة ذات إجابات مرة:
- هل يتم الأن تحريك هؤلاء –باسم السلفية-لموجهة أشرف وأطهر وأوضح مقاومة للعدو الصهيوني، لطعنها من الخلف واشغالها في معارك جانبية تكفي العدو مؤونة أي مواجهة أو حرب قادمة على غرار ما حدث في ساحات مجاورة. !!
- وهل ستقتصر المواجهة مع هؤلاء المضللين على المناطق الحدودية مع مصر أم ستصبح المخيمات وساحاتها وأسواقها المكتظة مسرحا لجرائم انتحارية قادمة؟
هذه التساؤلات المشروعة باتت تدور على ألسنة الشارع الغزاوي قبل ألسنة الأجهزة الأمنية، مما يطرح تساؤلا حول دور المجتمع ككل ومكوناته وقواه الحية في لعب دور فعال في معالجة هذه الظاهرة وعدم اقتصارها على الأدوار المنوطة بالأجهزة الأمنية.
وقد أسهمت عدة عوامل في تطور الفكر السلفي باتجاه التطرف مما سهل على الدوائر الاستخبارية استخدامها توظيفها لتنفيذ أجندات ومخططات الأعداء، ومن هذه العوامل:
- عدم التوظيف المخطط والممنهج من حركة حماس للظاهرة السلفية منذ ما قبل وصولها للحكم عام 2006، والاكتفاء بالاستفادة العفوية من جهود السلفية في جلب الشباب إلى المساجد، وحثتهم على الالتزام الأخلاق والآداب الإسلامية.
- الابتعاد النسبي للصف القيادي التربوي المؤثر في حماس عن المساجد لانخراطهم في شؤون الإدارة والحكم بعد 2006م، ساهم في إفراغ المساجد من المؤثرين تربويا وشعبيا القادرين على استقطاب واستيعاب والتأثير في الأجيال الصاعدة في مجتمع يوصف بأنه جيل فتي ومفرخة للشباب، ما ساعد الفكر السلفي على التمدد والانتشار ليملأ الفراغ النسبي الذي تركته حماس.
- الأخطاء الفردية والسلوكيات المخلة من بعض أفراد أو شخصيات في حماس وفر أرضية لأصحاب الفكر السلفي لاتهام حماس بمجافاة الشريعة والانغماس في أمراض السلطة التي عابها الناس على من كان قبلهم.
ومن هنا تطور هذا الفكر السلفي في اتجاهات منحرفة وصلت حد توجيه الاتهام لحركة حماس بتعطيل تحكيم الشريعة بعد وصولها للحكم، وكان أبرز تجليات هذا الانحراف الفكري ما شهدناه جميعا من أحداث مؤسفة في مسجد ابن تيمية عام 2009، ومقتل عبد اللطيف موسي، الذي أعلن عن قيام إمارته الإسلامية.
معلوم أن السلفية ليست دين جديد ولا ظاهرة وليدة بل لم تنفها أعرق الجماعات الإسلامية على الساحة كجماعة الاخوان المسلمين حيث قال الامام البنا رحمه الله "نحن جماعة روحية؛ وعقيدة سلفية، وحقيقة صوفية، وشركة تجارية، وهيئة سياسية، وفرقة رياضية" الخ.
وكان من أبرز قاماتها الفلسطينيين من جماعة الاخوان الشيخ عبد الله عزام (رحمه الله) الذي كان قائدا للجهاد في أفغانستان، ومن هناك انتشر الفكر الجهادي على شكل مجموعات مقاتلة في طول العالم العربي وعرضه، لمحاربة الظلم بكافة أشكاله ومناهضة الأنظمة المفرطة لتستخدم فيما بعد وتوظف لهدم المجتمعات وإراقة الدماء.
وقد برز التوظيف المخابراتي لهذه المجموعات ذات التنظيم الهلامي اللامركزي أول ما برز في إسقاط التجربة الإسلامية في الجزائر لتحصد نحو 200 ألف ضحية على مدار عشر سنوات مظلمة.
ثم انتقلت تجربة التوظيف المخابراتي من القوى الدولية لهؤلاء المتطرفين في العراق لتحصد الآلة العسكرية الامبريالية والفتنة الطائفية المصطنعة نحو مليون ضحية ومليون معاق وخمسة ملايين لاجئ، ومثلهم في سوريا وليبيا.
وقد تنوع التوظيف المخابراتي للسلفيين الجدد في غزة على وجه الخصوص عبر استقطاب الشباب الغزي الناقم على واقعه واستخدامه في :
- تصدير هؤلاء الشباب المضللين كوقود حرب إلى الساحات الملتهبة الأخرى مثل سوريا والعراق وليبيا وسيناء، وقد شهدنا الكثير من هذه الحالات التي كان بعضها أبناء وجنود مميزون في حماس وكتائب القسام.
- تجنيد بعض هذه المجموعات للقيام بعمليات عسكرية ظاهرها جهادي مقاوم وباطنها مخطط للانتقام من حركة حماس وكتائب القسام بقصف مواقع وأماكن حساسة لتعطيل وعرقلة ماكنة الاعداد والتدريب والتطوير التي لم توقفها حروب ولم تعطلها هدنة أو هدوء.
- تجنيد بعض هؤلاء للعمل كعملاء لتنفيذ عمليات اغتيال لرموز المقاومة كمن قام باغتيال الأسير المحرر والقيادي البارز في كتاب القسام مازن فقهاء.
- دفع بعض هذه المجموعات للصدام مع حركة حماس بحجة تعطيلها الجهاد او لأحكام الشريعة تماما مثلما حدث في احداث مسجد ابن تيمية عام 2009م، وها هو يتكرر قبل أيام على حدود رفح بجريمة التفجير الانتحاري الذي نفذه الانتحاري مصطفى كلاب واودى بحياة أحد كوادر كتائب القسام واصابة آخرين.
وقد عزز من قوة هؤلاء المتطرفين في قطاع غزة وجود تنظيم بيت المقدس التابع لتنظيم الدولة في سيناء، والذي اتخذ خطا معاديا لحماس منذ البداية، والذي يعمل على استقطاب الشباب كوقود حرب في صراعه مع النظام المصري.
ومما ساهم في وقوع الصدام الأخير مع السلفية هو تعاون حماس مؤخرا مع النظام المصري لحفظ الحدود وحمايتها من المتسللين في كلا الاتجاهين، مقابل تسهيلات حياتية وتجارية على معبر رفح لنحو مليوني فلسطيني محاصرين في غزة للعام 11 على التوالي.
بين المواجهة والاحتواء:
ويتراوح حل هذه المشكلة حسب الخبراء بين خيارين هما المواجهة أو الاحتواء، فيما يذهب آخرون إلى إمكانية الجمع بينهما.
وقد اتبعت حماس فيما سبق هذين الخيارين عبر المعالجات الأمنية والتي يتبعها حوار لجهة بيان الحقائق وتجلية الصورة وتفسير واضاءة الجوانب المظلمة من المآخذ لهؤلاء على حركة حماس، إلا أنه يبدو أن هذه المعالجات لا تؤتي الثمار المأمولة منها، لذا وكما ينصح الخبراء على حماس القيام بـتوسيع دائرة المعالجة لهذه الظاهرة عبر:
- إشراك قوى المجتمع المختلفة والمتنوعة إلى جانب الجهود الأمنية والتوعوية في حصار هذه الظاهرة وتقليصها إلى أبعد الحدود.
- تنظيم القوى والمؤسسات المجتمعية ووسائل الاعلام على اختلافها لحملات توعية فكرية وتثقيفية للأجيال الشابة لتحصينها من الانجراف القاتل خلف هذه الظاهرة المنحرفة عن الدين وأعراف المجتمع.
- تنظيم حوار قيادي بشكل مباشر أو عبر وسطاء مع رموز السلفية ومحركيهم بهدف تصويب بوصلتها دينيا وثقافياً ووطنياً، وتحويلهم من خنجر مسوم في ظهر المقاومة والشعب إلى ركيزة وطنية في مشروع التحرير والعودة.
- عودة قوية وجماعية للصف القيادي الكاريزيمي والمؤثر إلى المساجد لانتشالها من حالة الترهل والضعف التي تعتريها، لجهة النهوض بالشباب فيها ليكونوا منارات أخلاق وسلوك وبوابات استقطاب واستيعاب للشباب الذين يعج بهم المجتمع ولم يعرفوا الطريق إلى المساجد بعد.
- العمل وبجدية وحزم على انهاء كافة التجاوزات التي يقوم بها أفراد من حماس والتي يتخذها المتطرفون قواعد لمهاجمة حماس والطعن في منهجها ومقاومتها الباسلة.